لإذاعة عدن تاريخ لا يختلف عليه اثنان ، وكانت محطة عدن للإذاعة كما سميت في بداية تأسيسها في 7 أغسطس عام 1954م نجحت في جذب المستمع ، في مدينة عدن وخارجها ، رغم فترة بثها القصيرة وقلة برامجها وتواضعها وعفويتها وتلقائيتها ، فحسبها أنها كانت برامج تحاكي هموم الناس وتدغدغ مشاعرهم وترفه عنهم بتلك الأغاني العدنية واللحجية والصنعانية ، فتزيح قليلاً الهم عن كواهل الرجال الكادحين طوال النهار والليل ليوفروا لقمة العيش الكريم لعوائلهم ، وتسلي النساء في بيوتهن وترفه عنهن ، بعد عناء شغل البيت وتربية الأطفال . وما يُذكر عن هذه الإذاعة المرموقة ، الأولى في شبه الجزيرة العربية والرابعة بين إذاعات الوطن العربي بالميلاد ، تميزها في استقطاب عناصر مثقفة في مجال الأدب والفن والفقه الديني والعلوم الأخرى التي أفادت كثيراً في إعداد البرامج المتنوعة والشيقة ذات الأسلوب الجذاب في التقديم والإلقاء ، مما حقق لها النجاح الكبير بين أوساط المستمعين . وهل لنا أن ننسى الشاعر ، الأديب ،الفنان ،المذيع والمُعِد لطفي جعفر أمان ؟ وعالم الدين الفقيه الشيخ عبد الله حاتم ، وحسين الصافي ومنور الحازمي ومحمد سعيد جرادة ، رحمهم الله جميعاً والفنان المبدع محمد مرشد ناجي ، دعواتنا له بالصحة وطول العمر ، وغيرهم من إذاعيي عدن في تلك الفترة؟ أو هل لنا أن ننسى المذيعة الأولى عديلة بيومي وهي تقدم برنامجها "دنيا الأطفال" ؟ أو ماهية نجيب رحمها الله وبرنامجها " مع ربات البيوت" وعزيزة حمزي ( أخت المذيعة فوزية عمر ) وأسمهان بيحاني ، رحمة الله عليها ، والمذيع والمعد والفنان الجميل عبد الرحمن باجنيد ؟ والإعلامي المتميز الفقيد علوي السقاف ؟ أو فوزية عمر ، صاحبة الوجه البشوش والصوت الناعم ؟ أو المذيعة ذات الصوت الرصين والمتمكنة من اللغتين العربية و الإنجليزية، وهي تقدم نشرة الأخبار باللغتين ؟ كيف لنا أن ننسى هؤلاء الذين أفنوا حياتهم في تعزيز دور ومكانة الإذاعة في المجتمع ، وجميعهم كانوا نخبة من الإذاعيين المثقفين . ومع تطور الإذاعة مادياً وبشرياً وتقنياً ، خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم ، زادت ساعات البث وتطورت موجاتها لتصل إلى معظم أصقاع العالم ، وتوسعت مساحة البرامج وتنوعت أكثر ؛ فتناولت عديد من القضايا الهامة التي تهم المواطن وتلامس همومه ومشاكله ، وكانت الإذاعة تميزت في التطرق إلى مواضيع جريئة ذات البعد الاجتماعي العميق ، وكان برنامج "البث المباشر" والالتقاء بالمواطن عبر مايكروفون الإذاعة أنموذجاً لذلك ، والذي أبدع مقدمه الشهيد جمال الخطيب ( أستشهد في أحداث 13 يناير 1986م الدامية ) في فتح المجال للمواطن للتعبير عما يجيش في صدره من هموم ومعاناة ، مما عرّضه إلى النقد من قبل السلطة السياسية آنذاك ، ولعل مواقف الخطيب المبدئية الثابتة تلك هي التي كانت السبب في تصويب رصاصة الغدر إلى صدره بغية