الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    القوات المسلحة الجنوبية تحبط هجوما للقاعدة في أبين    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    المهندس صعتر و جهاد الكلمة    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    ريال مدريد يثأر من مانشستر سيتي ويتأهل إلى نصف نهائي أبطال أوروبا    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    نعيبُ جمهوريتنا والعيبُ فينا    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    حراس الجمهورية تجبر ميليشيا الحوثي التراجع عن استهداف مطار المخا    الكشف عن استحواذ جماعة الحوثي على هذه الإيرادات المالية المخصصة لصرف رواتب الموظفين المنقطعة    الحوثيون يضربون سمعة "القات" المحلي وإنهيار في اسعاره (تفاصيل)    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    انس جابر تعبر الى ثمن نهائي دورة شتوتغارت الالمانية    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    باريس سان جيرمان يرد ريمونتادا برشلونة التاريخية ويتأهل لنصف نهائى دورى الأبطال    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبور المضيق ..في نقد أولي للتجربة (6)
نشر في المصدر يوم 26 - 04 - 2014


طي صفحة النظام السابق:
رسالة للمستقبل
كان القرار الأممي قد أورد العبارة الخاصة بطي صفحة حكم علي صالح، في السياق العام لما يُفهم منه أنه نهاية نظام سياسي واجتماعي فشل في قيادة البلاد. وهذه العبارة لها مدلول كبير! ويجب أن تقرأ على النحو الذي يُفهم منه أن المقصود هو منظومة قيم وأدوات وأساليب وممارسات نظام سياسي واجتماعي يجب أن يُطوى، وأنه لم يعد مقبولاً دولياً، بعد أن لفظه المجتمع. وليس المقصود شخصا بعينه، أو بمعزل عن النظام الذي أداره خلال كل هذه السنوات. هي رسالة للمستقبل بقدر ما هي إدانة للماضي. أي أنها تريد أن تقول، باختصار: إن مظاهر ذلك النظام يجب ألا يعاد إنتاجها في بنية النظام الجديد.

يشكل هذا الربط بين الماضي المدان، والمستقبل المأمول، واحدا من عناصر قوة هذا القرار، فيما يخص علاقته بعملية التحول والتغيير التي يتطلع إليها اليمنيون.

إن إشاراتنا المتكررة إلى الميول الاستبعادية، التي برزت عند البعض، لحسم الخلاف حول بعض قضايا الحوار، هي صورة من صور الإقصاء التي مارسها النظام السابق. وفي تساوق مع هذه الثقافة، تعمل بعض القوى على أن تتحول إلى مراكز استقطاب سياسي واجتماعي، موظفة ما لديها من مال وسلاح وأيديولوجيا. وهي في سعيها هذا تتجه نحو الدولة ومؤسساتها، وتمارس أشد أنواع الاستقطاب بشاعة، من خلال تجريف البعد الوطني لهذه المؤسسات لتغدو ملحقة بها. يمكننا ملاحظة ذلك من خلال ما تمارسه العناصر المحسوبة عليها من تصفيات وإحلال للكوادر، محكومين بهذه السياسة التي تعيد إنتاج قيم النظام القديم بأدوات مستهترة بالقانون وبحقوق المواطنين، ورغما عن كل ما كان يتطلع إليه الناس من أمل في مغادرة الماضي. إن الحديث عن طي "الصفحة" يحمل دعوة إلى مغادرة أساليب وممارسات الماضي. ما الفرق بين أن يقصيك نظامٌ ما بالحرب، أو يقصيك تحالف السلطة الجديد بوسائل أخرى؟! وعلى كل الذين رحبوا بطي صفحة هذا الحكم أن يبرهنوا على قدرة ملموسة لنبذ منظومة قيم نظامه. إن العرقلة لا تقف عند تعطيل العملية السياسية بصورة مجردة عن مضامينها؛ ذلك أن للتعطيل أوجهاً عدة، كما أشرنا سابقاً، وأن النجاح الحقيقي للعملية السياسية يتوقف، ضمن قضايا أخرى، على إقامة النظام السياسي والاجتماعي بمنظومة قيم وأدوات وممارسات مختلفة، بما في ذلك محددات الحكم الرشيد التي نصت عليها مخرجات الحوار، واحترام حقوق الناس.

