الأوقات الصعبة في البلدان الواعية تُنتج حركاتٍ فكرية قوية وتظهر فيها أفكار تغير من العالم أو الدولة، ويبرز كتّاب وفلاسفة يقودون منابر الفكر لقرون. أما الأوقات الصعبة في بلادنا تنتج قتلة ولصوصاً أسوأ من الذين قبلهم، وينتج عنها فكر متعصب وطائفي يحمل بذور الصراعات المستقبلية أيضاً. دول انهارت وبعد سنوات عادت للظهور في الأخبار كنماذج عظيمة للنهوض، ونحن ننهار ثم نعود لمزيد من الانهيار، ونستبدل فكر متطرف بآخر! تحول العالم وتغير من حولنا وتغيرت أدوات الصراع، وفي بلادنا عندما قرر الحوثي عمل شيء مختلف قام بتغيير مناهج تتلاءم مع فكره بما يساعد على تدجين الأجيال الحالية والقادمة، ماضياً بكل طاقته لتعزيز قيم عنصرية وفصل جماعته عن الشعب بوصفها طبقة مقدسة حاكمة. أما الشرعية فكان تغييرها ملفت وصادم، في البداية أثار نوعاً من السخرية، ولكن بعد ذلك سخرت من سخريتنا عندما شق تغييرها لحجم العملة ولونها الوطني إلى وطنين بعملتين، ويبدو أنه ذلك الدهاء الذي قصده المطبلون حين وصفوا هادي برجل المرحلة الداهية، والذي لا يحب إظهار دهائه مباشرة فهو كالسوس ينخر في أسس الوطن من خلال تثبيته لدويلات منفصلة على أرض الواقع بصمت. غيَّر طرفا الصراع أبجديات المجتمع، وخلقا موظفاً بدون راتب، وأطفالاً مشردين في الشوارع، وتم تفريغ التعليم من محتواه، وأصبح الشعب أسيراً للسلل الغذائية وأسطوانات الغاز. أما مثقفو الوطن فمشغولون أمام الشاشات للاستماع إلى أكثر خطابات العالم مللاً، أو مشغولون بتلميع مصادر دخلهم سواء كانت ميليشيات أو دول خارجية، وعوضاً عن الاعتراف بخطأ التدخلات الخارجية أصبحوا يروجون ويمهدون لاستبدالها. شعب مشتت بأفراده ونخبه، وغير قادر للآن على لم شتات نفسه، ولم تعد له مرجعية واحدة توحد الصف وتقوده للخروج من عنق الزجاجة، والأخطر من هذا هو ذلك الشعور بالتبلد والاستسلام وكأن ذلك الشتات قدره الذي لا مناص منه