كما هو معلوم أن كثير من الناس يميلون إلى الطابع الإجتماعي وإلى القراءة فيه ، و أنا أهوى كذلك القراءة في الموضوعات الإجتماعية و قد سبق و أن كتبت مقال إجتماعي محض ، تحت مسمى ( لو سمحت كن إجتماعيا ) فكثير من الناس يجد متعة القراءة في هذا الجانب ، لذلك عندما تقرأ قصص عن الوفاء لاسيما بين الأصدقاء الطيبين حينها تشعر بالارتياح التام تجاه هذه الصداقة و تتمنى دوامها حتى تحين الآجال ، تلك القصص تهتز لها الجبال الراسيات و تقشعر منها الجلود و الابدان ، فلا تتعجب حين تقرأ قصة وفاة صديق متأثرا بوفاة صديقه المريض ، أو تسمع مغادرة صديق لدياره بسبب مغادرة صديقه الآخر عن نفس الديار أو سفر صديق مع صديقه إلى الخارج من أجل الدراسة أو شراء بيتين متجاورين في حي من الاحياء الراقية وذلك كله يرجع للوفاء بين الأصدقاء ، فالوفاء يفعل الأفاعيل بين كثير من الأصدقاء . فالصداقة إذا سلكت مسلكها الحقيقي و ابتعدت عن المصالح الذاتية و الأغراض الدنيوية لفاقت الأخوة البائسة و تجاوزت الزمالة الراكدة . لذلك الله سبحانه و تعالى ذكر في سورة الزخرف حيث قال : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) أي أن كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله فانه دائم بدوامه ، فالأصدقاء يوم القيامة يعادي بعضهم بعضا باستثناء المتقين و الصالحين و الأوفياء منهم . فسلام للأصدقاء الذين إذا ذهبت إليهم حزينا أو متكدرا عدت سليم الفؤاد طيب النفس ، تناثرت عنك الهموم و الغموم و الأحزان و حيزت إليك السعادة بحذافيرها ، و سلام مرة أخرى ايضا للأصدقاء الذين إذا أفشيت لهم أسرارك حفظوها و إذا طرحت عليهم مشاكلك أشاروا عليك بحلها ، و سلام ايضا للأصدقاء الذين يقفون وراءك في كل أفراحك و أتراحك . فتلك صداقة يجب أن يعض عليها بالنواجذ ، و كذلك لابد أن تحفظ و تصان و تنمى باساليب متعددة كالهدايا و حسن المعشر و الزيارات الإجتماعية المتبادلة ، حتى تزداد المحبة بين الأصدقاء و تحفظ الصداقة من نزغات الشيطان و الشوائب الدخيلة و جنبات الطريق . وإذا بحثت على ظهر البسيطة ولم تجد الصديق الوفي فنقول سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق جيد . أما الصديق الذي يتصف بصفات السوء ، إذا اقتربت منه أكثر ابتعد عنك أكثر ، ولا يريد لك الخير ، ويضمر في نفسه الحسد ، ويثير المشاكل ، ويفشي أسرارك ، ويطمئن إذا كثرت زلاتك وعثراتك ، ويبحث عن الجفاء والقطيعة بينك وبينه أين ما وجدت ، بل قد توصل الصداقة بينك وبينه إلى الكذب والخيانة فبعدا له كل البعد عن حياتنا . فما أروع بعض الشعر وأن من الشعر لحكمة حين ينظم أصحابه أبيات كالزهور تنثر عبيرها الجميل لنستشق منه في حياتنا . حيث قال قائلهم : ولا خير في خل يخون خليله ويلقه من بعد المودة بالجفاء وينكر عيشا قد تقادم عهده ويظهر سرا كان بالأمس قد خفاء سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا قد يستغرب القارئ الكريم من مسمى مقالي ب ( عهد الأصدقاء ) لكن يبدو تقريبا انه بمسلسل كرتوني قديم و عند بحثي في احدى معاجم اللغة العربية وجدت كلمة عهد تحمل معاني كثيرة منها الوفاء . فإذا ساد الوفاء بين الناس وذلك بين الأصدقاء منهم لساد في أوساط المجتمع الوئام ولعرف الناس طعم الحياة الحقيقي .