لطالما كان إتباع سياسية (لاتضع كل بيضك في سلة واحدة) مجديا جدا في تعامل الدول مع التهديدات والاخطار المحدقة بأمنها القومي.. واظن اليوم ان السعوديين قد فهموا حقا معايير اللعب السياسي على طريقة الكبار.. لكني سأستميح القارئ هنا قليل وأسميها ( ضع قرشا أبيضا ليومك الأسود) ! إذ يبدو بالفعل ان التماهي السعودي الواضح مع الضبابية التي كانت تحيط كثيرا بالمواقف العمانية قد أتى من هذا المنطلق، فالطالما آثرت المملكة صمتا أمام التقاربات العمانية الإيرانية وكذا إلتزام العمانيين بالحياد من الأزمة التي لازالت تعصف بالعلاقات السعودية القطرية.. كل ذلك قطعا لم يكن عشوائيا بل تأكد اليوم انه كان نهجا مرتبا ومدروسا وله حساباته الخاصة من قبل النظام السعودي.. ثمة أخبار اليوم أكدتها وكالات عالمية تتحدث عن لقاءات سياسية وعسكرية جمعت قيادات حوثية بأخرى سعودية في أطار البحث عن حل سياسي لإنهاء الحرب والأزمة باليمن. وبالتأكيد فان لقاءات مهمة كهذه لا يمكن عزلها عن الدور العماني المهندس الفعلي لها؛ اي ان السعوديين قد استفادوا بالفعل من حالة عدم التصادم مع سلطنة عمان المنفتحة على النظام الايراني العدو الاقليمي الاول للمملكة وتفضيل المملكة هنا لمبدأ غض الطرف. وهو الامر الذي جعل السلطنة تبدو اليوم للسعوديين كقرش أبيض باتوا يحتاجونه فعلا للبقاء والخروج بأمان من مستنقع الحرب اليمنية وثقبها الاسود .. في أدبيات المعترك السياسي ومفاهيم صراعات الوجود لاشيئ دائما يظل بالمطلق حتى تحالفاتك وعداواتك يجب ان تبقى نسبية وتحوي مساحة معينة لممارسة الثابت والمتغير السياسي. أعجبتني تصريحات اليوم للقيادي الانتقالي "شطارة" حين ربط تحقيق المكاسب السياسية بشرط التوقف عن البكاء على الماضي. تصريحات وان جاءت متاخرة قليلا لكنها عكست حالة النضج السياسي التي طالما ناشدنا القيادة بتبنيها وترك الخطابات العاطفية في التعامل مع المتغيرات السياسية وضرورات المرحلة وكذا في التخاطب مع قواعد المجلس وجماهير الشعب.. عموما استطاعت المملكة اليوم عبر قرشها الابيض تحريك مياه الحل الراكدة لضمان أمنها القومي وسلامة اراضيها. فهل احتفظ الانتقالي ممثل الجنوب الاوفر بقرش ابيض يقيه مجاعة ايام سوداء قادمة؟ ترى ماذا عن الروبل الروسي، هل لازال متوافرا؟