لاشك في أن من سمع بالخلاف بالساخن الذي شهده مؤتمر حوار في صنعاء، في اليومين السابقين حول نظام ((الكوتا)) النسائية، وهو لا يعرف اليمن، سيضن نفسه أمام بلد مختلف تماما، بلد شبيهة بتلك البلدان المتقدمة التي تعتمد نظام الكوتا لضمان المشاركة الفاعلة للأقليات في السلطة، أو ببلدان أوروبا الشرقية المهتمة بتحقيق شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، أو تلك البلدان المهتمة بالتوازن الطبيعي والبشري للحفاظ على طبقة الأوزون.
على أي حال فقد كان انشغال القوى السياسي والاجتماعية المشاركة في حوار فندق الموفنبيك في صنعاء، لوقت طويل في نظام الكوتا النسائية، وكأنها أهم مشاكل ذلك البلد الذي يعاني من أزمات سياسية مزمنة، ومن الفساد والتخلف والفقر والاستبداد، وحتى من حالات الرق والعبودية، أمر لا يثير الدهشة فحسب، بل ويبعث على اليأس من إمكانية الوصول إلى أي معالجات حقيقية ممكنة لتلك المشاكل، في ظل تسطيحها على ذلك النحو الذي جرت عليه. من يعتقد أن تحديد نسبة للمرأة في هيئات دولة تديرها مراكز قوى فاسدة ومتخلفة، سيمكنها من الحصول على حقوقها، ومن ممارسة دورها اللائق، في مجتمع مازال يحتكم للعرف القبلي فهو واهم. وأعتقد أن وضع المرأة في كل بقعة من بقاع العالم لا تنقصه الأدلة والأمثلة المقنعة بأنه مرهون بدرجة الوعي الثقافي لمجتمعها، وبطبيعة السلطة السياسية القائمة فيه، وليس بحجم الكوتا.
يخطئ من يضن انه بإمكان المرأة أن تحصل على حقوقها في مجتمع يعاني رجاله قبل نسائه من الاستبداد والظلم وعدم المساواة، ويخطئ من يضن أيضا أن تحديد نسبة معينة للنساء في السلطة التشريعية أو التنفيذية للدولة ستغير ثقافة مجتمع قبلي متخلف ينتقص من ادمية المرأة، وينظر لها على انها مجرد (مكلف) ويبيح للكهول الزواج بمن لا يتجاوز عمرها السنة التاسعة. وبصرف عن ذلك كله، فما الذي من الممكن أن تمنحه هيئات تشريعية وتنفيذية شكلية من تأثير ونفوذ للمرأة، في دولة ليس لأعضاء تلك الهيئات فيها أي دور فاعل في قرارها السياسي، فلو كان التأثير لتلك الهيئات بنوع الجنس لكان مجلس النواب الذي ظل يسيطر على عضويته كم من ملتحي ومشنب قد حل حتى القليل من مشاكل الرجال المظلومين.
لسنا في المكان الذي يدفعنا لتوصيل افكارنا لذلك الحوار، ولا حتى من المعلقين الآمال عليه، ولذلك نقول للمتحاورين فيه: اختلفوا أو سدوا على الكوتا على كيفكم، وأعملوا حتى أفضل كوتا نسائية بالعالم، وصيغوا افضل دستور في الكون، وفي الأخير سينتهي حواركم المراثوني، وستعودون إلى منازلكم وإلى قبائلكم، وسيتبخر مداد حبركم من كل ركام الأوراق التي ستتركونها خلفكم، مثل ما تبخر مداد وثيقة أهداف سبتمبر، واتفاقية الوحدة، ووثيقة العهد والاتفاق، وكل الدساتير والقوانين التي أعدت بأشراف أمهر خبراء العالم، وسيبقى التخلف شامخا وستبقى القبيلة راسخة، وستبقى مراكز السلطة والنفوذ صاحبة القرار الأول والأخير في كل شاردة ووارده في هذه البلد .
الشعوب الحية يا ولي الألباب لا تتقدم بكتابة الوهم على الورق، ولا بتسطيح الواقع وتزيفه، ولا بحوارات شكلية مفروضة، ولا حتى بقرارات حكومية منشورة في الصحف الرسمية، وانما من خلال تحسين واقع الناس المعيشي والثقافي بسياسات وافعال محسوسة وملموسة لنسائها قبل رجالها، وللفقراء منهم قبل الأغنياء. وتلك المهمة لن تسطع القيام بها غير دولة فاعلة وعادلة، وتلك الدولة لا يمكن قيامها في صنعاء في المدى المنظور الا إذا تحققت معجزة من عند الخالق، فالقوى التي تمتلك القوة وتتحكم بالسلطة ترفض بشدة حتى مجرد التفكير في قيام تلك الدولة، والقوى التي تأمل قيامها، والتي تحاول أن تكتب ما يمكنها كتابته في وثائق الحوار، لا تمتلك أدني قوة أو نفوذ تستطيع أن تفرض به أي قدر من تلك الدولة، وسوى كانت بالكوتا او بدونها.