إن أهم ما يمكن أن يثار هنا من مقاربات، هي العلاقة ما بين السلطة والدولة. فالنظام السابق بسط نفوذ السلطة على حساب الدولة ومؤسساتها، التي أبقاها ضعيفة. ظلت الدولة ضعيفة غير قادرة على حماية نفسها من عبث السلطة، وتجسدت السلطة في شخصية الرئيس، والآلية التي أخذ يحرك بها مؤسسات الدولة، التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية كهياكل مفرغة لا حول لها، حينما يتعلق الأمر بعلاقتها بالسلطة. لقد طغت السلطة -بهذا المعنى- على الدولة، الأمر الذي لم يكن بالإمكان معه إقامة دولة النظام المؤسسي والقانوني، مما قاد إلى الاختلالات السياسية والاجتماعية والقانونية، وأخذت مصالح الناس تتعرض للتعديات والضرر البالغ، وانتشر الفساد مع غياب العدالة، وأخذ الناس يتجهون، بمشاكلهم وقضاياهم، إلى السلطة المتعالية على الدولة ومؤسساتها، حتى اضمحلت الدولة في وعي الناس بسبب اضمحلالها في الواقع.

لم تُبدِ كثير من القوى المؤثرة في مجرى العملية السياسية اهتماماً بالدولة، حيث كان هدفها هو الوصول إلى السلطة في ظل غياب كامل للدولة. وكانت نقطة الخلاف قد تركزت حول: أيهما أهم، في هذه المرحلة: الانتخابات، أم بناء الدولة الضامنة بالحد الذي يؤمن مسار العملية السياسية، بما فيها حماية مخرجات الحوار والانتخابات؟ الذين أخذوا يتحدثون عن الانتخابات، كانت عيونهم في الأصل على السلطة، غير معطين للدولة أي قيمة في أجنداتهم السياسية، فهم يعتبرونها مهمة لاحقة، متجاهلين أن بناء الدولة الضامنة ليس مهمة مقتصرة على من ينجح في الانتخابات فقط، وإنما هي مهمة كل أطراف العملية السياسية، حتى لا ينفرد طرف بتكوينها، بما يعنيه ذلك من إخلال بمعايير وطنية مؤسسات الدولة وتوازناتها السياسية والاجتماعية. أما الذين تمسكوا بخيار أولوية بناء المؤسسات الرئيسية للدولة الضامنة، بشراكة وطنية متكاملة، بما في ذلك استكمال هيكلة القوات المسلحة، فقد انطلقوا من حقيقة أن الذهاب الفوري إلى السلطة، بواسطة انتخابات مشكوك في نزاهتها، إنما هو هروب من الاستحقاقات الوطنية في بناء الدولة المدنية ووضع ضمانات رادعة لكل من يحاول إعادة إنتاج علاقات التسلط القديمة التي غيبت الدولة لصالح سلطة فرد أو تنظيم أو جماعة أو عائلة.

انتهى النقاش بوثيقة الضمانات، التي وضعت أسساً وقواعد لبناء الدولة الضامنة، بشراكة كل القوى المتحاورة. وشكلت هذه الوثيقة خارطة طريق هامة لتنفيذ مخرجات الحوار، بمشاركة وإشراف كافة القوى السياسية، مما جسد حالة من التوافق التي أعطت لمخرجات الحوار بعدها المقبول اجتماعيا كأساس لبناء الدولة. كان المؤتمر الشعبي العام هو الممانع الوحيد، ثم التحق به، جزئياً، آخرون فيما يتعلق ببعض القضايا، وخاصة الحكومة ومجلس النواب، وكل ما يتعلق بالهيئة المشرفة على صياغة الدستور، وكيفية تشكيلها. غير أن الأمور سارت، بعد ذلك، في الاتجاه الذي حكمته "صفقة" بقاء الوضع عائماً، فوق حالة من عدم الانضباط لشروط الوفاق، وفي ظل غياب شراكة بعض القوى، وتجاهل شراكة بعض القوى الأخرى، والسير بالتالي نحو احتكار التعيينات في المناصب القيادية ومعها القرار السياسي.

