بينما كنت أقلب قنوات التلفاز استوقفتني قناه المسيرة فإذا بها تبث مهرجاناً ضخماً يضم الآلاف من كافة شرائح المجتمع وهم يحملون على رؤوسهم صور عبد الملك الحوثي ويرددون هتافات تمجده وتبجله وتعظمه كأنما هو فريد عصره ومنقذ شعبه من براثن الفقر والجوع والجهل .. فتأملت ذلك الموقف طويلاً طويلاً وشرد ذهني بعيداً بعيداً وجالت في نفسي خواطر مرعبة وأفكار محزنة وتخيلات مؤلمة ... فضربت أخماساً في أسداس وقلبت كفاً بكف وأخذت نفساً عميقاً وتنهدت بشدة وحسرة وحرقة . فرجعت إلى نفسي بعد أن هدأ روعي واستقر فكري وبرد دمي الفائر .. فقلت لنفسي أيعقل أن يخرج مثل أولئك البشر يصفقون لذلك المعتوه الذي سلبهم كل مقومات الحياة وتعدى على حقوقهم وصادر حريتهم ونهب خمس أموالهم باسم آل البيت وووووو. وكيف اسطاعت تلك الجماعه الإرهابية أن تقنع قطاعاً واسعاً من الشعب اليمني أنهم إنما جاؤوا لمحاربة الأمريكان والصهاينة وأن حرب اليمن هي الطريق الرباني لتحرير الأقصى . وبعد تفكير عميق خلصت الى أن سبب هذا البلاء كله هو الجهل والجهل وحده . ذلك أنه من المستحيل ألف مرة أن تمر خزعبلات محمد البخيتي ومن على شاكلته على شعب ذي وعي . ومن هنا ندرك لماذا يحرص الحكام المغتصبون للسلطة على تجهيل الشعوب ولماذا يضعون قضية التعليم في أسفل درجات اهتماماتهم ؟ ولماذا يحاربون ذوي العقول الناضجة ؟وكيف يقدمون الجهلة على أصحاب الشهادات العلياء ولماذا تقصى الكوادر الأكفاء ويتصدر المشهد غير المؤهلين !!! وليس أدل على ذلك من خلال مؤشرات الإنفاق على التعليم والبحث العلمي _ في الدول التي اغتصب فيها الحكم اغتصاباً _ والتي لا تكاد تذكر مقارنة مع إنفاق الدول المتقدمة وكذلك إنفاقها هي نفسها على قطاعات الأمن والجيش الذي أصبح أداة طبيعة بيد الطبقة الحاكمة وبينما كنت أقالب تلك الأفكار والخواطر تذكرت ما كتبه الفيلسوف والمفكر الجزائري مالك بن نبي حيث قال بينما كنت أتجول في شوارع الجزائر لفت نظري شاب يحمل فوق رأسه صورة لرئيس البلد بينما هو يأكل من القمامة قال : فرجعت إلى نفسي فقلت أي مستوى فكري وصلنا إليه وأي جهل مظلم خيم علينا وأي كارثة نزلت بنا حتى صرنا لا نفرق بين قداسة الحكم والحقوق العامة . ذلك المشهد تقريباً كان بداية سبعينيات القرن الماضي .. رحم الله مالك بن نبي .. هو لا يدري أننا اليوم في القرن الحادي والعشرين نكرر نفس المشهد بل وأسوأ منه . وقد شاهدنا أناساً يرفعون صوراً فوق رؤوسهم لرؤسائهم بينما يأكلون من القمامة... وها هم اليوم كذلك يقدمون أرواحهم رخيصة لأجل علان وفلتان . فلا تتعجب بعد ذلك أيها القارئ الكريم أن ترى التعمد الممنهج للإجهاز على التعليم وعدم المبالاة بتحسين جودته وإهمال حقوق المعلمين وردائة المناهج وإفساح المجال للغش بطريقة فجة . ذلك كله سياسة مدروسة لتجهيل الشعوب ووأد روح البحث العلمي ومحاربة الكوادر حتى تتمكن تلك العصابات المغتصبة للسلطة من إخضاع الشعوب والضحك عليها وتدجينها ليستمروا في كراسي السلطة . فأين ذوو العقول ؟