لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    مجموعة هائل سعيد تحذر من المعالجات العشواىية لأسعار الصرف وتنبه من أزمات تموينية حادة    الاتحاد الأوروبي يوسّع مهامه الدفاعية لتأمين السفن في البحر الأحمر    تظاهرات في مدن وعواصم عدة تنديداً بالعدوان الصهيوني على غزة    - اقرأ سبب تحذير مجموعة هائل سعيد أنعم من افلاس المصانع وتجار الجملة والتجزئة    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة    حملات ضبط الأسعار في العاصمة عدن.. جهود تُنعش آمال المواطن لتحسن معيشته    في السياسة القرار الصحيح لاينجح الا بالتوقيت الصحيح    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    أحزاب حضرموت تطالب بهيكلة السلطة المحلية وتحذر من انزلاق المحافظة نحو الفوضى    الرئيس الزُبيدي يوجّه بسرعة فتح محاكم العاصمة عدن وحل مطالب نادي القضاة وفقا للقانون    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة نذير محمد مناع    إغلاق محال الجملة المخالفة لقرار خفض أسعار السلع بالمنصورة    لهذا السبب؟ .. شرطة المرور تستثني "الخوذ" من مخالفات الدراجات النارية    منع سيارات القات من دخول المكلا والخسائر بالمليارات    مناقشة قضايا حقوق الطفولة باليمن    تكريمًا لتضحياته.. الرئيس الزُبيدي يزيح الستار عن النصب التذكاري للشهيد القائد منير "أبو اليمامة" بالعاصمة عدن    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    رئيس الوزراء من وزارة الصناعة بعدن: لن نترك المواطن وحيداً وسنواجه جشع التجار بكل حزم    هيئة مكافحة الفساد تتسلم اقرار نائب وزير التربية والتعليم والبحث العلمي    "القسام" تدك تحشيدات العدو الصهيوني جنوب خان يونس    المشايخ في مناطق الحوثيين.. انتهاكات بالجملة وتصفيات بدم بارد    عدن.. تحسن جديد لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الاجنبية    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    اجتماع بالحديدة يناقش آليات دعم ورش النجارة وتشجيع المنتج المحلي    أمواج البحر تجرف سبعة شبان أثناء السباحة في عدن    سون يعلن الرحيل عن توتنهام    وفاة وإصابة 470 مواطنا جراء حوادث سير متفرقة خلال يوليو المنصرم    محمد العولقي... النبيل الأخير في زمن السقوط    طفل هندي في الثانية من عمره يعض كوبرا حتى الموت ... ويُبصر العالم بحالة نادرة    بتهمة الاغتصاب.. حكيمي أمام المحكمة الجنائية    لابورتا: برشلونة منفتح على «دورية أمريكا»    مع بداية نجم سهيل: أمطار على 17 محافظة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    تقرير حكومي يكشف عن فساد وتجاوزات مدير التعليم الفني بتعز "الحوبان"    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    ذمار.. سيول جارفة تؤدي لانهيارات صخرية ووفاة امرأة وإصابة آخرين    مأرب.. مسؤول أمني رفيع يختطف تاجراً يمنياً ويخفيه في زنزانة لسنوات بعد نزاع على أموال مشبوهة    لاعب السيتي الشاب مصمّم على اختيار روما    أولمو: برشلونة عزز صفوفه بشكل أفضل من ريال مدريد    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    لمن لايعرف ملابسات اغتيال الفنان علي السمه    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    وداعاً زياد الرحباني    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها    تسجيل صهاريج عدن في قائمة التراث العربي    العلامة مفتاح يؤكد أهمية أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام أكبر من الأعوام السابقة    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحمولات المعرفية والقوالب الحضارية..كيف يتم شيطنة الآخر!؟
نشر في عدن الغد يوم 25 - 07 - 2020

على مدى تاريخ طويل من الممارسة الحضارية وقع الكثير من المبدعين في صعوبات جمّة، نتيجة تقويل نتاجاتهم ما لا تقول، وما يصعب الحكم على أنها تقوله، ونتيجة لقصور الحمولات المعرفية للمتلقين عن إدراك مغازي نتاجات أولئك المبدعين، ونتيجة لسير عملية التأويل لكل ذلك النتاج الإنساني في طريق صعب عرّفتنا المعرفة الإنسانية الحقيقية أنه طريق وعر لا يسلكه إلا الخاطئون.
إن انزياح المعاني علامة من علامات الجهل، فحين لا يفهم الإنسان ما يعنيه الكلام، فإنه يسعى دوما لتطويعه وفقاً لفكره وحمولاته المعرفية المكتسبة الخاصة، حتى ولو كان في ذلك اعتساف كبير للمدلول والمعنى.