ويمكن القول، بكل أسف، إنه لا وجود للدولة الضامنة في العملية التي أعقبت مؤتمر الحوار، كما أنه لا وجود للإطار السياسي الذي يجسد كتلة هذا الوفاق، فقد استبدل كل ذلك بتحالف هش شهدنا ولادته في نهاية مؤتمر الحوار، مع تنفيذ الفصل الأول من صفقته، ويجري تنفيذ بقية الفصول بصورة تضع العملية السياسية كلها على المحك، مع ما يرافق إدارتها من تجاهل للتوافق السياسي والشراكة، وما يصاحب ذلك من مواجهات مسلحة، واستعراض للقوة، وخرق للقانون، على أكثر من صعيد. وفي المحافظات المحيطة بالعاصمة صنعاء، تتجدد المواجهات المسلحة، بسبب الهروب من استحقاقات بناء مؤسسات الدولة الضامنة، التي كان يعول عليها خلق بيئة مستقرة تحتوي الخلاقات في إطار من الشعور بالاطمئنان والثقة والمسؤولية المشتركة.

ندرك، في ظل الظروف الحالية، صعوبة تحقيق شراكة بهذا المستوى المثالي؛ ولكن الإمام الشافعي يقول: "وكم عيب يغطيه السخاء". ونحن نقول: وكم عيب تغطيه الإدارة المحنكة والرشيدة لهذه الشراكة؛ أي: تلك الإدارة التي تمتلك مواصفات القيادة. والقيادة، على عكس الإدارة، تبدع في تحويل العيوب والأخطاء إلى مجرد عناصر طارئة قابلة للتصحيح في الوقت المناسب، وقبل أن تصبح جزءاً من بنية العملية التراكمية. وهي لا تلتفت كثيراً إلى الوراء؛ لأنها تركز على المستقبل؛ وللمستقبل دائما شروطه وأدواته. وكان الحوار، وما ارتبط به من تبدلات منهجية في إنتاج أدوات هذا المستقبل، قد حمل آمالاً عريضة بخلق بيئة سياسية تتواصل فيها شروط خلق مثل هذه القيادات؛ إلا أن العجز الذاتي للنخب السياسية والاجتماعية قد أضعف، في لحظة فارقة، كل العوامل الموضوعية التي ظلت تعمل بتوافق كبير مع هذه التبدلات المنهجية.

في هذه اللحظة الفارقة، تبين حجم الفجوة الهائلة، التي تفصل المستقبل عن الأدوات البالية، ومناهج الجمود، التي تحاول هذه القوى أن تقود بها عملية التغيير، مما جعل عملية التغيير تبدو وكأنها تسير في طريق مسدود.

في حديث لي مع الرئيس هادي، عند توديعي له أثناء سفري للعلاج، قلت له، ضمن حديث طويل، ما معناه: الحياة تقدم فرصة لليمن وضعتك في صدارتها فلا تخسرها.. لا تقبلْ أن تكون ضحية.. ثقافة الحكم في اليمن هي صناعة الصنم بهدف تقديمه ضحية، في الوقت المناسب، والتجارب على ذلك كثيرة، وأعتقد أنك عاصرتها كلها.. أنت تقود توافقا سياسيا حققت بواسطته قدراً كبيراً من النجاح، حتى الآن، وإن كانت نهاية الحوار قد أربكت مسار العملية كثيراً، وخاصة انحيازك إلى طرف، في أهم موضوعات الحوار، دون أن تترك الموضوع لمؤتمر الحوار لحسمه، وفقاً لنظامه الداخلي.. لا تجعلْ أي طرف من أطراف هذا التوافق يجلس بمفرده إلى جانبك في غرفة القيادة؛ لأن الخطأ ستتحمله أنت، أما ذلك الذي سيشاركك القيادة بمفرده، وخارج هذا التوافق، فكل ما يعنيه هو أن يحقق أكبر قدر من المكاسب لصالحه دون أن يتحمل مسؤولية أي خطأ.

ما يشهده الواقع، من مواصلة توظيف هذه الأدوات القديمة، بما فيها العنف والتحريض عليه، والإقصاء والمراوغات، واحتواء عوامل التغيير بنفس هذه الأدوات، التي كانت تهشم الكلمة والفعل معاً، في مشهد يتوسع داخل البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية الهشة، يتم ذلك بصورة تتحقق معها كسر إرادة التغيير، وإحياء نزعة التغلب بالحروب، التي يفترض أن تكون قد أصبحت من الماضي، بعد أن قبل الجميع الجلوس على طاولة الحوار. وهنا يظل السؤال عن سبب استمرار التمسك بهذه الأدوات البليدة، بحاجة إلى إجابة واضحة. لا بد للشريك الدولي أن يبحث في الأسباب التي شجعت على تصعيد هذه الاضطرابات إلى هذا المستوى. ورأيي أنه، إلى جانب الأسباب المتعلقة بمقاومة هذه القوى التقليدية لعملية التغيير، بإصرارها على استعادة زمام المبادرة ليبقى القرار الحاسم بيدها، فإن جانباً آخر من هذه الأسباب يعود إلى تجاوز أهم حلقات الحوار، التي أشرنا إليها فيما سبق، بإخراجها من معادلة الحوار إلى أيدي قوى بعينها لتقرر بشأنها نيابة عن الجميع.

