لم يكن الأستاذ مهدي بخيت سعد - ابو محمد - رجل أعمال أو صاحب سلطة في البلاد ، لكنه كان يحمل همة عالية راسخة ، وعزيمة ثابتة متوقدة ، استطاع خلالها أن يجعل من منطقته الأثرية التي لم يكن فيها الأهتمام بالأثآر موجود ، مكاناً يئوي إليه الأثريون والسياح من أبناء البلد . بدأ ابو محمد مشواره في تأسيس متحف الحافة التراثي بجمع القطع الأثرية التي كانت موجودة في المنطقة، والتي كانت تشمل سيوف قديمة وبنادق وعملات من الحقب الزمنية الغابرة، وصور قديمة لأشخاص من أبناء حضرموت ولبعض المدن الحضرمية كالمكلا ، بالإضافة إلى بعض الأحجار التي وجدت مكتوباً عليها بعض الكتابات باللغة الحميرية القديمة، ناهيكم عن الملابس والزينة والحلي النسائية القديمة التي كانت تحتفظ بها بعض الأسرللتذكير بموروثها التاريخي القديم. اضافة إلى بعض القطع الخشبية القديمة التي كان يستخدمها أجدادنا في حضرموت لتسلية أطفالهم ، وبعضها كانت تستخدم في صيد الأرانب والطيور . والكثير من التحف القديمة الرائعة التي أشتمل عليها هذا المتحف المتميز والوحيد في مديرية الريدة وقصيعر .عندما بدأ ابو محمد بتجميع هذه القطع التراثية القديمة لم يكن أحداً يليه أهتماماً على الإطلاق ! بل أدى ببعضهم لأن يطلقوا عليه بالمجنون تارة ، وتارة أخرى بالرجل الفاضي أي الذي لا شغل له ! لم يكن الأستاذ مهدي يلاقي التعاون من أهل المنطقة لأعتقادهم بأن مشروع تأسيس متحف بهذه الإمكانيات البسيطة والمتواضعة ضرباً من الخيال، وهو ما دعاهم لأن يتجاهلوه ويمتنعوا عن تقديم المساعده له في بعض الأحيان.
ولكن عزيمة هذا الرجل القوية استطاعت أن تتخطى جميع الصعاب ، وتصنع من الشيء البسيط تاريخاً شهد له كبار مسئولي السلطة المحلية بالمحافظة وذلك حينما أتى المحافظ عبدالقادر هلال إلى منطقة الحافة في مستهل زيارته إلى مديرية الريدة وقصيعر ، وقام على إثرها بزيارة متحف الحافة للأثآر وفوجيء في غمرة من الدهشة بهذا المتحف الجميل الرائع الذي يعد من المتاحف القلائل في المحافظة ، عندها شكر المحافظ الأستاذ مهدي بخيت -ابومحمد- على جهده ومثمناً خطواته التي قام بها في تأسيس هذا المتحف ومشيداً به أيما إشادة.
لم يتوقع أحداً من أؤلئك الأشخاص الذين لم يبالوا بسعي الأستاذ ابو محمد في تأسيس متحف الحافة أن تقوم القناة الرسمية في اليمن ( قناة اليمن ) ببث صور لهذا المتحف في إحدى نشرات أخبارها ومعبرة عن روعة المتحف وما يحتويه من أثار. لم يكن المحافظ هلال وحده من زار هذا المتحف ، بل توالت الزيارات له من جميع أطياف المجتمع ، وقد حظي المتحف بإشادة كبيرة من المحافظ هاجر الذي خلف هلال في منصبه ،وذلك عندما زار هاجر منطقة الحافة وأطلع على هذا المتحف وأبدى إعجابه الكبير به شاكراً ابو محمد بدرجة أولى على جهوده المخلصة والمتفانية في خدمة التراث في حضرموت .
إن متحف منطقة الحافة أصبح قبلة كل من يريد زيارة هذه المنطقة، حيث يقوم الأستاذ ابو محمد في كل مرة يطلب فيها زيارة المتحف بفتح هذا المتحف والتعريف بمقتنياته ومكانتها القديمة . إن أستاذاً كابو محمد يحتاج منا أن نقدم إليه ألف شكراً على جهده المخلص وعمله التطوعي الذي يقوم به لخدمة مجتمعه ؛ فهذا الأستاذ من أول لحظة سعى فيها إلى تأسيس هذا المتحف لم يكن همه المال بل كان عمله كله مجاني ، حتى وصل به الأمر في بعض الأوقات إلى أن يقدم من جيبه الخاص لهذا المتحف الذي أصبح مديراً له منذ تأسيسه . ابو محمد لا يتقاضي أي راتب شهري من قبل الوزارة المختصة بشؤون التراث ولا من السلطة المحلية ، ولم يعطى له أي شهادة تقديرية على مجهوده الكبير الذي قام به لا ندري لماذ ؟ هل لأنه جمع تراث حضرموت الذي يحاول البعض تزويره وطمسه ؟ أم لأنه رجل متواضع بسيط لا يستحق هذا التقدير ؟ ومن هنا أدعوا السلطة المحلية أن تولي متحف الحافة أهتماماً كبيراً وتعمل على تطويره ؛ كما أدعوا جميع المهتمين بالتراث والأثار أن يقومموا بزيارة هذا المتحف الرائع الذي يحتوي على جزء كبير من موروث حضرموت التاريخي ؛ ويضم بين جوانبه ثقافة غابرة يعجز الكثير أن يأتي بمثلها .