في يوم من الأيام كان لي شرف زيارة ولاية المفازة التي يتميز أهلها بالطيبة والبساطة وقبل ذلك بالكرم العربي الأصيل لهم من الثقافة ما يميزهم عن غيرهم فلهم طقوس في إكرام الضيف لم تعد موجودة عند معظم العرب ويحسنون صناعة الشعر والمساجلة بقوافيه وهم أقرب إلى العربية الفصحى من غيرهم وهذا أهم ما لفت نظري من ثقافتهم لكنهم كغيرهم لهم من السلوك ما لم يرق لي ؛ كعزوف كثير منهم عن التعليم وانتقاص بعضهم مزاولة الحرف وينظرون إلى أربابها بازدراء .. ظلت هذه الولاية - في التاريخ المعاصر - تعاني الأمرّين لوقوعها بين اثنين ؛ أخ لايفهم من معاني الدولة إلا القتل والاقتتال وليس في دستوره مايعني التنمية والاقتصاد وبين ابن عم متربص منهجه يقوم على استباحة الجغرافيا واستعباد الإنسان ...لذلك بقيت لعقود تدفع الثمن غاليا من الجانبين ، الخسارة المادية والمعنوية ثمن حبها لأخيها ومبايعته واليا عليها ، وإذا ماحاولت الاقتراب من ابن العم وجدته يساومها على هوية من الدرجة الخامسة مقابل الانزياح عن الجغرافيا وهذا أظنه أدهى وأمر .... وفي زمن الأخ غير الشقيق كان نصيب المفازة بين وظيفة لاتتجاوز رتبة حارس لمنشأة أو شركة أو شخصية وبين هامش من غض الطرف عمن يريد تهريب بعض السلع ذهابا وإيابا مع الجيران ... .أما اليوم فيبدو أن المفازة قد تفاجأت بدعم سخي ومفاجئ لإنشاء بنية تحتية كإقامة مؤسسات اقتصادية وصحية وعلمية .....ولكن ماسر الالتفات إليهم بعد أن غابوا أو غيبوا عقودا من الزمن مع أنهم يستحقون أكثر من ذلك لتاريخ هذه الولاية العريق ولما تتميز به من خيرات؟؟؟؟؟؟ سؤال وجهته لكوكبة من المثقفين في ديوان تقرأ الوقار في أهله وزائريه .. فكانت الإجابات كلها تكاد تلتقي في كياسة قيادة الولاية ودهائها ، غير أنني لم أقتنع بما توصلوا إليه من العرض والتحليل والتعليل فلذت بالصمت ولم أعلق ، الأمر الذي جعل المتحدثين يقرأون في صمتي عدم الاقتناع بالإجابة . فبادرني أحدهم بالسؤال وماذا ترى أنت ؟ فأجبت بالقول : نحن في زمن يحاول عدونا فيه بما أوتي من قوة بث الفرقة والتشظي في أقطار أمتنا أرضا وإنسانا على أسس دينية ومذهبية وطائفية ومناطقية وحزبية وعرقية ووووو . وقد بدا جليا أن بعض الأحزاب أو الطوائف لم يعد لها مكان في موطنها الأصلي لاسيما بعد أن خسرت المعركة وهزمت في الحرب ؛ لذلك يبدو أن الاهتمام بإقامة البنية التحتية وإنشاء المؤسسات في ولاية المفازة إنما هو لاستيعاب ذلك الحزب أو الطائفة التي خسرت الحرب فأصبح إعادة توزيعها ديمجرافيا وتعويضها بولاية المفازة أمرا باديا للعيان لأن الأخيرة أرض واعدة تزخر بالخيرات والحزب الخاسر يجيد الوصول إلى مكامن المال لكنه لايحسن التعامل مع السلاح في مواجهة الخصوم ، فالأمر أعزائي القراء إحلال لا استحقاق..