لقد فتح هذا الوضع ثغرة أمام هذه القوى في جدار العملية السياسية لمواصلة اختبار إرادة التغيير بالمزيد من الخروقات، وذلك لإعلان بقائها حاضرة في المشهد، واكتسابها المزيد من الأدوات التي تمكنها من تعطيل العملية دون أن يشار إليها بأصبع الاتهام. وهذا السلوك وإن كان قد استنفر شحنات واسعة من الرفض من قبل قوى سياسية واجتماعية واسعة؛ إلا أن هذا الرفض أخذ يصطدم بالإصرار على مواصلة الخطأ في إدارة العملية السياسية، وتوسيع الثغرات التي تنفذ منها القوى المعطلة بيسر وبأقنعة يصعب أحيانا كشف ما تخفيه.

العملية السياسية والإقليم
في أول اجتماع لمجلس التعاون الخليجي، بعد اتخاذ القرار الأممي رقم (2140)، لم يشر البيان الصادر عن المجلس إليه، لا من قريب ولا من بعيد؛ رغم أن البيان تطرق إلى دعم المجلس لنتائج الحوار. ولم يكن ذلك أمراً من الممكن تجاوزه بدون الوقوف أمام دلالاته بدقة. فمجلس التعاون الخليجي هو صاحب المبادرة التي حكمت التسوية السياسية، في صيغتها المبدئية، التي ركزت على تسليم السلطة وشروطها من الرئيس إلى نائبه، وذلك قبل أن تدخل عليها الآلية التنفيذية تلك التعديلات الكبيرة، التي لم تمس جوهر الفكرة، وإنما غيرت في كيفية نقل السلطة، وأضافت الحوار الوطني. ومجلس التعاون هو الذي استضاف توقيع المبادرة والآلية التنفيذية، في الرياض في نوفمبر 2011، وشارك في كل مراحل العملية الانتقالية؛ وإن كان في المرحلة ما بين تفجير جامع الرئاسة حتى صياغة الآلية التنفيذية، قد فقد قدراً من حماسه للمبادرة. وهو يمثل نصف عدد مجموع الدول العشرة -بغياب قطر التي انسحبت من المبادرة من فترة مبكرة- مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تتابع تنفيذ الاتفاق، وتعقد اجتماعات دورية مع الأطراف السياسية للاستماع إليها وحثها على التغلب على مختلف الصعوبات التي تواجه التسوية والحوار، ناهيك عن الاجتماعات التي تعقدها فيما بينها، أو مع المبعوث الأممي، لمتابعة التقارير المتعلقة بمستوى تنفيذ اتفاق المبادرة والآلية التنفيذية، وغيرها من القضايا ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالتسوية. ودول مجلس التعاون تحملت نصيب الأسد من الدعم المالي، في الاجتماعات التي دعت إليها مجموعة أصدقاء اليمن. ولدى المجلس، منذ بداية العملية السياسية والمرحلة الانتقالية، مكتب في صنعاء أنشئ لهذا الغرض. خلاصة القول: إن حضور مجلس التعاون الخليجي في التسوية السياسية في اليمن كان من القوة بحيث يصعب فهم "عدم الوضوح" هذا في علاقته بقرار مجلس الأمن الذي يضع اليمن تحت البند السابع. صمتت دول المجلس ولم تُبدِ أي رأي بشأنه، كما أنه لم يصدر عنها أي فعل، أو رد فعل، يفهم منه موافقتها، أو عدم موافقتها، عليه، مشاركتها، أو عدم مشاركتها، فيه.

