لا شيء قد يبدو لك غريبا كأن ترى حزنك مرسوما على وجوهٍ أخرى .. يختبئ في نبرات أصدقائك أو الصور القديمة تجمعكم .. في ملامح العابرين وتمتماتهم .. يشرب الشاي ويراقبك متخفيّا في مقاعد المقاهى .. يطاردك في الطرقات ويظهر من بين أوراق الكتب والأزقة .. حتى إذا ما كدت تقبض عليه بكلتا يديك .. يهرب .. يتخلل من بين أصابعك ويتسرب كي تواصل البحث عنه .. في صورةٍ قديمةٍ حَوَت بعض الضحكات .. ومقالاتٍ صغيرةٍ كُتِبَت بالعامّيةِ البحتةِ في مراسلات الأصدقاء .. في لقاءٍ غريبٍ بطبيبٍ نفسيٍ لم تعرفه قبلا .. في البقعة الزيتية على الأريكة .. البقعة ذاتها التي بقيت عليها كل الآثار التي خلَّفها فينا العابرون .. في قصائد الارتجال وأحمر الشفاه .. وكل الليالي التي عاشها عاشقان .. تحديدا حيثُ ترى لوحةً ما تثير فيك الفرع .. تخبرك عن كثير الأشياء فيك رغم تمويهها وخوفها .. حيث بإمكانك الحديث مع لقطة كاميرا أو فيلمٍ بلا ألوان .. حيث تسرق من وجهك قبلةً في المرآة دون أن يراك أحد .. هنا تحديدا ي صديقي تمكن تفاصيلُ حزنك الملفوفِ بضحكةٍ بيضاءَ باهتة .. هنا حيث ستشتاق كثيرا للقاءٍ أخير .. وهمسةٍ خافتةٍ مليئةٍ بالتوبيخ والحيرة .. ورغبةٍ عارمةٍ في البقاء حتى المستحيل .. حزنٌ لن يرافقك فيه قلمٌ لتكتب عنه .. ولن تلتقط له صورةً تحفظها لقادم الأيام .. ستتركه دائما ليفرَّ منك .. ثم تطارده من جديدٍ حين تلمحه يراك بشوقٍ وامتناع .. سيقترب كثيرا .. حتى تكاد تلقي القبض عليه بكلتا يديك .. ويتسرب من بين أصابعك ..! لِمَ تبحث ..؟!