مرحبا غيث أنا سارة وصلني بريدك بطريقة شاقة ربما كان عليه أن يصلني هكذا جزاء من حياتي الشائكة وصلني عبر إحدى صديقاتي، قالت إنها رأته في مواقع التواصل الاجتماعي ،بريدك الذي أحدث ضجة عارمة هناك وجعل مني شخصية منبوذة عند كل من يقرأه ، لقد نجحت بفكرة تشويهي للحد الذي جعلت الجميع يلعنني بقدر الأحرف والوجع الذي كتبته هناك، كنت قد أخبرت صديقتي أن تخبرك كيف أنني أعاني قسوة بعدك وكم من الشهقات التي أطلقها كل يوم في محاولة لانتزاع روحي التي باتت تأبى البقاء دونك ،أخبرتها أن تحاول ولو بأحرف بسيطة أن تشرح لك الحياة التي أعيشها ، أعتذر كوني أسميتها حياة ! الحياة دونك ليست سوى قبر ضيق ومظلم لا يخلو من ملائكة العذاب الذين يعذبونني حتى الموت وليس بعده ، اطمئن ! أنا لم أنجب أطفالا بعد ، لازلت فتاة عذراء تلعن حظها السيء والمنقوع بالغباء المميت ؛ كنت في كل مرة أمر بمخاض ولادة ،عليك أن تحسب كم من المرات ولدت ، لكنني للأسف لم ألد سوى الوجع والألم ، لم ألد سوى الذكريات المؤلمة التي فجرت رحم قلبي الممتلئ بك. أنا لم أعد كما كنت يا غيث ،أصبحت فتاة تبلغ من العمر تسعين خيبة ، وجهي غطاه نمش الفراق وارتسمت عليه ابتسامة صفراء ذابلة ،شعري لم يعد أسود غزيرا ، لقد غزاه البياض دون رحمة ،جسدي لم يعد رشيقا ذا قوام جميل ،أصبح مقوسا كجسد عجوز تتكئ على عصا ، أما عن صحتي يا غيث ، لا أنام إلا على مسكنات أخذت من رونقي الكثير الكثير ،كل شيء بهت وتلاشى عدا وجودك داخلي... لست مجرمة يا غيث والدي والفقر كلاهما مجرمان، يقولون إن قلوب الآباء هي أكثر القلوب شفقة وخوف على الأبناء ،لكنني لم أر في والدي سوى وحش كان يلتهم الأخضر واليابس ، ربما والدي هو النسخة الوحيدة المتبقية من الرجال الذين كانوا يئدون البنات ، ليته وأدني كما فعلوا ! ليته دفن جسدي تحت التراب ! بل كان أشد بؤسا منهم ، والدي دفن حبنا يا غيث،دفن أحلامي ،شغفي ، وسعادتي ، ذكرياتي ،وأخيرا دفن غيثي الوحيد...ما قام به والدي يعد ذنبا يعاقب عليه الشرع والقانون والحب ،لم يقم بتزويجي كما يزعم ،بل جعلني صفقة تجارية مربحة له ،وجعلني أتكبد الخسائر وحدي ، والدي الرجل الذي يقدس المال أكثر من الحب وينشد السجن أكثر من الحرية. أكرهه جدا يا غيث! ويا ليته كان عقيما لا ينجب ! أنا لست خائنة! أحببتك وكأنك الرجل الوحيد الذي سقط على قلبي نتيجة للجاذبية الموجودة بيننا ،أحبك كأحد المسلمات التي يرفض النقاش بها ،أحببتك كأنك الحسنة الوحيدة في هذا الكون والأمان الوحيد الذي ينشده سكان مدينة مليئة بالحرب والخوف واللصوص الذين يظهرون بوجوه الأتقياء ،أحبك وكأنك الآمال والأحلام والمستقبل ،أحبك كنقطة أضعها آخر كل سطر اكتبه هنا ،أحبك أحبك أحبك ...إلى مالا نهاية حتى أفقد الوعي ولا أفيق إلا بها. أنقذني ! أقولها يا غيث وأنا على ثقة بأنك نصري الوحيد و آخر أوراقي الرابحة.. #شيماء_العريقي