هل فكر أحد بكيف سيغدو اليمن بعد ربع قرن من الزمن وهو يقف على الأرقام الصادمة لواقع أطفال هذا البلد الغارق بالحرب والصراعات التي بلغت ذروتها خلال الخمس السنوات الأخيرة..؟!..
ما يقارب 4 ملايين طفل يعيشون على خارطة جبهات الحرب الملتهبة جلهم تعرضوا لصدمات نفسية تركت أثراً سلبياً بالغاٌ في حياتهم.
علماء النفس يجمعون على أن الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال تقود إلى حدوث إختلال نفسي وذهني وصحي على الطفل مفرزة شخصية مريضة كلٍ حسب صدمة التأثير والمعالجات للتخفيف من الصدمات.
تدني مستوى التحصيل العلمي يرافقه رهاب نفسي وذهني وأعراض مرضية أخرى تؤدي في مجملها إلى تدمير شخصية الطفل، ليست النتيجة الكلية لآثار الصدمات التي يتعرض لها الأطفال اليمنيين وبالذات الواقعيين على حدود الجبهات الملتهبة، بل تتفاقم المشكلة وهي الأخطر على البلد وهذه المشكلة تكاد تكون غائبة من الأجندات الموجهة لحماية الطفولة في اليمن.
أطفال في حروب الكبار تقول خِيرْت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "من شأن الظروف المعيشية لأطفال اليمن أن تجلب العار على البشرية. لا يوجد عذر لمثل هذا الوضع السوداوي في القرن ال 21. الحروب والأزمات الاقتصادية وعقود من التراجع في التنمية لا تستثني أي فتاة أو فتى في اليمن. معاناة الأطفال هذه كلها من صنع الإنسان".
وتضيف "إن حصيلة أكثر من أربع سنوات من الحرب في جميع أنحاء اليمن مرعبة، فأكثر من 3 ألاف طفل تجندوا للقتال في حرب الكبار وأكثر من 7 ألاف طفل قُتلوا أو أُصيبوا بجراح بالغة واجبر حوالي 1.5 مليون طفل على النزوح، العديد منهم يعيشون حياة بعيدة كل البعد عن الطفولة".
أيضا تقول كابالاري "اليوم في اليمن، هنالك 7 مليون طفل يخلدون للنوم كل ليلة وهم جياع. في كل يوم يواجه 400 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد، ويتعرضون لخطر الموت في أي لحظة. أكثر من مليوني طفل لا يذهبون إلى المدرسة، وحوالي 3.7 ملايين طفل باتوا مهددين بالتوقف عن التعليم، أما الذين يذهبون إلى المدرسة فيواجهون تعليم ذات جودة متدنية داخل غرف صفية مكتظة، ومن خلال تفاعلنا مع الأطفال يظهر بوضوح كم هذه الجراح النفسية والجسدية وخيمة وعميقة. وراء كل هذه الأرقام هنالك أطفال لهم أسماء ووجوه وعائلات وأصدقاء وقصص – لهم أحلام تحطّمت، وحَياة قطعت قبل فوات الأوان".
وتسشتهد كابالاري بقصة ل"زكريا ، صبي يبلغ من العمر 12 عاماً، تقول كابالاري التقيت بزكريا في مركز لإعادة التأهيل، كان يرعى الماعز عندما داس على لغم سبب له اعاقة لمدى الحياة. تساءل زكريا عن ما إذا كان قد يتمكن من رؤية معزته المفضلة مرة أخرى. أمّا علياء، ذات التسعة أعوام، كانت نائمة عندما تعرض منزلها لهجوم. استيقظت بعدها في المستشفى بدون ساقين. تحلم علياء بأن تصبح طبيبة.
وتتسأل كابالاري"هل باتت هذه الأرقام، والقصص خلفها، مهمّة في واقع الأمر؟ كان على هذه الأرقام أن تصدم العالم ليتّخذوا الإجراءات اللازمة منذ فترة طويلة. بينما أدت الحرب الدائرة والوضع الاقتصادي السيئ بتفاقم الوضع سوءا. لم تُؤخذ مصلحة الأطفال في اليمن بعين الاعتبار لعقود من الزمن.