ومن أسباب التعثر الحضاري والتخلف عن الركب أنه يتم استهلاك النصوص بكل أنواعها في تأويلات لا تتعلق بمضامينها الحقيقية بل تتعلق بالحمولة المعرفية الخاصة بالمتلقي الذي يقوم بتطويع معانيه لتتوائم مع فكره، وبدلا من ذلك يمكن استغلال ما تعذر معرفته في اكتساب معارف جديدة بالبحث عن المعاني الصعبة، وقد قيل في عالم الألوان أن كل لون يأخذ دلالته من ذاكرة المتلقي البصرية والذكريات اللونية المترسبة في وعيه وليس مما يعنيه في المنتج البصري، وهذا هو ذاته ما يحدث في عملية التلقي في السياقات الأخرى فيتم شيطنة الآخر بذلك وقبله يحدث اعتساف وظلم كبير للنصوص حين لا تجد تخريجا لها غير الحمولة المعرفية التي في ذهن المتلقي، مثلا، في سياقات كبرى، حين لا يفهم معنى المعامرة يتم تطويعه ليتناسب مع حمولة معرفية قاصرة بانزياح يفرضه تصاقب الألفاظ (التصاقب من الألفاظ المتضادة التي تعني التقارب وتعني التباعد في آن والمعنى هنا تصاقب المعاني لتصاقب الألفاظ) أحيانا فيشير معنى المعامرة التي تقتضي تعمير الإنسان والأرض في مثل هذه السياقات لا تعني سوى المؤامرة في أفضل حالاتها. والتي تعني التخريب وقتل الإنسان، وهي غالباً ثقافة إذا استمرت وتمادت بهذا الشكل فستنتهي حتماً بانقراض البشرية واستحالة استمرارية حياة الإنسان على هذه الكوكب. كما أن الجهل يفرض أكثر من ذلك، فإذا كان العلم والموهبة تفرض على الإنسان المنافسة، فإن الجهل بطبيعته والافتقار إلى الموهبة تفرض على الإنسان أيضاً المؤامرة، وهذا ما يحدث على كافة الأصعدة وفي كافة السياقات. حتى ان وسائل التكنولوجيا أصبحت أداة جيدة لممارسة إفراز هذه الثقافة من خلالِها وهذه حالة تخلف عظيمة ترتدي جلبابا حضاريا لا تقل عن حالة تخلف الإنسان المتطرف الذي ينتقد الحداثة ولا يؤمن باي جديد ويصفه بالبدعة لكنه لا يجد أي حرج في استخدام كل مظاهر التحديث وأدواته في ممارسة صراعه ضد الحداثة ذاتها، بما في ذلك المايكرفون الذي يفرز من خلالِه سمومه تجاه كل جديد، وأيضاً فإنه يركب تلك السيارة ويسافر على متن تلك الطيارة ويستخدم ذلك الهاتف والتلفزيون وتلك الجرائد ومثلها هذه الكتب التي ينتجها بمطابع لا تعني في أقل معانيها سوى التعبير عن أعظم مظهر حضاري. إنها حالة انفصام واضحة بشكل مثير للشفقة، حيث أن العقل يعيش في أزمنة متخلفة ووفقاً لما ساد فيها من آراء ومعتقدات لا يمكن أن تناسب في أحسن حالاتها غير الزمن الذي وجدت فيه ووفقاً لمعطياته، والممارسة تفضح كل ذلك حين تعيش الحداثة والجديد بشغف ولهفة ونهم واضح جداً.
ولقد رفض العالم عبر تاريخه الطويل كل الحركات وكل الثورات وكل قضية حقيقية نتيجة لهذه الممارسة من قبل من يقودونها، أي أن أفكارهم لم تكن في أفضل حالاتها سوى تجسيد لثقافة سادت في عصور بائدة، ولا يمكن ان تتوافق مع كل مظاهر الحضارة البشرية في العصور التي عاشوا فيها، وهذا ليس محصورا فقط في سياق قادة الفكر الديني ومتزعميه وإنما هو تعبير عن كل الحالات التي سلكت هذا النهج وهذا السلوك بقصد او بدون قصد وعلى كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات، فمن المؤكد أن ما كان صالحاً بالأمس ليس بالضرورة ان يكون صالحاً لليوم، كما ان ثقافة جيل الأمس ليست سوى حالة تخلف في نظر ثقافة جيل الحاضر، ولن تكون ثقافة الاجيال الحاضرة سوى حالة تخلف في نظر أجيال المستقبل، بالضرورة.
إن كل صاحب فكر وقضية مهما كانت هامة لا بد أن يحرص كل الحرص على أن يكون قالب الممارسة متناسب مع قوالب الحضارة التي يعيش في ظلها، وإلا فلن يكون في نظر العالم أكثر من مجرد رجل مجنون ومتخلف. ولعل معظم ما آمن به الناس من أفكار عظيمة لم يكن السر في إتباعهم لها واعتناقهم لها في عبقرية من نادوا بها فحسب، وإنما لأن أولئك القادة حرصوا كل الحرص ان يكون قالب ممارستهم قالباً حضارياً متوافقا مع ثقافة ذلك العصر الذي عاشوا فيه وملبياً لطموحاتهم وآمالهم. ومما لا شك فيه أن ثمة غير قليل من العبقريات لم تجد سوى الدفن والتهميش في حياتها، ليس لأنها لم تكن أهلاً لتلك الثقة من قبل أهل عصرهم ليؤمنوا بأفكارهم، بل لأن قالبهم إما كان سابقاً لثقافة الجيل الذي عاشوا فيه ومعطيات الحضارة التي عاشوا في ظلها، أو لأنهم كانوا يفكرون بما يناسب حاضرهم وما يجب أن يحمله من أفكار، لكن كل من حولهم كان يعيش بمعطى حضاري بائد تجسده الأفكار التي يحملها، والقالب الذي يمارس حضارته من خلالِه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.