الوطن شيء مقدس ورمز تتوارثه الأجيال ، الوطن هو الأرض الواسعة التي تشخص ببصرك على مداه ولا تصل أبدا إلى أقصاه ، هو مساحة معنوية ومادية في آن واحد ترسمها مخيلتك ، قلاع عظيمة وأسوار حصينة تعتز بها فلم يسبق لها مثيل ولن يحل محلها في قلبك بديل ، هو المكان الذي تشعر بأنك ملكا بين مدنيه وحواريه ، كيف لا وأنت نشأت وترعرت فيه ، أكلت من خبزه الدافئ وشربت من مائه العذب ، لعبت وركضت وانجرحت وتعالجت وتألمت ثم نمت ونسيت ! تعلمت وكبرت فيه، إنه حيث تشعر بالإنتماء والرغبة بالإبداع ، فعصارة تجارب حياتك مرت من خلاله ، كونت صداقات ، إفتعلت المشكلات ، سارعت إلى عمل المبادرات ، عملت لأجله بجهد كبير وعمل متواصل ربطت الليل بالنهار ولا تزال تشعر أنك مقصرا نحوه ولم توفيه حقه ولن تفعل يوما مهما بذلت وشيدت ! بكم تبيع وطنك أنت يا من تربيت تحت سماه وفوق أرضه ؟ أتعرض أهلك وأخوتك للبيع بكنوز من ذهب وتكون مرتزقا ؟ أترهن جيرانك وأصدقاءك الذين وقفوا في صفك وساندوك في السراء والضراء مقابل جبل من المال وتصبح عميلا ؟ أتخذل ضميرك وقضية شعبك المصيرية لأجل منصب وكرسي وتصبح خائنا ؟ إن الراسخون على مبادئهم في الأزمات والمحن لهم أشد ثباتا من الجبال الراسية لشدة الإغراءات والمغريات التي تعرض عليهم ، فكما جاء في الحديث الشريف : " فتنة أمتي هذه في المال " ، فهي تعمي الأبصار وترجح الكفاف وتصوب الأخطاء وتحول الحق باطلا والباطل حقا عند بعض ضعفاء النفوس وكما قال الشاعر : إن الدراهم في المجالس كلها ... تكسو الرجال مهابة وجلالاً ، فهي اللسان لمن أراد فصاحةً ... وهي السلاح لمن أراد قتالاً ، إن المرتهنون في الحياة هم الذين يحددون سعرا لأنفسهم ويبعون أوطانهم فيسهل شراء ذممهم بسرعة ، قل لي كم قيمتك أقولك من أنت ! . هل يظنُّ كل من باع وطنه أو فرط به متعمدا أن جريمته ستنسى مع مرور السنين أو تسقط بالتغاضي ؟ لم أستطع حتى اليوم إستيعاب طريقة تفكيرهم ، إلى أين يريدون أن يصلوا بهذا المركب ؟ ماذا سوف يستفيدون ؟ ءانسوا أن الدهر يتقلب والإيام دول والليالي حبالا وكما تدين تدان! فكما تبيع اليوم نفسك ووطنك إلى العدو بأضخم الأسعار ، فغدا سوف يقوم العدو ببعيك في سوق النخاسة والرق مجانا بعد أن يستخدمك ويحرق كرتك وينتهي منك ، ليس لديكم بصيرة أو تفكير بعيد المدى أبدا . لابد أن تدركوا أن الثوابت ليست متجرا للسلع يعرض كل شيء فيه للبيع ، فالثوابت في هذه الحياة هي أشبه بخطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها كالدين والنفس والوطن والكرامة والثبات على المبادئ وغيرها والتضحية بالنفس والمال من أجل الثوابت هي أعظم القربات عند الله لمن إعتدى عليها ، فالواقفون عندها هم فقط من سيثبتون دعائم الأمن ورواسي الأمان وسيحددون آفاق المستقبل لأوطانهم التي لاطالما ناظلوا من أجل إستعادتها ، وسوف يصلون إلى غايتهم بإذن الله مادام أنهم على طريق الحق ثابتون ، "وماذلك على الله بعزيز" .