بلادٌ مليئةٌ بالحب والمحبة، بالسلام والسعادة، أرضٌ تزرع الحُبَّ بحُبْ، سماوات لا تحدها الأبصار، شوارعٌ عامرة بالضجيج والصخب والنساء. ولكن لم تَعُد كذلك .. لقد فقدت عذريتها بحربٍ أهلية أشعلت نيرانها مؤخراً؛ وانكَسرت ساعة العرب ..!! إلى وطني المفقود في نواحي الضياع، إلى طفولتي النائية والضائعة في تلك الغابات العذراء المكللة بالندى والعذاب. إلى النساء اللواتي عشقتهن وعشقنني ثم هجرتهن وهجرنني. إلى من يزلزلن أعمدة القلب ويخلخلن حركة الجسد. إلى اُذُني التي استمتَعتْ بأصوات الموسيقي وهدير البحر، وتذمرت بهسيس قُبلات العاشقين. إننا الآن نعيش في الخطر، وننام على فراش الخطر، ونأكل تحت أسطح الخطر ..!! لم تعد تلك الشوارع صاخبةٌ بالحب ومليئة بالأحباب ..!! لقد تَغيَّر الحال كثيراً .. ففي الصباح نفطر بقذائف الموت، وفي الظهيرة نتغدى بطعام المدافع، وفي المساء نتعشى بذخائر الدبابات ..!! لقد أتى زمن النيران، زمن الحروب الأهلية؛ الحروب التي لم تجد سبباً لنشأتها، فاستعانت بالساسة، وجامعتهم على وجل .. فأنجبت الدمار والخراب في وطنٍ مسالم، متوازن؛ لم تكن لتنشأ لولا موافقتهم. تداخلت حروب الأصدقاء واختلطت بحروب الأعداء في تلك المدن، فتحولت إلى غابات. مهرجان دموي واضطرابات فتاكة تجتاح المدن العربية..! الساسة يظلمون شعوبهم، والشعب يصمت عَلَّ ذلك ينتهي وينجيهم، ولكنه للأسف .. شارف أن يُنهيهم ..! الجوع يتقدم؛ الشهداء يصعدون، والجرحي يتألمون دون أن يشفق عليهم أحد؛ الوطن يُدمر والشعب يموت؛ السماء تبكي علينا ونحن ننظر إليها بشغف، علَّها تُمطر حُباً وسلاما.