لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة ما أشعر به، محاولا أن أفحص نفسي الآن... هل أنا مصاب فعلا باللامبالاة أم أني أعيش حالة نادرة من التفاؤل؟
وأنا أرقب القلق الذي يصل حد الرعب ليس حولي في الشارع ولا المنطقة فحسب بل ربما كل بيت في العالم في هذه اللحظة، في حين أني أشعر بطمأنينة فريدة وقد لاتبدو مبررة.
أرى الناس.. أرصد تعليقاتهم.. أتابع منشوراتهم.. أقرأ الخوف على وجوههم فأستعيد في خيالي هذه اللحظات بدقة، وأقول في نفسي: نعم هذا الإحساس عشته من قبل... عشته لحظة بلحظة، هذا الهلع والرعب قاسيته صامتا منذ العام 2014.
وأنا أتابع أخبار المغول القادمين من صعدة يجتاحون ما بقي لنا من وطن، يعبرون القرى قرية قرية والمدن مدينة مدينة، ومع كل منطقة تسقط تحت أيديهم أشعر بسقوط قطعة من قلبي، ومعها يتبخر جزء من أحلامي، تلك الأحلام التي ظللت أبنيها لأكثر من ثلاثين عاما.
وإذا كان المرعوبون اليوم على هذا الكوكب من هذا الفيروس يهدئون رعبهم بأمل اختراع عقار ما قد تنتجه أحد المعامل التي تتسابق حول العالم لاكتشافه ومن ثم القضاء على هذا الفيروس سريعا والعودة إلى الحياة الطبيعية، فقد عشت رعبا لا مجال لأي تفاؤل فيه وأنا أرى جحافل الحوثيين القادمة من القرون الوسطى حاملة معها الطاعون الذي لا أمل في الشفاء منه وهي تسقط عاصمة مابقي لنا من وطن في أيديها، ويجتاحون كل جسد اليمن كما يجتاح كرورونا العالم الآن تماما، فيصاب اليمن بالمرض الذي أتيقن أن لا شفاء منه إلا بعد عشرات السنين في أحسن الأحوال.
إن تقطعت بالبعض السبل فقد تقطعت بي في اليمن وفي جزيرة سقطرى حيث بقيت هناك بدون كهرباء ولا غاز للطبخ ولا إنترنت وبلا قدرة على مغادرتها وحين تم لي ذلك فعلت وعائلتي على متن قارب خشبي غير مهيأ لنقل البشر فعشنا نصارع في طريقنا إلى صلالة أمواج المحيط الهندي ثلاثة أيام بلياليها نزاحم القوارض والصراصير ولعنات شمس شهر مايو الحارقة.
لقد استنفذت ماعندي من مخزون الرعب والقلق والخوف، وشعرت أن لاشيء يمكن أن أخاف عليه بعد أن سقطت كل أحلامي مع سقوط اليمن. فانا أحاول الآن أن أستمتع بما في يدي من حياة، ولكن علي أن أكون حريصا قدر الإمكان على أن لا يتحول استمتاعي إلى أذى للآخرين.