إن صعوبة فهم هذا الموقف يأتي من حقيقة أن المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن وأمين عام الأمم المتحدة، حرص، دوماً، على التشاور مع دول مجلس التعاون قبل اتخاذ أي خطوة أو قرار يخص اليمن، من منطلق أن مبادرتهم هي أساس التسوية السياسية؛ فهل يعقل أن يتخذ مثل هذا القرار دون التشاور معهم، أو حتى دون علمهم؟! ثم ما هي الدلالة التي يمكن أن تُقرأ من موقف كهذا، في حالة أنه لم يتم التشاور معهم أو إطلاعهم على النية باتخاذ هذا القرار؟! شخصياً، لا أميل إلى الاعتقاد بأن دول مجلس التعاون تجهل نية مجلس الأمن اتخاذ مثل هذا القرار؛ فكل ما يمكن قوله هنا هو أن التشاور معها قد تم؛ ولكنه ذلك النوع من التشاور الذي لا يتطلب موقفاً بالرفض، أو الموافقة؛ إما لأن دول المجلس نفسها فضلت ألا يكون لها موقف، من أي نوع كان، تجاه قرار من هذا النوع لحساسيته، وإما أن تقاليد عمل مجلس الأمن كانت قد رتبت آلية للسير في اتخاذ مثل هذا القرار لم يمكن دول التعاون من أن يكون لها رأي في القرار، فيما عدا ذلك القدر من التشاور غير الرسمي. والواقع لو أن دول مجلس التعاون قد أخذت قرارها عنوة، بأن تنأى بنفسها عن موضوع كهذا، لأصبح الأمر مقبولاً، لحساسيته، فيما يخص مستقبل المنطقة كلها، كي لا يبدو الأمر وكأنه سابقة شاركوا فيها، ليصبح، بعد ذلك، سيفاً مصلتاً على الجميع؛ ولكن سيبدو الأمر مختلفاً في الحالة الثانية، فيما لو لم يعتد برأيهم كشريك في التسوية السياسية في اليمن. مثل هذا الموقف الأممي سيعقد، بالتأكيد، شراكة دول مجلس التعاون في التسوية السياسية، وسينظر إليها باعتبارها مجرد خزانة لتمويل العمليات المرافقة لهذه التسوية، التي يجري تقرير عناصرها وآلياتها في أماكن أخرى، وهو ما من شأنه أن يثير امتعاض نخبها السياسية على أكثر من صعيد.

والحقيقة هي أن الوضع القائم، والمستجد، بين دول مجلس التعاون، قد أضعف الموقف المتماسك القديم لدول المجلس تجاه القضايا الحيوية في المنطقة. فالخلافات، التي ظلت كامنة وبرزت مؤخراً في صورة انقسام بين دوله، قد أغرت المجتمع الدولي بوضع خارطة المنطقة في برواز خاص، مسلطاً عليه مجهر التغيير السياسي والجيو سياسي لوضع عام تتنازعه استقطابات داخلية وخارجية تعرض المصالح الحيوية للدول الكبرى فيه للخطر.

ولأن الشرق الأوسط كله ينام على وضع متحرك وهش، فإن هذه المنطقة، ومعها مصر ربما، تُشكل حجر الزاوية لدى الدول الكبرى، في الإمساك بدفة التغيير المطلوب لحماية هذه المصالح، من خلال تشكيل تكوينات جيو سياسية مستقرة، يعقبها الدفع بقيام أنظمة مقبولة شعبياً، لا تعتمد على مقايضة الوفرة بالتنازل عن المشاركة في صناعة القرار السياسي، كما لا تعتمد، أيضاً، على الحشد الأيديولوجي الذي يرتب فقاعات تغييرات سياسية شكلية وهشة تفضي إلى سقوط السلطة بيد "أوليجارشيات" جديدة لا هم لها سوى اغتصاب الحكم.

كانت ثورات الربيع العربي قد استندت على زخم شعبي هائل؛ لكن هذا الزخم لم يجد تعبيراته السياسية والثقافية سوى في ما أنتجته ظروف ما قبل هذه الثورات من نخب جاهزة أخذت تتبادل الحشد والمواجهات، وإعادة إنتاج صراعاتها القديمة المتجددة، في ظل تربص الدولة العميقة، في بعض البلدان كمصر، بالثورة وجميع قواها. أما بعضها، فسرعان ما أعاد ترتيب وضعه في إطار أوسع من التحالفات السياسية، وعلى وجه الخصوص الإقليمية، ضارباً عرض الحائط بالتحالفات الداخلية، التي شكلت كتلة وطنية متماسكة لإسقاط الاستبداد. لقد وجدت في هذه التحالفات الخارجية فرصة للانقضاض على السلطة، وإقصاء القوى الأخرى، في مشهد أظهرت فيه بعض البلدان الكبيرة، المحيطة بالإقليم، شغفاً بهذا التحول وبهذا الانقضاض، وبدت كما لو أنها تستعيد، بواسطته، مشاريعها التاريخية، من خلال أنساق سياسية جديدة، وما عليها إلا أن تمدها بالمال والسلاح والدعم الإعلامي والمعنوي، لتقوم بالدور الذي قام به عسكرها ذات يوم، وبصيغ وعناوين مختلفة تصرف الأنظار بعيداً عن الأحلاف الجديدة التي أخذت تنشئها هذه العمليات المكثفة. هذا الوضع استفز بقية دول الإقليم، وتلك الدول ذات المصالح الحيوية في هذه المنطقة، وبدأت العواصف تهب على ثورات الربيع العربي، من داخلها ومن خارجها على السواء.

