ايام الدراسة كنت استغل الاجازة واسافر الى السعودية للعمل، عملت عند احد الاخوة اليمنيين في جدة باب شريف تجارته في الملابس بالجملة، كان رجلا طيبا اريحيا كريما وسخيا ويقدر الناس وجهدهم وعملهم.ع ند عودتي في السنة الثانية وبعد ان عملت معه لشهرين مضت، تحدث الي قائلا،انا بحاجة اليك، اترك الدراسة واعمل لدي ساعطيك ضعف المرتب الشهري(حينها كان راتبي منه 3500 سعودي)، بل ان اردت سافتح لك محل تديره انت. قلت : ياعم عبده الله يحفظك ويبارك فيك، تركت امريكا لان خالي زمان عرض على والدي ان يقطع لي جواز واسافر الى السعودية للعمل، وكانت ظروف والدي صعبة بعد خروجه من عدن، وكنت قد اكملت الصف الثاني ثانوي في تعز. فكان رد والدي: والله لو ابيع الثياب اللي فوقي ويواصل محمد دراسته. هذه العبارة من والدي ياعم عبده لن انساها ماحييت، لذلك لا استطيع. كان عم عبده كلما وجد فرصة سانحة للحديث معي يفتح لي نفس الموضوع وترك الدراسة والاستمرار في العمل معه، سواء في نفس المحل او محل اديره انا ويشرف عليه هو. في احد المرات قلت له: ياعم عبده الناس كثير ، لما اخترتني انا. قال: الناس تختلف. قلت له: كيف؟ قال اسمع قصتي. كان احد اخوتي يملك متجرا لبيع العطور في عدن وفي فترة الحزب الاشتراكي، لم يستطع فتح اعتماد بنكي لاستيراد انواع العطورات التي يتاجر بها (من الهند)، اتصل بي تلفونيا لافتح له اعتماد بنكي من السعودية، وارفق لي البيانات اللازمة، ووعدني بانه سيسدد المبلغ حين يبيع البضاعة. فعلا عملت اللازم ودفعت حوالي مايقارب مائة الف سعودي، ووصلت البضاعة له والى الان لم يصلني منه شيء لاكثر من عشر سنوات. القصة الثانية، فترة حكم الحمدي، منعت السعودية اليمنيين من فتح محلات تجارية بالجملة بأسمائهم بل اشترطت ان يكون المحل باسم احد السعوديين. احد ابناء الاخوال كان يحمل الجنسية السعودية، عرض علي ان يكون المحل باسمه مقابل ثلاثين الف سعودي سنويا. اتفقنا على ذلك، عندما اكملنا الاجراءات واصبح المحل باسمه، قال لي شوف ياعبده نصف البضاعة التي في المحل هي باسمي، يعني نصف لك ونصف لي. قلت: لكن الاتفاق بيني وبينك فقط ادفع لك سنويا ثلاثين الف ريال سعودي وانا حر في محلي وتجارتي. قال: لا الامر قدتغير. قال العم عبده فما كان مني الا ان قسمت البضاعة نصفين وقلت له خذ هذا نصف البضاعة وهذه ثلاثين الف ريال واتركني في حالي ، وتمكنت من تغيير اسم المحل باسم سعودي آخر. القصة الثالثة كان احد ابناء اخوالي (اخواله خمسة) يعمل لدي لفترة ثم سافر الى اليمن، ومن هناك كتب لي قائلا: ياعم عبده انا جلست في صنعاء حوالي شهر ودرت على محلات الملابس والعمل فيها سبحان الله العظيم مربح جدا، ما رايك ياعم عبده نفتح محل في صنعاء ونشتغل، انت ترسل لي بالبضاعة وانا ابيع. قال اعجبتني الفكرة وارسلت له بفلوس لفتح المحل وكذلك بضاعة باكثر من مائتي الف سعودي. وكل ما يطلب بضاعة ارسل له. في السنة الاولى اتصل بي قال الحمد لله ياعم عبده ارباحنا جيدة وكل شيء على ما يرام. قال العم عبده واستمريت ارسل له بالبضاعة التي يطلبها في السنة الثانية، لكن في نهاية السنة الثانية اتصل بي وقال ياعم عبده انا آسف اخبرك اننا تعرضنا لخسارة كبيرة واقفلت المحل. القصة الرابعة، قال مرضت بالكلى وقرر الاطباء استئصال احدى الكليتين، دخلت المستشفى وتولى عمي ابو زوجتى ادارة المحل، ومن ثم قام ببيع المحل وما فيه من بضاعة دون علمي وانا في المستشفى. علم بالقصة بعض أصدقائي التجار خاصة المهريين والحضارمة، تشاوروا فيما بينهم قالوا الرجل في المستشفى واجريت له عملية استئصال الكلية، ولو علم بما قام به عمه، قد يتعرض لصدمة تؤدي به الى الوفاة. اتفقوا فيما بينهم، وقاموا باستئجار محل آخر وتعبئته بمختلف انواع البضاعة وطلبوا من عمالي العمل في المحل الجديد. ثم جاءوا الي ومهدوا في كلامهم قائلين: لقد تم نقل محلك بالبضاعة التي فيه الى محل الفلان الفلاني، حيث وصاحب العقار يواجه مشاكل مع البلدية، لذلك تولينا نقل بضاعتك الى المحل الجديد. بعد ان خرجت من المستشفى، ومضى وقت كافي، علمت بما جرى من عمى وما جرى من اصدقائي، وحين التقيت بهم طلبت منهم اخباري كم انا مدين لهم من النقود قيمة للبضاعة والمحل، قالوا جميعا هذا هديتنا اليك بمناسبة شفائك. عجبت لأمر هذا القلب الطيب الكريم السخي، وكيف تخطى المحن بفضل الله سبحانه وتعالى، والكريم يكرمه الكريم. ولولا قسم ابي وثيابه لتركت الدراسة وعملت مع العم عبده. وكل ما قدره الله هو خير .