اليوم هو الذكرى الثانية عشرة لأحداث سبتمبر، وهو شيطان عبقري ذلك الذي خطّط لهذه الأحداث؛ تدمير برجي التجارة في نيويورك، وتفجير مبنى البنتاجون في واشنطن ونسبها للمسلمين، وبغض النظر عن صدق أو كذب ذلك الإدعاء؛ فمنذ ذلك اليوم تمّ اختراع مصطلح (الحرب على الإرهاب)، وأصبح الهدف محددا واضحا وصريحا؛ القضاء على الإرهاب، متمثلا في الإسلام، وحشدت أمريكا جنودها وأوغرت صدور أبناء شعبها وشعوب الغرب ضد كل من يقول لا إله إلا الله.
ولو رجعنا إلى عقود مضت لأدركنا أن المسلمين لم يكونوا قبل ذلك مُستبعدين من دائرة اهتمام الغرب وأمريكا ومن ورائهم إسرائيل، لكنهم كانوا يُخفون عدائهم التاريخي للإسلام والمسلمين، مشغولين إما بحربهم الباردة مع السوفيت، أو فرض سيطرتهم ونشر قواعدهم في أرجاء العالم، عندما تولى ريتشارد نيسكون حكم أمريكا توصل إلى عقد اتفاق سلمي مع السوفيت، وتفرغت أمريكا بعدها لحربها في فيتنام؛ والتي قتل فيها الجيش الأمريكي آنذاك؛ أكثر من مليوني فيتنامي، مستخدمين قنابل النابالم والأسلحة الكيميائية، التي مازال الفيتناميون حتى يومنا هذا يعانون من آثارها المُدمرة، وبعد هزيمتهم المُخزية هناك، نجح الرئيس الأمريكي كارتر في الحصول على موافقة حاكم هاييتي في إدخال قوات تابعة للجيش الأمريكي في إدخال قواتها سلما لنشر قواعدها على تلك الجزيرة الهادئة.
وتفرغت أمريكا لمهمتها الجديدة، باعتبارها القوة العُظمى؛ فبدأت أولى الضربات العسكرية ضد بلد عربي، أثناء حكم الممثل الأمريكي رونالد ريغان، حيث قصفت القوات الأمريكية جوا عدة مواقع في ليبيا،ولم تعترض أي من دول التحالف على هذا القصف الوحشي، وكأن ماحدث لا يعدو إلا مجرد عملية عسكرية بسيطة تؤديها أمريكا باعتبارها قد نصبت قوات جيشها بمثابة شرطي العالم الثالث تردع من تشاء و تضرب متى تشاء دون حساب.
وفي عام 1991 أعُطي الضوء الأخضر سرا لصدام حسين بضرب الكويت، واستطاع بوش الأب حشد أصوات دول التحالف الدولي والحصول على موافقة جميع الدول على ضرب العراق بحجة تحرير الكويت؛ وكأن الكويت ولاية أمريكية يسعون لحمايتها؛ ونشرت أمريكا قواعدها في العراق بعد أن دمرت جيشه ودكّت أسلحته، بعد أن كان آنذاك رابع أقوى جيش في العالم. وفي أكثر من بلد عربي ؛ نشرت أمريكا قواعدها العسكرية، وفيها ما فيها من السلاح والرؤوس النووية والصواريخ والبوارج ما يكفي لتدمير كل البلاد العربية قاطبة.
ثم كان ما كان مانعرفه من تمثيلية مُتقنة انطلت على العالم أجمع؛ أن بعض الإرهابيين المسلمين هم من دمروا برجي التجارة، وخرج على وسائل الإعلام العالمي الرئيس الأمريكي الأبله بوش الابن، ليقول أنها حرب صليبية، واعتذر مستشاروه عن (زلة) لسان رئيسهم الأحمق، وتوالت الضربات المتتاليات تنزل تترى كالصواعق على البلدان العربية واحدة تلو الأخرى، فضرُب العراق ومن بعدها ليبيا والصومال، وساعدتها ربيبتها إسرائيل والتي تُعّد الولاية الحادية والخمسين لأمريكا في مهمتها السامية، وقصفت مسلمي فلسطين ولبنان وسوريا، في ضربات عسكرية لم تنته ولن تنتهي؛ حتى يحققوا حلمهم الأزلي المنقوش بحروف كبيرة عريضة على جدار الكنيست من الفرات إلى النيل..
