أخيرا وصلني بريدك يا غيث ، بقيت في انتظاره ولم ينفد صبري ،لا أخفيك أنني كنت أحتاجه جدا ،كلماتك يا _حبيبي_ جرعات حياة تنقذني من لعنة الانتحار ، نعم لا تستغرب يا غيث ،أكثر من مرة وأنا أقوم بإعداد طريقة مؤذية لأنهي بها حياتي ،حياتي التي باتت أشبه بالموت كثيرا، بل هي الموت نفسه ،أردت التخلص منها على عجالة عوضا عن تجرعها بالتقسيط الممل ، كثيرا من الناس يا _حبيبي_ يرون أن فكرة الانتحار ما هي إلا فكرة ناتجة عن ضعف الإيمان لا أكثر ،يقذفون التهم واللعنات على كل من يفكر بالإقدام عليه . "حرام" هو كل ما يفقهه الناس في مجتمعنا ،حتى أنهم يجبرونا على القيام بأفكار شيطانية من فرط الضغط والتعسف الذي يمارسونه ضدنا ،أنا الآن لا أقوم بتسويق الانتحار يا غيث ولكني أستلذه في فراقك وأريد أن ينظروا إلينا _نحن الميتين على قيد الحياة_ نظرة إنسانية تخفف عنا المعاناة بدلا أن يسكبوا عليها موادهم التي تشعلها أكثر... لا أعلم لماذا تحدثت كثيرا عن الانتحار يا _وجعي_ لكن ما أعرفه أنني أريد أن أشاركك كل تفاصيل حياتي ،أنت الوحيد الذي سيتفهمني ولن يجلدني كما يفعل الآخرون . أعلم! أنك لازلت ترفض كل النساء من بعدي ،لازلت تخشى أن تعشقك امرأة غيري ،تراني الحب والاكتفاء ،البدايات الجميلة والنهايات اليقينه ،لازلت تهتف بالنصر يا غيث ،تهتف به رغم الخسارات وكأنك تقول "انتصر أو أموت" ،ستموت _يابن قلبي_ وسأكتب على قبرك بأنك شهيد الحب ،شهيد العادات والتقاليد ،شهيد الجشع ،سأكتبك شهيدا للحرب أيضا ،الحرب التي كان لها النصيب الأكبر بفراقنا . الحرب! ما إن قرأت هذه الكلمة برسالتك أصابتني رعشة شديدة يا غيث ،رعشة تسقط كل من يتلذذ بهذه اللعنة وتخرس كل من ينادي لإشعالها. الحرب هي من زرعت بيننا الأحقاد ونثرت بطريقنا القذائف والرصاص ،جعلتنا ننتظر القصف بدلا من المطر ،والموت بدلا من كل شيء . الحرب هي من مارست علينا كل أنواع القتل والتنكيل والتجويع وسرقت منا كل ما هو جميل . هي الحرب من زادت والدي شراهة في المال ،فلا يفكر بسوى تحصيل على أكبر قدر منه ،والدي والحرب وجهان لموت واحد يا غيث. أخبرتني في رسالتك أن زميلنا نبراس لقي مصرعه في الحرب وأروى على وشك أن تغادر هذه الحياة بسببها أيضا... دعهم يموتوا يا غيث ،صدقني فقدان الحياة أرحم من التظاهر بها ،ربما حالفهم الحظ أن يموتوا بالطريقة الأسهل ،أما نحن فلازلنا ننعى أرواحنا علها تنطفئ عما قريب.. أنتظرك يا غيث أنتظر مجيئك إلى هذه المدينة المخيفة ،المدينة التي لا تقل معاناة عن مدينتك ،بل تتكبد الحزن أكثر سأنتظرك أنا وتعز المكللة بالرصاص والمشاقر. #شيماء_العريقي