الحديث عن انشاء الدول أشبه بالسير في حقول ألغام، فكيف بك حين تعمل في هذا المجال أن تأخذ الأمور طريقها بشكل طبيعي وصولاً الى مفهوم الدولة وتكوينها أمر ليس بالهيِّن، غير أن إعادة البنية بعد الانهيار صعب مرتين. في الأولى يتحرك الوعي مع الجهد في نفس الاتجاه، في حين يتصادم الوعي في الثانية بالادراك المضاد، الأمر الذي يتسبب في رفع منسوب الجهد وانخفاض معدل الإنجاز. والأخيرة أقرب ماتكون الى توصيف الحال الذي تمر به حكومة الدكتور معين عبد الملك في الوقت الحالي. في العادة يفترض بالنخب السياسية "حاكمة ومعارضة" وراس المال "الوطني" العمل مع التوجه العام الساعي الى توظيف مقدرات البلد للتعامل إيجابيا مع اقداره. غير أن الحال الذي يعيشه اليمن يتحرك كما يبد خارج المسار المفترض، فحين تعمل نخب سياسية وازنة ومساحة شاسعة من المال في اتجاه إعاقة المشروع الوطني الجمعي الكبير، فإن ثمة حَوَلٌ يعتري المنطق ويصيب قواعده بحالة من الكساح المتقدم. ماقبل العام 2014 كانت ثمة دولة كرتونية في هذا البلد تضمنت الكثير من الأشياء الشكلية "ديمقراطية شكلية ناشئة – انتخابات شكلية-مشاركة شكلية في الحكم – تعيينات شكلية – ومناصب ومواقع شكلية و..." ، وكان ثمة من يتحكم بهذا الكرتون من داخله وخارجه يغير في محتواه ..يفتحه حين يريد .. ويغلقه ساعة يشاء. في العام 2015 حدث شيئ ما اسمه الكارثة. ولتقريب المشهد أكثر يمكن القول أنه ومع بدء الحرب الانقلابية، انفرط الكرتون، كان الخروج فوضويا ما تسبب في تشقق جدران الكرتونة و تسرب مطامع المحتوى المتعددة نحو الخارج. ليتوزع أصحاب الخبرة في أكثر من اتجاه كل يحلم بأن يكون المسيطر. وفي حين سعت الجهود المخولة بمعالجة الامر نحو البدء في ترميم مكعب الكرتونة وجدت نفسها في مواجهة المطامع المتباينة خارج خط السير الطبيعي. لم تعمل تلك المطامع في ذات الاتجاه العام بل سعى كل منها لتوظيف خبرته في اتجاه مضاد، العمل من أجل انشاء كرتونة خاصة صغيرة. وقَّعت النخب السياسية جميعا في وثيقة الحوار الوطني على الحفاظ على الكرتونة وإعادة توزيع مساحتها الداخلية ، لكن ذات النخب والقوى خرجت من القاعة ببرنامج آخر .. تمزيق الكرتونة! ليجد الجميع نفسه خارج الدولة. يفترض المنطق ان يتعاون الجميع من اجل الحفاظ على البيت قائما، لكن ذلك لم يحدث بل عملت هذه المطامع كل بحسب ثقلها وامكاناتها على هدم الواجهات لغرض تسهيل نقل الغرف الى الخارج! مع كل قوة تحاول فيها سلطة الرئيس هادي العمل عبر حكومتها للصق الشقوق، تجد نفسها في لعبة شد حبل مع القوى العاملة ذاتها فلا يظهر الإنجاز. تعمل المطامع الصغيرة بذات الأدوات "المعرفة، السلاح، المال، والعلاقات" في اتجاه احباط المشروع الكبير، فيما يوظف التجاهل الجهل بالتفاصيل للعمل الإعلامي المضلل للرأي العام. تلك الأدوات التي يفترض أن تكون حكرا على الحكومة وحدها في معركة اعادة تسقيم مداميك الدولة لم تعد كذلك، بل صارت موزعة بأيد المطامع الصغيرة تلك التي تعمل في اتجاه تقويض الجدران. الحكومة عقل الدولة ومالم يكن العقل مسيطراً على الأعضاء فإن الجسد لن يستقيم، الأمر الذي يخوِّل لهذا الرجل اتخاذ قرارات مؤلمة من أجل استعادة السيطرة على الأدوات أولا ومن ثم توظيفها في بناء البيت الواحد من شقة أو اثنتين او.. وفقا لما يتناسب والمصلحة الجمعية للسكان وباجماعهم ببوابة واحدة وتحت سقف واحد. الحملات الإعلامية التي تحاول اقناعنا بأن هدم البيت و نقل الغرف الى مواقع أخرى على الخارطة خارج البيت العربي أفضل من إعادة تشييد البيت بشقتين على نفس المساحة ، هي ذاتها أصوات محركات الصراع البعيدة وإن بدا مصدرها خزانات المقاولين بالوكالة، تلك الأصوات ليست صوت الشعب اليمني وليست اصداءه في جدران البيت العربي الواحد.