أما في افغانستان البلد المسلم المنكوب بما سُمي بطالبان، فحدث ولا حرج، عن مقتل الآلاف من المسلمين بيد جنود أمريكا المدججين بالسلاح وحجتهم القضاء على الإرهاب ليصل عدد من قتلوا إلى أكثر مليون أفغاني، ولم لا.. أليست أمريكا شرطي العالم؟ هل ننسى قيام أمريكا في عهد كلينتون بقصف مصنع الشفاء للأدوية بالسودان بحجة تصنيعه للسلاح الكيميائي؟ وقتلت المئات من الأبرياء؟ وهل ننسى استخدام أمريكا لطائراتها المعروفة (الدرونز) وقيامها بعملية ردع عسكرية على مدينة رداع في اليمن مما أدى إلى قتل عدد كبير من المدنيين العُزّل.
في عام 2010 حدث تحول استراتيجي خطير، حين تخلى الجيش عن أسطول الطائرات بدون طيار في افغانستان، وسلمه إلى المخابرات المركزية الأمريكية لتقاتل به وحدها، وتقصف به حركة القاعدة أو كل من تراهم معادين للسياسة الأمريكية، وقد صرّح مدير الاستخبارات المركزية ليون بانيتا: أن برنامج القصف بطائرات دون طيار هو الأسلوب الوحيد أمامنا، و قال قرينه بيتر سينغر مدير دراسات الدفاع في معهد بروكينغز: أننا وصلنا إلى نقطة تحول خطيرة في تاريخ الحرب وربما في تاريخ الإنسانية؛ فعند غزو العراق لم يكن هناك سوى بضع طائرات من هذا النوع، أما اليوم فهناك أكثر من 7000 طائرة من هذا النوع، ويتم تصنيع الآلاف منها، وأضاف: أن خطورة هذه الطائرات المُبرمجة؛ أن هذه الطائرات لا يمكن استخدامها إلا بموافقة الحكومات الضعيفة؛ (الخائنة لأبناء شعبها)، لذا فالقادة العسكريون في أمريكا يضغطون ويرهبون بعض الحكام لإجبارهم علي قبول قواعد لإدارة هذه الطائرات التي تقتل الأبرياء وتنشر الارهاب وتتسبب في القلاقل الداخلية.
وبغض النظر عن قيام ضربة عسكرية أم لا ضد سوريا، فإننا يجب أن ندرك كيف يفكر القادة العسكريون في الدول الكبرى وعلى رأسهم أمريكا، فهم لا يتورعون عن قتل المئات بل الآلاف في سبيل حماية مصالحهم وأمن ربيبتهم إسرائيل بالدرجة الأولى، وجدير بالذكر أن هناك من الطرق والأساليب المختلفة للقضاء على رئيس انتهت مهمته، دون الحاجة إلى شن ضربة عسكرية، ومخطئ من يظن أن أي ضربة عسكرية في منطقتنا هي من أجل شعوبها، فهم لا يهتمون بشعوبنا و لا حتى بشعوبهم، ولا بحقنا في أن نحيا كما يجب أن يحيا كل إنسان على ظهر الأرض، ما يهمهم وما يعنيهم فقط، هو أن يكون رئيس أي دولة في العالم شرقا أو غربا؛ مطيعا خانعا ذليلا لإرادة من يحركون البوارج و يمتلكون القواعد المنتشرة في كل بقاع الأرض، وقد تختلف هذه الطاعة وهذا الخنوع من رئيس دولة لآخر؛ تبعا لمصالح القوى العظمى في العالم.. إذن فالسؤال: من هو الإرهابي حقا؟
الإرهابي هو من يُشعل الفتن والانقسامات والصراعات و النزاعات والحروب الأهلية في البلاد، ثم يشن الحروب والضربات العسكرية على تلك الدول؛ التي عاث فيها فسادا و تقتيلا بحجة القضاء أو الحرب على الإرهاب.. وقد تفتقت أذهان شياطين الأنس التي اخترعت مصطلح الحرب على الإرهاب؛ لنقل هذا المصطلح الرهيب إلى منطقتنا، بمكر ودهاء تعجز عنه شياطين الجن، فعّمقوا مفهوم هذا المصُطلح الرهيب في بلادنا، في كل وسائل الإعلام مطبوعة ومرئية أو مسموعة، ومنحوا الضوء الأخضر لولاة أمورنا لتطبيقه دون حدود، فأصبح لهؤلاء الحق كل الحق؛ أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو يحرّقوا؛ كل من يرون أنه إرهابي، أو من يرون أنه يريد الانشقاق عنهم أو ضد مفهوم التبعية لهم؛ ولما لا ؟ أليسوا هم مبعوثي أمريكا في منطقتنا؛ يحافظون على مصالحها ويحمون حمى إسرائيل ؟ والله من وراء القصد..