الحرب ضد الفاسدين لا تقل أهمية عن محاربة الاحتلال، بل إنهما وجهان لعملة واحدة.. لا نقصد بالفساد هنا الأوجه الاجتماعية والسياسية من الفساد التي توجد بدرجة أو أخرى في كل المجتمعات، والتي تهدد خطورتها وجود الدولة واستقلالها.. ما أقصده هنا هو الفساد المالي والسياسي لمسئولين في مراكز النظام السياسي، حيث مازال الشعب خاضعاً، إنه فساد أشخاص ونخب متواطئة معهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مما يجعل الفساد والسكوت عنه من القادرين على التصدي له خيانة وطنية. الفاسدون يستغلون حالة الانقسام العسكري والغياب وتفكك النظام، وحاجة كثير من الناس للاستفادة من التسهيلات التي تقدمها الإغاثات من خلالهم لإذلال الشعب وامتهان كرامته وتطويعه لما يريده المخرج!! مستقوين بوقاحتهم وبحماية لهم، وبكذبهم على الناس البسطاء من خلال الزعم من أنهم يقدمون خدمات للناس لا يقدمها غيرهم.
الفاسدون مثلهم مثل الاحتلال يحاولون شخصنة الأمور حتى يفرغونها من مضمونها الوطني، لأنهم لا يؤمنون بشيء اسمه (وطن) وينظرون بازدراء للشعب ولقواه الوطنية وهو ما تلجأ إليه الدول المعادية، أيضا عندما تزعم أن لا مشكلة لها مع الشعب في جنوباليمن وأن خلافها مع القيادة التي لا تريد السلام، وأحيانا تختزل المشكلة بشخص وهو "الرئيس".
فعندما يكتب المثقف أو يبدع في أي مجال من مجالات تخصصه يصف تجربته الشخصية، فهذا لا يعني أن الدافع للكتابة شخصي فقط، وإلا لاعتبرنا مثلاً أن كل من ينتقد وزارة الخارجية إنما يكتب كردة فعل على فشله أن يكون سفيراً أو لأنه يريد منصبا في وزارة الخارجية، واتهام من يكتب منتقدا الاعتقالات بأن دوافعه شخصية لأنه كتب بعد تعرضه للاعتقال، واعتبار كل من ينتقد النظام مدفوعا بدافع شخصي لأنه يرفض دفع فاتورة غير شرعية... الخ.
المثقف والمبدع جزء من المجتمع ويعاني كما يعاني أبناء المجتمع، والوظيفة الاجتماعية النقدية والأخلاقية للمثقف تفرض عليه أن ينوب عن أبناء شعبه الذين يشاطرونه نفس المعاناة ومروا بنفس التجربة ولكنهم لا يستطيعون إيصال صوتهم للرأي العام ولأولي الأمر.
قد تنطلي حيل وأكاذيب الفاسدين على بعض المواطنين، كما قد يسكت كثير من المواطنين البسطاء، لقلة حيلتهم، عن فساد الفاسدين، ولكن الغريب أن من يقولون إنهم قادة المشروع الوطني وحماة الوطن ولا يتركون مناسبة إلا ويزعمون أنهم ضد الفساد والمفسدين، هؤلاء يتعاملون بحذر وتردد داخل مؤسسات السلطة التي تحسب عليهم، الأمر الذي يطرح تساؤلات إن كان الأمر عجزا أم تواطؤا ومشاركة في الفساد؟!
فالساكت عن الفساد فاسد أيضا، و(الساكت عن الحق شيطان أخرس)، وإن لم يستطيعوا التصدي لفاسدين لاعتبارات سياسية ومصالح وعلاقات معقدة، فعلى الأقل من الواجب عليهم مناصرة من يواجه الفساد والفاسدين، ليس من منطلق الدفاع عن شخص بل لحماية حرية الرأي والتعبير، وحتى لا يشجع سكوتهم الفاسدين على مواصلة فسادهم وتفسير سكوتهم بأنه شرعنة للفساد.
يزعم البعض ولتبرير سكوتهم عن الفاسدين، أنه لا توجد وثائق وأدلة، وهو عذر أقبح من ذنب.. فإن كانت القيادات والمسئولون سواء في الشرعية أو الانتقالي أو المجلس الأعلى للحراك الثوري أو منظمات المجتمع المدني لا يجرؤون على فتح ملفات حول شبهات فساد خوفا من أن يخسروا التسهيلات التي يوفرها لهم، مع أنها حق لهم وليس منه، فلا ينتظروا من المواطن المقهور أن يقف معهم، المواطن الذي ترتبط حياته بتصريح للخروج من عدن للعلاج أو العمل أو الدراسة أو التجارة أو رجل الأعمال الذي يتم مساومته ونهبه.. لا يُنتظر من هؤلاء أن يواجهوا الفاسدين ويتحدثوا علنا عما يعرفون وعما تعرضوا له وخصوصا أن المواطنين لا يثقون بأن الحكومة والسلطة والمنظمات الحقوقية يمكنها أو ترغب في حمايتهم وإنصافهم إن عاقبهم الفاسدون بحرمانهم من السفر أو إعاقة حصولهم على الوظائف أو تعويضات خسائر الحروب.
قد تعود الأمور أسوأ مما كانت إن لم تتم محاسبة أو إزاحة كبار المسئولين.. فهؤلاء الخصم وليسوا الحكم.