الحرب هي تسلية الحكام الوحيدة التي يسمحون لأفراد الشعب بالمشاركة فيها . إنها الحرب ما حلت يوما بشعب إلا وسلبته هنائه وسعادته وأمنه واستقراره وحاضرة ومستقبله وتركته منكوبا يئن تحت وطئة جراحاته العميقة . إنها الحرب المجنونة التي يتحكم الشر فيها بكل مفاصل الحياة .. فليس هناك مجال للغة العقل ,ولا لصوت العقلاء ,ولا لحكمة الحكماء ولا لخطاب البلغاء.. حيث يحبس الخير في كهف بعيد , وتوضع الحرية في سجن شديد , ويرمى الحب والأخوة والمودة في مكان سحيق . وتتفلت الشياطين من عقالها تسرح وتمرح في أرجاء الوطن الجريح تمتص دمه ,وتقتات على لحمه , وتحطم عظامه وتدوس على كرامته , وتفسد قيمه , وتخرب أخلاقه ,وتلتهم أرواح أبنائه , وتخضب أزهار الطفولة الطاهرة البريئة بالدماء , ويغادر الفرح القلوب ليسكن في زوايا البلاء . فأي لعنة أنت أيتها الحرب المجنونة ... تفسدين الحياة فلم يعد لها طعم ,وتسلبين السعادة فلم يعد لها مكان وتغلقين السكينة فلم يعد لها وجود وتغتالين البراءة بغير ذنب . كل همك أيتها الحرب المجنونة أن ترضي أصحاب الضمائر المريضة وأن تسعدي ذوي الكروش الكبيرة ,وأن تستجيبي لأصحاب القلوب العليلة , وأن تصغي لأصحاب النفوس السقيمة .. تبا لك أيتها الحرب اللعينة ... كم تحصدين من الأرواح البريئة ,وكم تغتالين من الأنفس الهنية ,وكم توجعين من القلوب الندية .. كم أماٌ أوجعت قلبها وفلقت كبدها,وأدميت مغلتها ,وأسهرت ليلها , وكدرت عيشها , وحولت حياتها إلى جحيم لا يطاقِ !!! هكذا بلا رحمة ولاشفقة.. كفي عنا آذاك أيتها الحرب اللعينة وارفعي عنا شرورك.. خذي زبانيتك إلى الجحيم فقد عاثوا في الأرض فسادا . ألقيهم في جهنم ليلاقوا جزاءهم المستحق . غيبي وجوههم عنا لقد أزكمت أنوفنا جرائمهم الكثيرة وأرقت ليالينا أفعالهم القبيحة , وأفسدت حياتنا حوادثهم اللئيمة . وأنتم يا قساة القلوب .. أنتم يا تجار الحروب.. انتم ياقاتلي الشعوب . أما آن الأوان لكم أن توقفوا هذه الحروب اللعينة التي تنهس جسد الامة المثخن بالجراح تأكل الاخضر واليابس وتهلك الحرث والنسل وتقطف زهرات الشباب بلا هوادة ؟ أف لكم أيها المجرمون تمتصون ثروات الشعوب وتقتاتون على أنات الثكالى , وتعتاشون على آهات المجروحين وتستمتعون بأصوات المعذبين !!! فسحقا لكم.. أي بشر أنتم؟ إلى الوحوش أنتم أقرب منكم إلى الإنسانية . وإلى البهيمية أنتم أقرب منكم إلى الآدمية. تبا لكم أيها الأوغاد كفاكم لعبا بأرواح الناس كفاكم عبثا بمقدار الشعوب . كفاكم إزهاقا لأرواح الناس الطاهرة البريئة. وأنتم .. أنتم أيها الضحايا _ ضحايا الحروب _ ألا تفيقون إلى رشدكم وتقفون مع أنفسكم وتستمعون إلى نداء العقل وصوت الحق ؟ ما الذي تجنونه من مآزرة الطغاة والمجرمين ؟ ما الذي تحصدونه وأنتم تقدمون أرواحكم قرابين لأجل أن يجلس زيد أو عمرو على كرسي السلطة؟ أي جريمة ترتكبونها في حق أنفسكم وأنتم تقدمون أرواحكم رخيصة في سبيل لا شيء ؟ أنتم وقود حروب قذرة تديرها عصابات الإجرام العالمية على امتداد العالم العربي والاسلامي ليستثمروا في دمائكم ويتاجروا بأرواحكم ويرابو بأنفسكم .. هلَا سألتم أنفسكم يوما أيها الضحايا .. لماذا يقتل بعضكم بعضا ؟ لماذا كل هذا الحقد الدفين الذي يملأ قلوب بعضكم على بعض ؟ لماذا هذه الكراهية المقيتة المستكنة في القلوب التي لو صبت على هشيم لأحرقته ؟ لماذا كل هذا العداء الذي يملأ النفوس ربما لأقرب الناس إليكم ؟ لماذا كل هذا البغض والشحناء لأبناء جلدتكم لأنهم ربما خالفوكم في الرأي ؟ ألا سألتم أنفسكم يوما لماذا يحرص تجار الحروب ومشعلو الفتن ومروجو الإشاعات.. على إثارة النعرات الجاهلية , والمناطقية , والجهوية , والحزبية , والخلافات الدينية ؟ ألا نعي أن تلك هي الوسيلة القذرة التي من خلالها يتم شحن القلوب بسموم الكراهية المقيتة لبعضكم البعض ليضمنوا استمرار الحروب وزيادة أوارها ومواصلة توقدها . أنتم أيها الضحايا _ على امتداد العالم العربي والاسلامي_ أنتم السبب والمسبب لتمادي مجري الحروب في مواصلة إجرامهم . أوقفوا عبث هؤلاء المجرمين بالوقوف مع ضمائركم اليقظة وقلوبكم الحية وعقولكم الواعية ونفوسكم الزكية .. لتروا نتائج تلك الوقفة أوضح من الشمس في رابعة النهار .