يعجز المرء احياناً عن الإسترسال والحديث عما يجيش في صدره وحياته لشعوره بإن الكلمات لا تفي بالغرض او القصد شيئاً ولا تحقق الهدف كاملاً خصوصاً عندما يكون الحديث عن احدى الهامات التي اجهدت نفسها لتسعد غيرها وقدمت الكثير والكثير على حساب وقتها وصحتها حتى مماتها لينعم مجتمعها بالصحة والعافية والخير الوفير وهو الذي كانت تعتبره غاية مرادها.. لذلك فقد حاولت جاهداً ان ابادر الى صياغة هذه العجالة وفاءً لبعض الحق في احد ابرز رواد هذه الأمة وشخصياتها النسوية الفاعلة مع علمي الأكيد بإن الحديث عن فقيدة الوطن الراحلة زهراء بنت ناشر الحوشبي لا يفيها حقها طالما وقد تجاهلها الجميع طوال حياتها وجحدوا حقها وتنكروا لكل فضائلها التي لا تحصى بل وتناسوها في احلك ظروف حاجتها اليهم وهي مراحل مرضها الأخيرة والتي عليها فارقت الحياة وفاضت روحها الطاهرة الى خالقها فوصمة العار ستظل تلاحق اولئك الذين تنصلوا عن رد الجميل لصاحبة المعروف والإحسان في المسيمير.. ان فقيدتنا الراحلة الحجة زهراء الناشرية طيب الله ثراها هذه الأم الحنون والمربيه الفاضلة التي منحها الله في حياتها نفساً كبيرة تتسع لإحتضان الجميع ووهبها سعة في كل المقاييس وحباها يداً سخيه البذل والعطاء والجود بما أمكن لها، قد سطرت في فعل الخير ومساعدة جميع النساء سجلاً عظيماً ستحكي عنه كل الأجيال المتعاقبة والتي ستتذكر دون شك هذه المناقب الخيرية الجليلة والأدوار الخالدة والمآثر الإنسانية العظيمة التي ستظل محفورة وراسخة ابد تعاقب الليل والنهار في اذهان كل سكان هذه البلاد... ولعمري لم ارى النذر من بني آدم يتبؤون هذه المراتب والمصاف في قلوب الناس إلا فيما ندر لكن فقيدتنا الراحلة بلغت المستوى العالي من الرفعة في قلوب عامة الناس وخاصة شريحه البسطاء، حظيت الفقيدة خلال حياتها حب واحترام كل فئات المجتمع وشرائحه المختلفة، لم تترك يوماً لرغبات نفسها ان تتغلب على نوازع الخير فيها فكانت من اولئك النفر القليل من البشر الذين يميتوا مطامعهم وحب الذات والأنانية، جعلت الحجة الناشرية عملها كله إبتغاء لمرضات الله في هذا الممر الدنيوي لعلمها المتيقن بقصر مدته وإنعدام قيمته مقارنة بحياة لا فناء فيها ولا جزع، ليحق فيها المقال ان لله إناس فطنا... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا... نظروا فيها فلما علموا... انها ليست لحياً وطنا... جعلوها لجة واتخذوا... صالح الأعمال فيها سفنا... نعم لقد كانت أمنا المرحومة بإذن الله تعالى زهراء بنت ناشر كذلك، فكم هي الأكف التي ترتفع في الدعاء لك وهي تتذكر فضائلك، فأنتي يا أم ابناء الحواشب من اعطى الكثير دون ان ينتظر المقابل او دون الحصول على المقابل، انتي من سهرتي الليالي لأجل إنقاذ نسائنا وأخواتنا فكانت يدك الحنونه هي من تخفف ألالم لديهن وقلبك الرؤوف هو من يرئف بحالهن فمن بعد غيابك سيقوم بهذا الدور وسيغطي هذا الفراغ الكبير الذي تركتيه؟!!... لقد تميزتي بصفات الفضل والإحسان وعرفك الكل بتلك السيدة الزاهدة الورعة التي تقضي مجمل اوقاتها في طاعة باريها عابدة، صائمة، شاكرة محبه للصلاح وفعل الخير وتعطشها للآخرة.. كانت فقيدتنا طيب الله مقامها وتغمدها برحمته وإنزلها منزلة الأبرار من خلقه ذات سلوك حسن، لم تدب الضغينة او الإحقاد يوماً فيها، ظلت تكره النفاق ولا تقبل النميمة كما انها كانت تتمتع بدماثة خلق وتواضع جم لا نظير له، كما ظلت طوال أيام حياتها الى قبل رحيلها تهوى عمل الخير وتفعله بما تستطيع... لقد كانت رحمها الله ايضاً تحث على العمل الصالح والإهتمام بالعلوم الدينية لكونها تنتمي الى اسرة معروفة ومشهورة بالعلم والوعظ والورع... كانت رحمها الله تفرح عند رؤية الفرحة ترتسم على شفاة المساكين والضعفاء من الناس، وارتبط نمط حياتها وامتزج بأفراح واتراح ابناء مجتمعها حيث كان يحزنها ما يحزنهم ويسرها ما يسرهم... إنها نعم المرأة صاحبة القلب الرحيم والمتسامح الذي لم يحمل طوال حياته عداوة او بغضاء لأحد... ونعم الأم الصبورة المتحمله التي تقابل التجاهل والنكران بالعفو والصفح... فليس المسيمير وحدها اليوم من تبكي على رحيلك ايتها الأم الحنون والمربية الفاضلة، وليس ابناء الحواشب وحدها اليوم من بتجرعون مرارة هذا الفراق الأليم.. فكل بيت عرفك في لحج يرثي بدموع الألم حرقة وداعك الأخير الى حيث لا رجعة... لان قلبك الحنون احتوى الجميع وخير فعلك انتفع به الكل فلن يكون النسيان هو من يقابل جميلك وعرفانك بل سيكون الوفاء منقوش على شغاف قلوبنا ناحيتك ما عشنا على ظهر المعمورة حتى نلحقك الى دار الخلود والبقاء السرمدي... الحجة زهراء الناشرية ستظلين انتي السيدة الوحيدة التي تركت بعد رحيلها عن دنيانا ذكرى عطرة في قلوب وافئدة جميع الناس لن تمحى مدى الدهر، فانتي فقط من عرفت بحب الخير للجميع لذا استحقيتي وعن جدارة لقب أم المسيمير.. فبرحيلك يا من اجتمعت فيك كل الشمائل والفضائل يدمع الصخر وتدمى مآقيه لعلمه التام بصعوبة تعويض الفراغ الذي تركتيه في أساس هذا المجتمع... فيا إيتها الأم الحنون من سيساعد نسائنا بعد رحيلك ومن سيعطف ويرق قلبه ويلين فؤاده على الأرامل والإيتام ومن يطلبون عونك وإسنادك لهم... اننا نقف عاجزين عن الطمع في تعداد فضائلك وحسبي هذا يا أمي وان لم نقتنع بما اوجزت.. لأصوب أكف رجائي الى المولى جل في علآه متضرعاً اليه وطامعاً في جوده وإحسانه بإن يضمك في كنف رحمته وان يتغمدك بعظيم مغفرته وان يسكنك خير منازل الجنة فهو المكرم والكريم والرحمن الرحيم الذي لا يرد سائلاً من بابه او يطرد متوسلاً الرحمة من جنابه... ندعوك يا الله بإن تلطف بمن نزلت في ضيافتك وان تلهم قلوبنا وتعصمها بالصبر والسلوان... إنا لله وإنا اليه راجعون....