في سفر الحياة الطويل ثمة شخوص لايمكن نسيانها ابداً ابداً يظل حضورهم قويا حد في حدقات العيون وفي تجوايف القلوب .. تمر السنوات طويلة بطيئة سريعة ويتغير كل شيء الا ان ثمة نوع من الناس يظل حضورهم طاغياً لانهم جديرون بذلك .. قليلون هم من لاتناساهم ذاكرة الناس وذكرياتهم ويظلون فيها إلى الأبد ومع كل مناسبة وذكرى تتجدد إلى الأبد. في ذاكرة الجنوب عامة وتحديداً قليلة هي الأشخاص التي ارتبط وجودها بقلوب الناس وكينونتها ومهما باعدت السنوات الناس عن هؤلاء الناس ، غادروا أو غابوا الا ان حضورهم يظل طرياً منعشا محببا إلى الذات ..
في عدن خلال العقود الماضية ذات يوم خسرت المدينة والجنوب قاطبة هامة اعلامية سطرت الكثير والكثير في وجدان الناس ولازال حضورها طاغياً حتى اليوم .. هذه الهامة الإعلامية هي الاعلامي الشهيد " جمال الخطيب " الغائب عن دنيانا الحاضر في وجداننا إلى الأبد. في ذكرى ميلاده الخامسة والستون جادت أيادي كريمة لكريمته الإعلامية البارزة " لبنى الخطيب" بمقال للذكرى وكلمات هي الوفاء بحد ذاته .. ينشر " عدن الغد" هذه المادة وفاء وعرفانا بأستاذ قدير عزيز وجليل غادر حياتنا على غير موعد ... "لبنى الخطيب" تناجي اخاه في عيد ميلاده الخامس والستون فالى هذه المناجاة
كتب /لبنى الخطيب
أخي حبيبي وتاج راسي وأسرتنا جميعا يالغالي جمال الدين الخطيب ،في الساعات الأولى للخامس من أكتوبر يوم مولدك سطرت هذه الكلمات ، لا يمكن نسيانك أبدا مادمنا على قيد الحياة، و لا يغيب عن بالنا ذكرى مولدك وأنت الحي الحاضر الغائب عننا جسدا وذكراك الطيبة لا تفارقنا.
أخي الحبيب اكتب كلماتي من قلبي قبل قلمي، من روحي وأخطها بدمعي في ذكرى ميلادك الخامسة والستين يرحمك الله ، وغصة في القلب القدر لم يمهلك ، كنت في عز الشباب التاسعة والثلاثين وثلاثة أشهر وكم يوم تقريبا ،استشهدت في أحداث 13 يناير 1986م المشئومة ، التي حصدت أرواحا كثيرة من أبناء الوطن ، وياليت تلك دروس و عبر للصراعات الدموية ، و ما نعيشه الآن أكثر فظاعة ودموية ، ولا تزال الأرواح البريئة تحصد يوميا بأبشع الأسلحة وراء السلطة.
ياخال أولادي يافخرنا و لأبنائك وأحفادك ومن عرفك وسمع بك ،وكل محبي الإبداع والعمل الناجح ، حرصت على العطاء والإبداع الإعلامي إذاعيا وتلفزيونيا ، رغم قصر عمرك الذي عشته تطورت وحفرت اسمك في الصخر و نقشته بماء من ذهب ،أحتليت مكانة كبيرة بين الكبار في تاريخ إعلامنا اليمني من إذاعة عدن العريقة وتلفزيونها ومقرهما مدينة التواهي الهادئة . كنت مثال للنشاط والالتزام والمثابرة منذ صغرك في دراستك ونشاطك الرياضي في سباق الجري ، هويت جمع الطوابع وتربية الحمام ، كنت شغوفا بالقراء والاطلاع والاستماع لمحطات الإذاعة منها صوت العرب من القاهرة وإذاعة البي بي سي العالمية من لندن .
عشقت العمل الإعلامي توظفت في إذاعة عدن وتدرجت فيها إلى مذيعا ومحاورا وأخر منصب شغلته مديرا لها 1977-يناير 1986م ، خطوتك الأولى فيها مقدما لبرنامج موسيقي للاغاني الغربية ، و لاحقا برامج كثيرة ومنها جولة الميكرفون ، تميزت به كما تميز قبلك بتقديمه الأستاذ عبدالحميد سلام .و حدثني هو عن تميزك في عملك وقوة شخصيتك " والكاريزما " التي تمتعت بها ،وأضاف انك قدمت برنامج" يوميات إخبارية " لمدة عشر دقائق تناولت موضوعا معينا سياسيا أو اجتماعيا ، وحينها أشاد فيك أمامه السيد عبدالله علي عقبة وزير الثقافة والإرشاد بين 20/4/68- 22/6/1969م في اليمن الجنوبي بعد الاستقلال:" البرنامج ممتاز و نجح جمال الخطيب بتقديمه و شكل نقطة تحول في عمله ، حيث بدأ مقدما لبرنامج موسيقي وانتقل لبرنامج جاد ".
