كانت الجندية ميداناً للانضباط والحزم والرجولة وما إلى ذلك من عناوين العزة والإباء ، أما اليوم وللأسف الشديد فقد انكسرت هيبتها وفقدت دورها في صقل الرجال وتنشئتهم على الشجاعة والتضحية والإباء والجلد وتعزيز الروح الوطنية . ولست مبالغاً لو قلت أن البزة العسكرية والأطقم قد أصبحت هذه الأيام تثير الذعر والهلع في النفوس ، إلى درجة أن الكثير منا صار يتجنب كل من يرتدي البزات العسكرية والسلاح ، ويتنحى جانباً عند مرورهم بالقرب منه ولسان الحال يقول ابعد عن الشر وغنِ له ..!. وحقيقة إن بعض الدخلاء هم السبب في ذلك ، فقد اساؤوا اليوم للجندية كثيراً بتصرفاتهم الرعناء الطائشة وممارساتهم الاستعلائية والمستفزة التي لا تخفى على أحد ، كونهم لم يدركوا بعد قيمتها الحقيقية في صناعة الرجال والأبطال الذين يعتمد عليهم في بناء الأوطان والذود عن حماها ، لأنهم أصلاً لا يمتون بصلة للجندية لا من قريب ولا من بعيد ، ولم تلفح هاجرات ميادين التدريب وساحات الوغى وجوههم النضرة وإنما أفرزتهم الظروف الراهنة التي اختلط فيها حابل الحرب بنابل الفساد والمحسوبية ، فأصبحوا على حين غرة وغفلة من الزمن قيادات عسكرية وبرتب رفيعة وياليتهم حتى يمتلكون شهادة الثانوية العامة . وبالمقابل هناك من العسكريين الشرفاء والمؤهلين تأهيلاً عالياً في أشهر الأكاديميات العسكرية العالمية ، ولهم قصب السبق في المساهمة الفاعلة في المشهد السياسي والعسكري الجنوبي منذ حرب صيف 94م الغاشمة وما تلاه حتى آخر حرب مع الحوثيين ، ومع ذلك يمارس بحقهم أبشع صور الإقصاء والتهميش ولم تتح لهم الفرصة لأن يقدموا ما لديهم من خبرات وقدرات خدمةً للجنوب وثورته المجيدة وتعزيزاً للانتصارات والمكاسب التي تحققت بفضل الله أولاً ثم بفضل سواعد الأبطال الميامين .. وليس أسوأ من أن يتأمّر ويتحكم شابٌ غرير يفتقر إلى الخبرة والتأهيل وخدمته لا تتجاوز خمسة أعوام ، بقائد عسكري عركته الحياة وصقلته الحروب وأثقلت كاهله الأوسمة والنياشين ، فلوجه الله اعطوا الخبز لخبازه وانصفوا هؤلاء القادة العظام . وبالطبع هذا لا يعني أنني استنقص من تضحيات الشباب ودورهم العظيم ، لأن هناك من الشباب من يأسرك بدماثة أخلاقه ويبهرك بشجاعته وإقدامه ، ويتمتع برجاحة العقل والذهن المتوقد ، فمثل هؤلاء هم من يستحقون أن نضعهم تاجاً على الرؤوس ونعتز بهم . زكريا محمد محسن