يبدو لي أن الاستقرار في هذه البلاد كان وسيظل ظاهرة نسبية جدا. فمنذ أن بدأت أدرك ما يدور حولي في ستينيات القرن الماضي أشعر أننا نعيش في دوامة ثورات وحروب وصراعات وأزمات. وكنت، في السابق، أقول لنفسي إن هذه هي آخر أزمة، وخلاص: ستستقر أحوالنا. لكننا استمرينا في الأزمات والصراعات الدامية .. وفي الحياة… النسبية. وأصبحت الأزمات وحالة اللا استقرار جزءا من حياتنا. بل أن اللااستقرار هو حياتنا. وحتى العالم الخارجي تقبلنا هكذا. فالأجانب، على الرغم من معرفتهم بأنهم ربما سيكونون رهائن وضحية لاختطاف ومساومة في أرضنا، فهم يأتون ليتفرجوا علينا وعلى بلادنا وأحوالنا الغريبة، ولو في حقائب الأممالمتحدة وممثليها والمنظمات الدولية، الحقيقية والوهمية والمشبوهة . يبدو أن مآسينا يمكن أن تكون سلعة سياحية جاذبة لكثير من السياح المغامرين والدجالين. وبما أن زمن الحرب، واللااستقرار، واللاكهرباء واللابترول واللامرتب، واللاتعليم قد طال هذه المرة، فقد بدأ الناس هنا يحاولون التكيّف مع الوضع، واغتنام ما تبقى لهم من أيام. فلم يعد من المعقول أن ننتظر إلى ما لا نهاية الزمن الذي ستستقر فيها هذه البلاد لكي نبدأ نعيش. فعلى الرغم من استمرار الحرب والدماء، دماء الشهداء، والكوليرا، والضنك والمكرفس -والله أعلم ما القادم- نحاول تطبيع كثير من مظاهر الحياة في مدننا، من التعليم إلى التسوق ودوري كرة القدم والطائرة إلى خدمات الشيشة في كورنيش قحطان الشعبي في خورمكسر، إلى موسم البلدة في المكلا،. ولأرفع من معنوياتي ومعنوياتكم، أتساءل معكم: هلي يختلف وضعنا اليوم في هذه البلاد عن الوضع الذي عاشته البلدان الأوروبية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ ففي تلك السنوات، سنوات الحرب، لم تتوقف الحياة نهائيا .. لا في باريس ولا في لندن ولا في برلين ولا موسكو. فلتحيا الحياة!