للحروب مضاعفات وآثار جانبية وسقوط قيمي مريع، وكل هذا السقوط أثنائها غالباً ما يقع في وقت قياسي، تخلق الحرب مشاكل عميقة وتمضي على جثث ضحاياها بدون رحمة أو شفقة، في حين أن المسؤول لايزال يفكر يستيقظ من نومه أو يواصل سباته..؟ ينظر الفرقاء للناس من برج عاجي، لا يهمهم كيف يدبرون أمورهم وإلى أين أوصلتهم الظروف. لن تهزهم صورة أطفال يتلفتون يميناً وشمالاً حتى لا يراهم أحد ينبشون القمامة قبل الذهاب للمدرسة.. لن يحرك ضمائرهم خبر بيع أب لابنته. لن يهزهم اختفاء الطبقة الوسطى وتلاشيها بعد سنوات من حرمانها من الرواتب. سيعمل الموظف أعمالاً مختلفة وسيموت من القهر والكمد، وستتمزق أسر وتتشرد وهم في طور التفكير هل يعطونه راتبه، ومن الجهة التي من المفروض أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية..! بعد سنوات من الحرب كنا نظن أن الموت هو أبشع ما يمكن أن يحصل لأي مواطن، أن تختفي عائلات بلمح البصر تحت الركام، لنجد أن الحرب الاقتصادية هي الأسوأ، فالفقر لا يرحم والمرض لا يرحم، ولا الأفواه الجائعة ستفقه معنى الصح والخطأ. وستترك سلطة الأمر الواقع جوهر الأمور وستلاحق ربطات العبايات وحفلات التخرج، لتحاول التشويش على ذلك التناقض البارز الذي لم يعد خافياً، عشرات المشاريع تفتح في صنعاء وبجوارها يقبع الجوع مستكيناً، وتكبر الفجوة يومياً بين الطبقة الحاكمة وبين الناس، بذخ يقابله بؤس صامت يعبر عن نفسه بحوادث مفجعة، وما خفي كان أعظم. أما السلطة الشرعية التي تركت الناس لقدرهم ولسلطة الأمر الواقع، استخدمت الاقتصاد في تدمير ما تبقى من كرامة المواطن جهاراً نهاراً وشنقته بلا رحمة على أبواب الحاجة والعوز. وانشغلت المنظمات بعقد دورات كيف تعلم الناس كيفية استخدام الوتساب وتصرف عليها مبالغ خيالية. وبعد ذلك كيف نجرؤ على وعظ الناس والحديث عن الأخلاق والقانون والرحمة ونحن لا نقدم لهم حلولاً إلا كمن يقدم عفواً لمسجون بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه..!