إسكاته إلى الأبد ، وكذلك الحال مع الإعلامي عبد الرحمن بلجون الذي استشهد ذات اليوم الذي استشهد فيه ، للأسف ، كثير من الكوادر الوطنية في مختلف مجالات العمل والتخصصات المهنية . تستحق إذاعة عدن اليوم ، رغم شحة إمكانياتها وتواضع برامجها ، وهي تحتفل بالسنة الميلادية السادسة والخمسين على تأسيسها ، تكريمها من قبل المستمع اليمني داخل وخارج اليمن ، الذي رافقها ورافقته طوال تلك السنين ، وأن يتذكر كل مراحل حياتها ويدعو لها ألا تشيخ جراء إهمال وزارة الإعلام لها ، بعدم إنشاء مبنى جديد لها مزود بالاستوديوهات ومدها بالأجهزة الجديدة المتطورة لا ننسى في هذا المضمار تليفزيون عدن الذي تأسس في سبتمبر 1964م الذي يعاني ذات المشكلة ورفدها بالكوادر المتخصصة في الإعلام المسموع وفي إعداد البرامج المختلفة وفي التقديم الإذاعي ، وإعادة تأهيل وتدريب الكوادر الموجودة حالياً محلياً وخارجياً . ويكفي أنها رغم هذه الضائقة ، أنها حازت على الجائزة الذهبية في مهرجان الخليج الحادي عشر للإذاعة والتليفزيون الذي نُظم في مملكة البحرين في فبراير العام الجاري ، عن برنامجها الأسبوعي " نحن والبيئة " ، الذي يعده الزميل المبدع علي سلام فارع وتقدمه الزميلة المتألقة نبيلة حمود ويخرجه الزميل المبدع سعيد شمسان . وقد تناهى إلى مسامعنا أن وفداً من مجلس النواب كان زار ، منذ أيام عدة إذاعة عدن ، وطاف في الطابق الوحيد في مبنى ( البينو ) القديم والمتهالك ( عمره ما يقارب 70 سنة ) حيث توجد فيه استوديوهات الإذاعة الضيقة والتي لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة ، وتشكو من تردي أوضاعها . وكان الوفد استمع إلى شكاوى الإعلاميين هناك وتجاوب مع معاناتهم ووعد خيراً .. فهلا نرى هذا الخير قريباً ؟ نرجو ذلك .. ولن نعيد ما قلناه في مستهل مقالنا عن تاريخ هذه الإذاعة الذي تعرفه تماماً إذاعات العالم كافة وتحديداً إذاعة الشرق الأوسط وإذاعة صوت العرب ( مصر العربية ) وإذاعة ال بي بي سي (بريطانيا ) وإذاعة جيبوتي ( جيبوتي ) . تحية احترام وإجلال لكل العاملين في إذاعة عدن المجيدة ، الذين رغم الصعوبات التي تواجههم ، فإنهم يؤدون واجبهم الإعلامي ، التوعوي ، ويتعاملون بصبر وبمسئولية جبارة مع الأجهزة القديمة التي عفا عليها الزمن . ورغم ما يتقاضونه من رواتب ومكافآت لا تتوافق مع ما يقدمونه من جهد إعلامي خارق ، ورغم تناسي الجهات المختصة إشراكهم في الدورات التأهيلية لتحسين مستواهم المهني ، إلا أننا نجدهم صابرين ، مرابطين في مواقعهم ، وثقتهم بغدٍ أفضل وبتطوير إذاعتهم يتعزز في نفوسهم يوماً عن يوم .. بقي على وزارة الإعلام أن تفي بوعودها الكثيرة ، والنظر بجدية إلى وضع الإذاعة الحالي ، وإلا سيكون الفناء لها .. وهذا ما لا نرضاه .. ولا أعتقد أنه يرضي أحداً .. span style=\"color: #666699\"* نائب رئيس نقابة الصحفيين اليمنيين فرع عدن