يثبت الشعب المصري ، في كل مرحلة من مراحل حياته ، أنه بحجم وطنه . فهو شعب ، رغم تجاوزه السبعين قرناً ، إلا أنه يتجدد دوماً ويتعلم جيداً من دروس الحياة ، ويأبى إلا أن يكون شامخاً ، فذاً ، صلباً تقتدي به الشعوب في الوطنية . والشعب المصري علّم ويعلم ، الشعوب العربية وغير العربية ، حب الوطن والذود عن حياضه . فنحن نرى كيف يتفاخر هذا الشعب العظيم بتاريخه ويتشبث بهويته ، حد الغرور والهوس ، وكيف يدفع حياته رخيصة من أجل كرامة وعزة وطنه . فلتهنأ مصر بهكذا شعب أبي وعظيم . بل إن الشعب المصري العظيم قدم فلذات أكباده من أجل حرية الشعوب العربية الأخرى ، والشعب اليمني أحدها .
وها نحن نرى اليوم كيف لبّى هذا الشعب نداء الواجب ، وخرج عن بكرة أبيه رافضاً نظام سياسي فج، أحمق ، تكبّر وتجبّر ، وأذل واغتر بالسلطة السياسية التي وصلت إليه منذ عام مضى ؛ فقلب ميزان العدل وبطش بالقوانين ، من أول وهلة . وحاول تمزيق النسيج الاجتماعي المصري الذي صُنع منذ آلاف السنين ، وبقي متيناً ، قوياً ، صلباً طوال تلك الفترة ، معتقداً أنه ، بجرة قلم أو ببث الفتاوى المغرضة ، جاعلاً الدين الإسلامي تكأة وهو منه براء سيصنع نسيجاً آخراً لأبناء وطن عظيم ، ما زالت معجزاتهم شاهدة على عظمتهم وعبقريتهم .
يعلمنا الشعب المصري ، كل يوم درساً جديداً في التوافق والاختلاف ، في كيفية الاتفاق على كلمة سواء ، ورفض الباطل بكل أشكاله . ويعلمنا الشعب المصري دروساً في الوطنية وحب الوطن والموت من أجل الوطن ، وليس الموت من أجل السلطة والزعامة ، والاستحواذ على ثروات الوطن لتوزيعها على العشيرة والقبيلة وأفراد نافذين .. وهلم جرا .
يعلمنا الشعب المصري كل يوم دروساً في فقه السياسة والتعامل الإنساني ، المتعقل بين الأحزاب السياسية ، المختلفة في الرؤى ، المتفقة في الأهداف ، وكيف يجب التعاون والاتفاق فيما بينها ، ونبذ الضغائن التي في الصدور ، ونكران الذات ، والوقوف صفاً واحداً ، كالبنيان المرصوص ، لمواجهة الظلم والفساد ، وتحرير الإنسان والأرض منهما ، ليسود العدل ، ولينعم الناس بالسلام والأمن والمواطنة المتساوية .
يعلمنا الشعب المصري العظيم كل يوم دروساً في تعزيز العلاقات الإنسانية ، الأخوية بين أبناء الوطن الواحد ، بغض النظر عن الدين واللون والجنس ؛ على مبدأ "الوطن للجميع والدين لله ".
يعلمنا الشعب المصري كل يوم دروساً في الالتفاف حول الوطن وتلبية ندائه إذا استغاث ، وتقديم كل غالٍ ونفيس من أجل إنقاذه . فمبارك عليه انتصاره على قوى الظلم والجهل والتخلف .
ألا يستحق الشعب المصري أن يحظى بوطن كمصر ؟ وألا يستحق وطن كمصر ، أن يكون له شعب عظيم كالشعب المصري ؟ فمتى تقتدي الشعوب العربية بهذا الشعب ؟ وهل وصلت الرسالة لليمنيين عموماً ، ولليمنيين الجنوبيين تحديداً ؟