غادرنا إلى عالم الخلود مطلع الأسبوع الماضي الدكتور علوي مبلغ، أحد ألمع رجال الفكر والإبداع في جامعة عدن، وبرحيله خسرت الحركة التعليمية رجلاً فذّاً أفنى حياته بكل ما يملك من علوم معرفية وأكاديمية، ولم يتوان للحظة واحدة في تقديمها لطلابه في جامعة عدن، أو لمن كان قد طلب منه ذلك. تولى فقيدنا الراحل العديد من المناصب، كان آخرها عميد كلية الآداب جامعة عدن، ولقد كان -المغفور له بإذن الله- متميزا في أخلاقه، فهو يحترم الكبير والصغير، وكان ميالا للفقراء كثيراً، فقد عايشته قرابة أربع سنوات وكانت تجمعني به صلات مودة وتقدير في مقيل شعبي متواضع؛ لكنه جامع لكل الناس وهو اسم على مسمى، فقد أسسه رفيقنا الخلوق عبد الله جامع على الشارع العام في مدينة إنماء، وهو مكشوف على الهواء.. وكان الدكتور علوي من رواده المداومين، بل إنه كان رمزه هو وآخرين، كما يجمع هذا المقيل الكثير من مدراء العموم والعسكريين والمدنيين حتى أصحاب المهن الصغيرة فإنهم كذلك لهم حضور، لقد جعل المرحوم من ذلك المكان موقعا تهفو إليه قلوب الكثيرين، وبتواضعه وبساطته رأيت أكثر من مرة توافد دكاترة وطلاب لاستشارته في أمور تتعلق بحياتهم العلمية، وكان الدكتور لا يتبرم، ولا يكل أو يمل من ذلك، وهو يردد باستمرار أنه يفخر بذلك المكان فهو لكل الناس وما الحياة إلا عابرة، إنهم لم يكونوا فقط من قد خسر الدكتور، فقد خسره الكثير من أطياف هذا المجتمع بمختلف مستوياتهم، حتى أنه كان يخصص مبلغا من المال مساء كل يوم؛ ليدفعه إلى المحتاجين الذين قد اعتادوا على ذلك، وكان يلاطف الكبير والصغير بضحتكه المميزة التي كانت تخرج بدون تكلف أو اجتهاد وهي تعبير عن نفس هذا الإنسان الطيبة والمتواضعة. نعم، لقد كان لنا مثالا وقدوة للطامحين وكان بحرا متدفقا في كل العلوم، كما أنه كان على قدر كبير من البلاغة والإنشاء، خاصة في الجانب الديني، ولم أره يوماً يشكي أو ينتقص من قدر أحد رغم ما كان يعانيه من إهمال وعدم التفاتة من أصحاب الشأن.! لن أخوض في جانب قدرات الفقيد التعليمية والعلمية والسياسية، فهي أكبر مما أفهمه عنه بكثير، تجلى ذلك من خلال عزاء الفقيد، فقد تزاحم جمع كبير من المواطنين والدكاترة والمسؤولين، ولم يجدوا مكانا للجلوس عليه، وهذا يدل على أن الفقيد قد ترك أثرا بالغا في الحقل الأكاديمي الجامعي من الصعب ردمه، كما أني على ثقة بأن زملائه وطلابه لن يتوانوا عن تقديم أعمال الفقيد بصورته الحقيقية، فقد كان مثالا للتآخي والمحبة.. كريم النفس، لا يبخل على الناس بشيء، وله أفضال على الكثير من الطلاب لا ينكره إلا كل جاحد. أخيراً، أرجو من قيادة الجامعة تكريم الفقيد بإظهار مطبوعاته وإبداعاته. رحم الله أبا محمد رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جناته.