كان من الغريب عودة الحوثيين للصراع في الضالع، وقد تلقو الهزيمة ومنيو بالخسائر في المرة الأولى، لكن المتابع لإعلاميي ونشطاء الحوثيين والضالعيين على حد سواء.. يجد ان هناك روابط تجمع هاتين الجماعتين بشكل خاص، علماً ان الاولى جماعة دينية، فيما الثانية تنطلق في عقيدتها القتالية من الجهوية المناطقية، ومن المفارقة العجيبة أن الجماعتين (الدينية والمناطقية) تعدان مركز الأزمة السياسية على المستوى الوطني. أولاً: لا تزال الجماعتان ترفضان المشاركة السياسية وفق القواعد السياسية، بل يصران على التعاطي في الشأن السياسي كرجال دين بالنسبة للحوثيين، وكعسكر بالنسبة للضالعيين، وان كان يحسب لهما المشاركة في عمليات مفاوضات او مباحثات سياسية إلا أنها في نتيجة الأمر تفشل، ذلك لعدم قدرتهما استيعاب القواعد السياسية وخروجهما من الإطار الديني والعسكري في الشأن السياسي.
ثانياً: تجمعهما "الاستثنائية العدائية"، فالمراقب للحرب بينهما يجد نفسه امام حرب صفرية، على عكس الحروب التي تخاض في غير جبهات، حيث تراعى القواعد وأخلاق الحرب نوعا ما، ويُلمس الحرص على سلامة نسبية في مناطق الصراع، وحفظ سمعة المقاتلين باختلاق دوافع ومبررات أخلاقية او وطنية للصراع. ربما يعود الصراع على شكل "الحرب الصفرية" في الضالع لاستشعار الطرفين بانهما يخوضان معركة وجود، وسيطرة كلٍ على ساحته، فالحوثي لا يصارع في الضالع من أجل صعده مثلاً، بل من أجل الشمال كله، وهو الأمر الذي قد يكون وراء مجازفته في التوجه مجدداً نحو تلك الجبهة، (كورقة ضغط وتسويه تزيد من فرص احتفاظه بأكبر جزء شمالاً) فيما يصارع في نهم مثلا من اجل فرض سيطرته على نهم، او في تعز من اجل تعز، (ليحقق مكاسب شعبوية وعقائدية وأمنية وغيرها على مستوى المنطقة ذاتها)... وكذلك الحال بالنسبة للضالع فهي حين تخوض صراعاً في عدن فلا تخوضه من أجل تعزيز وجودها جنوباً، بل لفرض سيطرتها على عدن ذاتها، لكنها حين تصارع الحوثي في الضالع فانها تصارعه من أجل: الأرض والكرامة؟ نعم، ولكن هناك جزء سيكيولوجي آخر ربما يمثل دافع أكبر لدى مقاتلي الضالع وهو: الوجود والسلطة على الجنوب كله، اذ كيف للضالعي ان يرفع راسه جنوباً إن هو هزم في الضالع؟ خصوصا مع استشعاره للتهديد، والمنافسة المستمرة مع غيره من المكونات الجنوبية، سياسية وعسكرية و"مقاومة". يختلف حال الحوثي هنا، فهو رافع راسه شمالاً سواء بنصره في الضالع او بدونه، فليس له غاية فيها سوى كونها ورقة ضغط سياسياً ليس إلا، وهذا يشير إلى تفكير سياسي متطور لدى الحوثي. ثالثاً: الحوثيون لديهم دين بلا ضمير، حيث يؤمنون بأن نطفة آل البيت خير من غيرها على مستوى البشرية جمعاء، فيما الضالعيون لا دين لهم ولا ضمير، نظراً للخلطة الخاص بهم (جهوية مناطقية، أحقاد تاريخية، اشتراكية محرفة)، كلاهما متعصب وعنصري حد تنفيذ شريعة