تغضب الجماهير ويتحول غضبها إلى أي شكل من أشكال التمرد أو الثورة بقيادة الكراهية، لكن بدون أن يكتمل هذا التغيير، ودون أن يتحول الغضب إلى فضائل أخلاقية توقر الإنسان وتحترم ذات الفرد في إطار المواطنة المتساوية، وتوفر له الأمن والاستقرار، فهو كقفزة في الهواء إلى المجهول. إذا لم يتحول هذا الغضب إلى ذكاء وإبداع فسيقود لمحرقة تحرق الأخضر واليابس وسيدفع ثمنها حتى من لم يشارك فيها لعقود قادمة. بلد لم تكتمل ثورته التعليمية ولم ينجز تحديثه المادي والمعنوي في حده الأدنى لن تنبع ثورته من الجذور التي ستقود التغيير بعمق وثبات وإن طال الوقت، بل ستنبع من الشعارات التي ترددها الجماهير وتقودها العاطفة لإعادتها إلى نقطة الصفر. فالمجتمع في المقام الأول نسيج من عقليات تكون قادرة على إبقاء التوازن بين ما يحفظ استقرار المجتمع وبين أدوات التغيير التي ستقوده للتطور والتقدم بإعادة تقييم أوضاعها وتبديل أدواتها القديمة التي لم تحقق لها أهدافها بأدوات حديثة قادرة على إيجاد الفرق الإيجابي في حياة المواطن. ولأننا شعب يمجد الأصنام ويقدس الأموات، ولا يلاحظ خطأ غير خطأ خصمه، وهدف نخبه الاستحواذ على السلطة بأي طريقة، نولد في ثورة ونموت في أخرى، وما بينهما نعيش حروباً نكرر فيها كل الأخطاء وكل الزلات، ونعيد اجترار كل أسباب الفشل وننتظر نتيجة مختلفة..! وعندما تختفي أسباب ظهور المجتمع المدني الحديث سيملأ الكون الفراغات بميليشيات وسلطات متعددة، فهو لا يعترف بالشعارات بل بما تضخه أفعال الشعوب والحكومات ويعيده إليها بدون محاباة أو خداع.