كما أطلعني الرجل الفاضل الإعلامي القدير ،والذي اعتز به والحديث معه دائما الأستاذ عبدالحميد سلام ،بسر لا يعرفه اقرب المقربين لك يا غالي ، فبعد انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشطر الشمالي من اليمن ومع النشاط السياسي والمد الثوري في الوطن والوطن العربي ، قررت الذهاب للعمل في إذاعة تعز1964م ، إلا انك عدلت عن ذلك في أخر لحظة للبقاء إلى جانب والدتنا الغالية التي تحملت عبئ الحياة لاغتراب والدنا في بريطانيا ، يرحمها الله هي من زرعت فينا حب الدراسة والعمل والخير والإعتماد على النفس والثقة بها ، وكل شئ جميل في الحياة ، المرأة القوية المعطاة الشامخة ، بكل فخر نعتز بها أعتمدت على نفسها لتوفر لنا سبل العيش البسيط من حياة سوية ،و لقمة شريفة وهدمة نظيفة ،ببيعها كأغلب نساء ذلك الزمان المتعسرات بالاكتساب من" خياطة الملابس وتطريزها وحياكة كوافي الرجال أو بيع العشار والغريبات والفوفل الملبس "،كم أنت عظيمة يا فطومة ألف رحمة عليك ،و كنتِ فخورة في حياتك بأولادك قرة عينك ومهجة قلبك منهم الإعلامي البارع ،الطيار الحربي الجسور ، التربوية القديرة ،المحاسب المالي وأنا الصغرى تلمست طريقي في عالم الصحافة ، تضحيتك لم تذهب سدى ربيتي رجالا ونساءً يعتزوا بك شرفوك و الحمدلله .
هذا و مهما قلت وعدت لن أفي حقك يا حبيبي ياجمال رغم فرق العمر بيننا ستة عشر عاما إلا انك كنت القريب مني أخاً وأباً وصديقاً ، يامن لك من إسمك نصيب فحملت جمال الروح والفكر وعشقت الإعلام ، ومناصرة المظلوم وتشهد مواقفك و برنامجك الذي تميزت به " الو الإذاعة معك " أنصفت كم مظلوم و أفرحت كم يائس .
كنت لطيف وجاد ، والناس معادن والرجل موقف ومواقفك النبيلة كثيرة ، و مديرا للإذاعة لم تجلس في برج عاجي ، غطيت نوبة زملائك لغيابهم الاضطراري ، أو فجرا لتعذر وصولهم لخلل سيارة الموظفين أو لظروف خاصة بهم ، قرأت الأخبار ربطت البرامج أو منفذاً ، أجدت التعامل مع كل قطعة فنية وهندسية في أجهزة البث ،استدعى الأمر ذات يوم وصولك بسرعة لقرب إشارة ضبط الوقت للإرسال الإذاعي ، أسرعت واثق الخطى من منزلك في التواهي لقربه من الإذاعة وبالملابس التي كنت نائم بها"الفوطة والجرم الداخلي "،مسرعا لبدء افتتاح إرسال السادسة صباحا ، لم تكن أنانياً لحظتها لتجلس في بيتك و تحاسب من المتسبب في التأخير ،وإنما غطيت بأروع ما يقوم به رجل مسئول عن جهاز إعلامي حساس يديره ، وان كانت هناك محاسبة بعد ذلك لا تتجاهلها أبدا ، الأهم لديك هو البث الإذاعي مضبوطا مع عقارب الساعة .
لم تميز أو تحابي احد في عملك ،ومنهم شريكة حياتك أم محجوب أسمهان بركات،من رائدات العمل الإذاعي كضابطة صوت ولاحقا بالمكتبة الصوتية ، واصلت تربية أبنائكم خير تربية ، وفية لك الله يمدها بالصحة هي اختنا الكبرى ، وأولادك أولادنا و أمانة في أعناقنا .
سيرتك حافلة و عطرة ولا أستطيع اختزال مهارتك وحنكتك الإعلامية ومواقفك الإنسانية في هذه الأسطر ،عشت 39 عاما مليئة بالعمل والنشاط ، يرحمك الله ويسكنك الله فسيح جناته ، فقدناك وكوكبة لامعة من خيرة أبناء الوطن في الإحداث المأساوية التي عصفت بالوطن شمالا وجنوبا، وليتعظ من يسعى وراء الكرسي ، أو سلطة زائلة من دروس التاريخ .