وكانت العواصف التي هبت عليها من داخلها، محملة بغبار كثيف فقد مسارها فيه الرؤية لدى بعض القوى، حيث اتجهت نحو مسارات احتكار السلطة في صيغته القديمة، مستعينة بذلك العامل الخارجي، الذي شكل حلقة طوق غليظة حول الأهداف الوطنية العريضة لهذه الثورات، كي تبقى محاصرة في ذاتها وغير قادرة على إنتاج معادلها الموضوعي على الأرض.

في ظل هذه الظروف، أخذت محصلة هذه التجربة القصيرة تضع تلك البلدان أمام تحديات تصحيح المسارات. كانت الكلفة، في بعضها، ضخمة، ولا يزال الغموض يكتنف، بشكل كامل، عملية التصحيح.

في اليمن، سار التصحيح جنباً إلى جنب مع الثورة، ولم ينفصل عنها، وهو ما قدم فرصة تاريخية لأن يكون اليمن نموذجا لحماية ثورته، بكلفة أقل. لا تكمن المشكلة في اليمن في ما يريده الآخرون من ثورة التغيير؛ ولكن في ما يريده اليمنيون أنفسهم مما تبقى من عناصر هذه الثورة. ربما أدرك اليمنيون أن ما يحتاجونه هو تحويل بلدهم من جغرافيا ينتمون لها، إلى وطن يعيشون فيه بكرامة. اتسعت عندهم، في لحظة حاسمة من لحظات صحوتهم، جغرافية الحياة، بعناوينها العديدة والمتنوعة، وأدركوا أنها هي العملية الموضوعية الوحيدة التي لا يستطيع أحد أن يقررها نيابة عنهم، أو يقوم بها سواهم. تحقق الجزء النظري من ذلك، ويشتد الصراع، وسيشتد، حول تنفيذ ذلك عملياً على أرض الواقع.

المنطقة اليوم، بما اختمر فيها من أحداث وإرهاصات لتغيرات كبيرة، وربما جذرية، تواجه سؤالاً متعلقاً بقدرتها على إدارة هذه الأحداث والتبدلات، دون تدخلات قد تفضي بها إلى الفصل السابع. ربما كان الظرف الدولي سانحاً لاتخاذ قرار من هذا النوع بسهولة، في حالة اليمن، وذلك قبل أن تنفجر أزمة أوكرانيا، التي أفضت إلى ضم جزيرة القرم إلى روسيا، في مارس 2014. ولو أن هذا القرار، الخاص باليمن، تأخر، لأي سبب من الأسباب، لأصبح اتخاذه مرهوناً بعوامل إضافية قد تعقد من اتخاذه. لكن هذه الدول، على كل حال، لا تعدم الحيلة حينما تريد أن تتخذ قراراً من هذا النوع، وعلى المنطقة ألا تراهن كثيراً على المشاكل التي تنشأ فيما بين هذه البلدان بسبب بعض الحسابات الاستراتيجية. فأوكرانيا أكثر أهمية، في حلقات المصالح الحيوية، لروسيا، وغيرها من الدول الأوروبية وأمريكا، من سوريا. كما أنه لا جدال بأن السلاح النووي الإيراني أكثر أهمية عند إيران من النظام السوري؛ إذا ما أزفت لحظة المفاضلة لاتخاذ القرار الأنسب بالنسبة للمصلحة الحيوية لإيران، ويصبح النظام السوري هو الثمن، وقد تصبح سوريا ضحية تسوية لمصالح الأطراف المختلفة في أوكرانيا، في الوقت الذي تقرر فيه هذه الأطراف الدولية حل المشكلة الأوكرانية، مثلاً.