وحسب كابالاري "يعتمد اليوم كل طفل في اليمن تقريباً على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة. إن الدعم الذي تقدمه اليونيسف والشركاء الآخرون في المجال الإنساني ينقذ الحياة، ويخلق فسحة من الأمل.
وتستدرك كابالاري "لكن المساعدات الإنسانية وحدها لن تجلب الحل لهذه الأزمة المهولة والتي هي من صنع الانسان".
وعن الحل تقول كابالاري السبيل الوحيد للخروج من هذه التدمير هو من خلال تسوية سياسية وكذلك من خلال إعادة الاستثمار في اليمن مع إبقاء الأطفال في مركز الاهتمام. السلام المستدام هو الحل..
من غير المقبول وذكرت منظمة اليونيسف بأنه مع بدء العام الدراسي الجديد 2019 في ظل العنف المتواصل في اليمن، يوجد مليوني طفل خارج المدارس بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس 2015. كما بات تعليم 3,7 مليون طفل آخر على المحك حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين منذ أكثر من عامين.
وقالت ممثلة اليونيسف في اليمن السيدة سارا بيسلو نيانتي: "لقد تسبب النزاع وتأخر عجلة التنمية والفقر في حرمان ملايين الأطفال في اليمن من حقهم في التعليم – وحرمانهم من أملهم في مستقبل أفضل. كما يتسبب العنف والنزوح والهجمات التي تتعرض لها المدارس في الحيلولة دون وصول العديد من الأطفال إلى المدارس. ومع استمرار عدم دفع رواتب المعلمين لأكثر من عامين، فإن جودة التعليم أصبحت أيضاً على المحك".
لقد تصاعد النزاع الراهن في اليمن منذ أكثر من أربعة أعوام وألحق دمارا واسعا في نظام البلاد التعليمي الهش أصلا، ولم يعد من الممكن استخدام مدرسة واحدة من كل خمس مدارس في اليمن كنتيجة مباشرة للنزاع، حد تأكيد اليونيسف.
وقالت السيدة نيانتي: "بعد مرور ثلاثين عاماً على المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل، فمن غير المقبول أن يكون التعليم وغيره من حقوق الطفل الأساسية بعيدة المنال عن الأطفال في اليمن وكل ذلك بسبب عوامل من صنع الإنسان".
عندما لا يلتحق الأطفال بالدراسة فإنهم يتعرضون لمخاطر لا حصر لها من الاستغلال وسوء المعاملة وانتهاكات لحقوق أخرى.
وأضافت السيدة نيانتي: "يواجه الأطفال غير الملتحقين بالمدارس مخاطر متزايدة من التعرض لكافة أشكال الاستغلال بما في ذلك إجبارهم على الانضمام إلى القتال، وعمالة الأطفال، والزواج المبكر. كما يفقدون فرصة النمو والتطور في بيئة تحيطهم بالرعاية والتشجيع، ويصبحون عالقين في نهاية الأمر في حياة يملؤها العوزُ والمشقة".
ويقول مدير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، إن "اليمن فقد 20 عاما من التنمية"، مضيفا: "آلاف المدارس أغلقت، وملايين الأطفال لا يستطيعون حضور الفصول الدراسية، فاقدين جيلا من التعليم"، ومحذرا من أن واحدا من بين كل ثلاثة يمنيين مهدد بالموت جوعا، من بين 30 مليون يمني، إجمالي سكان اليمن.
كيف سيغدو بعد ما يقارب ربع قرن من الزمن سيُحال النصيب الأكبر من القوة العاملة باليمن إلى التقاعد والنسبة الباقية ستغادر خارطة الحياة بفعل الوفاة، ووفقاً لمعطيات التركيبة السكانية سيحل مكان القوة العاملة راهناً، سيحل مكانها الفئة العمرية التالية للشباب وهم الأطفال، فيما هذه الفئة العمرية النسبة العظمى منها معاقة نفسياً وذهنياً، أضف إلى ذلك بأن نسبة منها حُرمت التعليم والنسبة التي حالفها الحظ وألتحقت بالتعليم مخرجاتها متردية لا تواكب متطلبات سوق العمل وتقديم الخدمات المجتمعية وإدارة مؤسسات الدولةُ، فكيف ستُحل هذه الإشكالية المعقدة..؟!..##