*تأتي عليكَ لحظات في الحياة، يكفيك فيها أن تحمل جسدك على كاهلك وتمضي غير مودعاً، فلعلّك أصبحت ثقيلاً على قلوب أشخاص تحبهم وكان جل همك إسعادهم، لحظات تقفُ فيها عاجزاً أمام خسرانك النبيل لأغلى ما تملك، لا تنتمي إلى أحد ولا تنتمي الى مكان باسمه ولا شعرتَ يوماً أنك تنتمي إلى هذا الزمان، مصابك يلوثه حبّك وحنينك ووفاؤك!* *منذ عرفتك والألم يسكن جسدك وسنوات القحط والضياع تلتهمك تعصرك المواقف تتجرع الوحدة والكآبة وحدك مستمتعاً بأوهامك، لا ضير عزيزي فلقد أجبرتك الحياة ان تتعرف على هيئات بشر كانوا بمثابة دروس في الخيبات دفعت ثمنها غالياً.* *انت لا تشبه ذلك الانسان الذي خططت لبنائه عبر السنين، انتهى شغفك بالحياة فجأة، تساوى بنظرك كل شيء دون استثناء، رغبتك بالرحيل تكبر يوماً بعد يوم أراك عصي الدمع تسقط وحدك وتعاني وحدك وتقاوم وحدك وتنهض وحدك وفي لحظة جحيمية مستغلين بياض النوايا داخلك يقولون لك نحن صنعناك وكنت أراك تصدق!* *يا له من خذلانٍ لم أتوقعه، وحزنٍ أعمق من أحلامك التي لم يتحقق منها شيء وحياة باهتة لم تختارها! أأنت مبتذلٌ يا أنا الى هذا الحد؟ ما هذه القوقعة التي تلتهمك دون رحمة ومن أين لك شهية مبتورة الحواس كتلك التي تغزوك؟* *بأي ذنبٍ خذلت أنا؟ أعرف أني لم أطلب السعادة بحذافيرها، فأنا فقط أريد جرعة أقل من الألم! جرعة أقل من الملل فالوحدة بلغت ذروتها والجحود فاق كل التوقعات! أتعب قلبي لأني صادق وبريء أكثر من اللازم لا ذنب لي سوى أني صادق واظن أني ثمين مكين لديهم احدثهم عن أحلامي العميقة وأخرجت لهم محارات روحي ولآلئ نوايا دون أن ارتدي أية أقنعة ظناً مني أن الصدق والنقاء يكفي، عتابي أخرس وانتظاري لا يجيد الحديث... ولا تسأل على ذلك أجراً.* *بأي ذنبٍ خذلت أنا؟ أعرف أن قلبي كان يقف عكازاً لأحزانهم! لطالما توكأوا عليه ولطالما قام قلبي بترميمهم مراراً وتكراراً، أعرف أني لا أجيد فنون الإيذاء ولا خطط الرحيل ولا حيل التخلي، أعرفي لا أنقض عهداً ولا أنكر وداً ولا أخون وعداً.* *بأي ذنبٍ خذلت أنا؟ توقعاتي على ما يبدو كانت عالية فوق المستوى وتمرّدي أعلى، أحاول أن أطير إلى أعشاش الفرح الغامر والأماني الجميلة، فجاءني الخذلان من حيث لا أدري!* *لا أتوقع مني أن أحب مجدداً ، فالأجدر بي أن أمضي وحيداً خير لي من أن تتشبث بيدٍ تخون في منتصف الطريق! فإني أرى بداخلي الآن صحراء يتشعب فيها الإحباط والقنوط ذابت أشيائي فيها واختفت تفاصيلي وخبت مشاعري وانطفأت عيوني وضاع كل شيء، لم يبق من الضحكات عندي غير صدى بعيد كأنه ذكرى غائرة لشيء لم يكن، وكأن تلك الأيام بتفاصيلها وأحاديثها وشجوها ونجوها لم تكن!* *لقد تاهت خطاي أمام ناظري وانسابت أيام عمري من بين يدي وفاتتني الأماني، وعلى رصيف الأمس أراني أعيد ترتيب ذاكرتي وتدلل عليها لتبيعها على المارة، وأنا أدفع ثمنها! ثمن أشياء أمضيت حياتي أدافع عنها ما حظيت بها أبداً، ثمن خيباتٍ متتالية تكدست في أعماق روحي قد يقول الصمت فيها كلمته الفصل يوماً ما وبصوتٍ مدوٍ!*