تتراجع أهمية دول المنطقة لدى المجتمع الدولي حينما يواجه مشكلة في إطار الحلقات الأكثر حيوية، والأشد ارتباطاً بالأمن القومي للدول الكبرى. ومع ذلك، فإن احتواءها على أكثر من ثلثي المخزون الممكن استخراجه من النفط، وبكلفة أقل من غيرها من المناطق الأخرى المنتجة للنفط، إضافة إلى موقعها الجيو سياسي الاستراتيجي، الذي يتوسط العالم، وما يمثله ذلك من أهمية كبيرة في حماية خطوط التواصل بين العالمين الجديد والقديم، ناهيك عما تمثله من كتلة ثقافية بعنوان ديني مشترك يحفل بدلالات لا تخلو من المحاذير عند الآخرين، عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للأمم الكبرى. زراعة اسرائيل في قلب المنطقة، على ذلك النحو، وفي تلك الفترة المبكرة، لم يكن غير عنوان بارز لهذه المحاذير التي تتجدد بقوة مع كل دورة من دورات الصراع الدولي.

لا يمكن أن تكون هذه العوامل إلا سبباً لتلك الدرجة العالية من الاهتمام بهذه المنطقة. والاهتمام على هذا الصعيد لا يولد دائماً شروطاً إيجابية للتطور والاستقرار؛ ولكنه يمكن أن ينتج شروطاً سلبية، بموجبها تواصل القوى الكبرى التفتيش عن عوامل التفتيت والتفكيك وخلق التناقضات، ليسهل عليها السيطرة على المنطقة ومقدراتها.

خلال العقود الماضية، وبنهاية السيطرة الاستعمارية، شهدنا دورة تحول المشروع الوطني إلى مشروع هش، لم يصمد كثيراً أمام المشروع التفكيكي، الذي بدأ بتقسيم المجتمعات تقسيما طائفياً وعرقياً، وحولها من مجتمعات تبحث عن حلول سياسية واجتماعية لمشاكل الفقر والجهل والتخلف والانقسام الطبقي المحكوم بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروات، إلى مجتمعات متناحرة بإشكاليات اجتماعية وثقافية ودينية - سنة وشيعة، وما يصاحبها من انقسامات طائفية وعرقية - قبائل ومدينيين [المنتسبين إلى أي مهنة أو حرفة من حرف ومهن المدينة] -على سبيل المثال لا الحصر- تحلق خارج متطلبات التطور الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي لشعوب المنطقة. وإلى داخل هذه المنطقة جرى تصدير ثقافة التطرف الديني، التي وُظفت، في بداية الأمر، في الصراع الدولي لحسم واحد من أطول وأقوى صراعات القرن العشرين بين القطبين اللذين قسما العالم إلى معسكرين لأكثر من سبعة عقود، ليستقر الأمر، بعدها، لصالح أحد أقطاب الصراع، ويصبح، بما جناه من توظيف للتطرف في معركته التاريخية، هدفاً له؛ ثم تبيئة هذا التطرف في هذه المنطقة لتتحمل وحدها نتائجه التدميرية، ومنها إحكام السيطرة عليها بدافع مكافحة التطرف والإرهاب. وهي لا يراها المجتمع الدولي شريكاً إلا في مكافحة الإرهاب، الذي كان في الأساس منتَجاً دولياً بامتياز، ليغدو تهمة تطارد شعوب المنطقة، التي صار عليها أن تدفع وحدها ثمن ما ألحقته بها هذه السياسات من أضرار لن تتوقف عند حدود معينة.

نسمع أحاديث كثيرة عن أن اليمن يمتلك خصائص للتطور تغنيه عن الاعتماد على دول النفط. هذه أحاديث تتجاوز منطق الأشياء، عندما يتجهون بالمعنى نحو إغلاق أبواب اليمن على نفسها! ولكن حينما يتجه المعنى إلى خطورة ذلك النوع من الاعتماد الأحادي، الذي يعمل في اتجاه واحد فقط، فإنه يصيب كبد الحقيقة. لا يمكن لليمن أن يستمر في هذا الوضع، الذي لا يعمل فيه بجدية على أن يكون شريكاً حقيقياً في العيش المشترك مع دول المنطقة. وهناك فرق كبير بين أنه لا يستطيع، أو أنه لا يعمل. اليمن، في الحقيقة، يستطيع؛ ولكنه لم يعمل، وهنا تتحول المشكلة إلى معضلة يجب التفتيش عن حلها في ما هو أعمق من الحلول التقليدية التي لجأت إليها الكثير من البلدان.