الغاب، كلاهما مستعد لهتك عرضك واستباحة دمك وضرب كل الحرمات عرض الحائط، لمجرد خلاف حول فكرة!! عتادهم "القرون" وليس العقل والحجة والحق!! وهذا يُلاحظ بردات فعلهم في الخلافات العامة والخاصة، آخرها ردّ أحد إعلاميي الضالع، في حديث مع آخر حول وجوب التحري عن صحة الأخبار قبل نشرها.. شن الضالعي هجوماً مفاجئاً لا داعي له، وصل حد العرض والشرف وتزييف التاريخ والحقائق للنيل من محاوره!! ختمه ب "يجب أن يكون لك قرون قبل الكلام" !!!! وهذه ليست حالة أستثنائية. اختلافات: الحوثيون أكثر تريثاً في الحكم على الآخرين وتصنيفهم في خانة الأعداء - الأصدقاء.. لايحبذون كسب العداوات غير الضرورية، على الأقل مرحلياً.. يتمتعون بقدرة اكبر على التعلم سريعاً من اخطائهم.. على عكس الضالعيين فإنهم لايتريثون في الحكم على الأخرين وكسب العداوات.. ولايكترثون لأخطائهم التي تحسب عليهم وتضرب علاقاتهم مع غيرهم من الجنوبيين قبل الشماليين. مفارقات: 1- في الاخبار، ينفي الحوثي وجود عناصر إيرانية او لبنانية ضمن قواته، الأمر الذي يدرك العالم عدم صحته.. رجال الحوثي يفضلون أن يبدون مكتفين ذاتياً.. وأنهم ليسو بحاجة لرجال آخرين يقاتلون عنهم.. على عكس الضالعي فهو ينشر الصور تلو الصور فخوراً بوجود إماراتيين على أرضه يقاتلون لأجله!! 2- في كل مرة يصرح فيها الإعلام الحوثي بمقتل جندي إماراتي على أرض اليمن، فان الإعلام المحلي والدولي يكتض بصور جثة القتيل ومراسيم العزاء.. فيما إعلام الضالع ومنذ أربع سنوات يصرح بمقتل جنود إيرانيين ولبنانيين ومع ذلك لا تظهر صورة واحدة للرأي العام تؤكد ذلك. ملاحظة: ليس ثمة شعور بمسؤولية الأعلامي نحو قيمة الكلمة. هذه نتيجة مؤلمة. الحوار مع المتعصب عموما، (العصبية مرادفة للجهل)، لا يسفر إلا لتأكيد الخيار العسكري!! نتيجة2 في الحرب لوحظ السقوط الأخلاقي المريع خصوصا للقيم التي ارتبطت بالرجولة، كالصدق، الرصانة، الترفع، ... وغيرها مما كان يحيط الرجل كهالة تجعله محترما ذا هيبة أكثر من القانون حتى. كان الإعلاميون او الناشطون يتمتعون بهذه الهالة (الرجولة)، نظراً لسلوكهم المهني (بعيداً عن حياتهم الخاصة)، اليوم بات حال الرجولة لدى بعض هؤلاء يقول "سادسكن ياخواتي"، "يلاقف ساع النسوان"، حتى نحن النساء نعجز عن مجاراتهم!! فغالباً ما يخوضون النقاش كمعركة، يعتمدون في النيل من خصومهم فيها على حرف النقاشات الى منحنيات اخرى!! من المؤسف أن السيئة تعم، وأن يصبح هذا انطباع يسببه البعض فيسيء للعامة، لكن هذه الكارثة المهنية الأخلاقية لن تعالج إلا برفض المواطنيين أنفسهم للسفاهة والأساليب المريضة التي تصدر من ابنائهم قبل غيرهم. حين نجد الحوثي والضالعي يدافعون عن حق وجودهم بشرف ورصانة، حين يحترما الدم الهادر في الجغرافية بطولها وعرضها، وحين يدركا ألا حاجة للابتذال وقد جمع الطرفين ميدان القتال.