حينما يستفيق بك الوجد على ناصية ذكرى وطن ممزق، على أشلاء جسد متناثرة، يُسمع من تحتها خرير دم ودمع، كلا يشحذ سيفه كي لا يبقي للآخر صافر نار، اعتلى الجميع صهوة ظلام موحش، تتقطع بهم سبل المصالح في واد من أسى، محاط بخرابة وطن من جهاته الأربع، نحن في تلك الفترة مطالبون بأن نوقد شمعة بدلا من أن نعلن الظلام كما قيل، فما زلنا في مهد وريعان الشباب المثابر، كما نحب أن يطلق علينا آنذاك، نتطلع إلى المستقبل بعين شاخصة وواعدة يملؤها الأمل والثقة بما لدينا من طموح في حدود المعقول الذي نسوغه بطريقتنا كيفما نشاء ..!! إلا أننا لم نستطع المضي بتلك العزيمة والإصرار السابقين، لتراجعهما إزاء أوضاع البلاد المواتية، الأمر الذي ترك فينا ذلك اليقين بأن "لا تيأس أبدًا" ليست إلا عبارة جوفاء لا روح فيها، لا يرددها سوى اليائسين أو الذين لم يتعرضوا لمخاطر وإخفاقات في حياتهم فقط، وكذلك عبارة "انظر إلى الغد بابتسامة أمل مشرقة" عبارة أخرى من عبارات المتشدقين بالكلمات، وأن الكل يقولها عندما يخرج من أزماته، أما في ظل الأزمة فتجده مكتئبًا يائسا، أما وقد منّ الله عليه وأخرجه مما كان فيه أصبح يردد "لا تيأس" ، "إياك والقنوط" ، "ولا تترك نفسك تسير عبر أغوار الفشل واليأس"، إلى غير ذلك من عبارات لا روح فيها ولا حياة ..!! وكم من الصعب أن تجد نفسك مرغما على اللجوء إلى اليأس، وعليك ملامح القهر الذي لا يعلوه سوى القهر، فما إن تتمالك نفسك حتى ترفع يديك إلى السماء وتدعوا الله بقلب صادق أن يمسخ بمن كان سببا في يأسك وقهرك وكبوتك، الذي جعلك تختار من اليأس طريقا ومستقر..!!