كان الحوار قد أجاب على كثير من الأسئلة المعقدة المرتبطة بهذه الحلول الأعمق. وبهذا يكون قد انتقل بالعملية كلها إلى منحنى أعلى، ولم يعد يتحرك على المنحنى القديم، ذهاباً وإياباً، وصعوداً وهبوطاً، كدليل على إدراكه لأهمية البحث عن الحل بعيداً عن كل التجارب السابقة التي استهلكت الجهد والوقت، في حين أخذ الزمن ينتج مشكلات جديدة أكثر تعقيداً وخطورة، لا تنفع معها المراهم القديمة ولا الدهانات السطحية.

أين ستقف دول الإقليم من هذه الحقيقة، التي وجد فيها اليمنيون خيارهم للسير نحو المستقبل، مدفوعين بضرورة أن يصبحوا شركاء حقيقيين في هذه المنطقة الهامة؟ سيكون من الضروري أن تتغير استراتيجية الطرفين تجاه بعضهما، في ضوء ما أفرزه الحوار من نتائج ومتطلبات. ولا بد من أن يرتب نجاح التسوية السياسية استمرار جهود دعم اليمن لتحقيق الخطوات الأولى من النهوض، التي تضعه على طريق التطور والاستقرار. ومن هذا المنطلق، على الدول الكبرى الداعمة للمبادرة أن تعمل على خلق مزيد من الروابط بين اليمن ودول الإقليم، بتوظيف جهدها واهتمامها لتحقيق هذه الغاية، وأن تمتنع عن إقامة أي حواجز بينهما، تحت أي عنوان، أو لأي سبب كان، حتى لا يؤثر ذلك سلباً على بناء تلك الاستراتيجية الجديدة. ويأتي سؤالنا المرتبط بالقرار الأممي، وعلاقة دول مجلس التعاون به، من هذه الزاوية؛ فكلما اقتربت هذه الدول من أي قرار دولي يخص اليمن، كان ذلك رافداً لتعزيز روابط المصير المشترك.

غير أن هناك مسألة تعني اليمنيين أنفسهم قبل غيرهم، وهي أن عليهم ألا يغرقوا، ويُغرقوا معهم مصلحة بلدهم، في مشاكل الآخرين. شهدنا حالات كثيرة تناست فيها النخب اليمنية أن اليمن لا يحتمل خصومات إضافية، داخلية أو خارجية، تجعل التغيير عملية مثقلة بحمولات تجعلها غير ممكنة التحقيق. فقد شهدنا، خلال الفترة الماضية، وأثناء المرحلة الحاسمة للعملية السياسية اليمنية، كيف أن اليمنيين هربوا إلى مشاكل غيرهم، غير مبالين بما خلقه ذلك من تأثيرات سلبية على جبهتهم الداخلية.

لم يبدُ على اليمنيين أنهم أدركوا حقيقة أن معظم نخب البلدان العربية الأخرى لا تهتم كثيراً لأوجاعهم كي يستهلكوا ذلك الوقت في صراعات لا ناقة لليمن فيها ولا جمل، وأدت إلى تعميق الانقسام الداخلي. اليمن بلد منسي عند معظم هؤلاء؛ فلماذا نُصرُّ على أن نضعه داخل ذاكرة لا تراه غير بلد مستقطب في مشاكلهم وخلافاتهم؟!

لطالما عبر هذا النزوع عن استهانة بعض النخب اليمنية بأولويات داخلية تفرض عليها حشد كامل جهدها لمواجهتها، وأنه لا يجب أن تتعثر بمشاكل قادمة من أمكنة أخرى، مهما بدا أنها هامة لبعض القوى، فهي تتعلق بها على وجه الخصوص، وليست من أولويات البلد. برزت تداعيات هذا النزوع إلى الغرق في قضايا الآخرين بصورة بادية للعيان في حالة مصر، وخلافات دول مجلس التعاون، ومشاكل بعض دول الإقليم مع المجتمع الدولي، وهي تشكل أحياناً موزايكو رغبات عند البعض مهووسة بجر اليمن إلى مستنقع هذه الخلافات الخارجية، في حين أن لدى اليمن ما يكفيه من مشكلات نابعة من أوضاعه المتعثرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.