نورية محمد الأصبحي: المبادرة الرئاسية استجابة جادة للمرأة اليمنية لتفعيل شراكة حقيقية في العملية السياسية تشكل النساء في الجمهورية اليمنية ما يزيد عن 50% من إجمالي السكان، يقعن في مختلف المراحل العمرية للهرم السكاني، إلا أن أغلبهن يتركزن في الفئة العمرية «15-64 سنة»، وهي الفئة العمرية النشطة القادرة على الإنتاج وتحمل مسئولية الإعالة للفئات العمرية الأخرى، إلاّ أن النساء اللاتي يقعن ضمن هذه الفئة العمرية ولأسباب عديدة نتطرق لبعض منها لاحقاً لا يتسنى لهن القيام بأدوارهن بسبب الأمية، التي تتفشى بين صفوف الإناث بنسبة تصل إلى 60% في المناطق الريفية، وبسبب وقوعهن تحت ضغط اجتماعي لا يمكنهن من تأدية هذه الأدوار، خاصة في ظل غياب الوعي القانوني بين أوساط هذه الفئة بحقوقهن وواجباتهن التي كفلها دستور الجمهورية اليمنية، وغياب التطبيق العملي لبنود المساواة المنصوص عليها في الدستور. ولعلّ المشاركة في مواقع اتخاذ القرار، من أهم المجالات التي خاضت المرأة اليمنية غمارها منطلقة من حقوقها الدستورية التي توجب ذلك. ومن خلال الاطلاع على تجربة المرأة في كافة المجالات، يمكننا القول بأن المجتمع اليمني مجتمع متطور يعيش في مرحلة من التحولات الاجتماعية.. التي برزت نتائجها في مختلف مناحي الحياة، ونقرأ ذلك من خلال الأعداد الكبيرة للإناث الملتحقات بالتعليم في مختلف مراحله.. بعد أن كان خروج الأنثى من المنزل من المحرمات منذ أربعة أو خمسة عقود من الزمن. إلاّ أن هذا التطور مازال بحاجة إلى مزيد من الجهود، حتى يبلغ مرحلة التساوي بين طرفي الحياة من ذكور وإناث، وبالرغم من حاجة الأحزاب إلى الأعداد النسائية للانخراط فيها والتي دعت في برامجها السياسية إلى دعمها وتأييدها لمشاركة المرأة.. إلاّ أنها على الواقع العملي لم تأت النتائج بما يؤكد تلك المقولات. وللاطلاع عن كثب على رؤية المرأة لما تقوم به النساء في الحياة العامة والحياة السياسية على وجه الخصوص، التقينا بالأستاذة نورية محمد محسن الأصبحي- الباحثة وعضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة إب.. شراكة حتمية وفي بداية اللقاء تحدثت الأستاذة نورية محمد محسن الأصبحي، حول مفهوم الشراكة في البناء التنموي حيث قالت: - إن عملية التنمية عملية متكاملة تهدف للارتقاء بالعنصر البشري، دون تمييز بين فئاته، ذلك أن تخلف مجتمعنا يعزى بلا شك إلى اقتصار مجهوداته التنموية على قوى الرجل مهمشاً دور المرأة متناسياً أدوارها الكبرى عبر التاريخ المشرق، والحقيقة التي تدعو للأسف تتمثل فيما يضمه مجتمعنا العربي من قوى تعمل على تكريس تقسيم العمل على أساس ما يناسب الرجل أو على أساس نوعي، مستندة بذلك إلى معطيات ثقافية غير علمية ،وتفسيرات مغلوطة للدين الإسلامي الحنيف وأحاديث ضعاف، ويتركز جهدهم على معارضة تغيير القوانين التي تستند إلى الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي تكمن الحاجة إلى تعديل الكثير من قوانين الأحوال الشخصية، حتى يمكن تحقيق الأمان للزوجة في العلاقة الزوجية التي مازال للرجل الحق المطلق في إنهائها بالإرادة المنفردة، مما يمثل ذروة احتكار القرار في الأسرة. المشاركة السياسية للمرأة وحول مشاركة النساء في العمل السياسي تقول الأصبحي: - إن المشاركة السياسية عن طريق الانتخابات ليست ملكاً لأحد، خصوصاً في حال وعي المرأة بنفسها ودعم النساء بعضهن البعض وارتفاع نسبة الثقافة والوعي القانوني والحقوقي فيما بينهن.. فالقانون اليمني حفظ للمرأة كافة الحقوق الشرعية ومساواتها مع الرجل في كافة الميادين، بقي فقط تفعيل هذه القوانين، وتعزيز منظومة القيم الاجتماعية، ومن هذا المنطلق اتجهت القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ المشير علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - إلى تفعيل دور المرأة في المشاركة السياسية، وأكد هذا التوجه عملياً في برنامج فخامته للانتخابات الرئاسية 2006م، وإعلان التعديلات والإصلاحات السياسية لتطوير نظام الحكم في اليمن الذي أكد اتباع نظام الكوتا المعمول به في أغلب الدول المتقدمة، وهو عبارة عن تحديد نسبة للنساء، سواء في القوائم الانتخابية أو في الأحزاب والتكتلات السياسية، لتمكين النساء من الوصول إلى المقاعد البرلمانية أو الحكومية أثناء الانتخابات النيابية، وقد قام الاتحاد البرلماني العالمي Inter Parliam ntary Union الذي تأسس في عام 1889م بوضع قواعد لنظام الكوتا النسائية، يضم ذلك الاتحاد أكثر من140 برلماناً وطنياً، وقد قامت حتى أكتوبر 2006م أكثر من 68 دولة بتطبيق نظام الكوتا. ولكل دولة في العالم من تلك التي تأخذ بنظام الكوتا طريقة مختلفة، وعليه فهناك أنواع متعددة من الكوتا ولكل بلد خصوصيته، فمثلاً في الأرجنتين شرع قانون يلزم قوائم المرشحين بأن تحتوي على نسبة 30 في المائة من النساء، وأي قوائم لا تحتوي على هذه النسبة من النساء تعتبر غير قانونية.. وفي بلجيكا - التي شرعت نظام الكوتا في عام 1994م - يلزم أن يكون واحد من كل أربعة مرشحين للمقاعد الانتخابية امرأة، ثم عدل بعد عامين لتكون امرأة لكل ثلاثة مرشحين، وإذا لم تكن هناك امرأة لملء هذا المقعد يبقى شاغراً.. وكذلك عدل قانون نظام الكوتا في فرنسا ليعطي فرصاً متساوية للمرأة والرجل في الوصول إلى المقاعد البرلمانية. المبادرة الرئاسية وفيما يتعلق بالمبادرة الرئاسية الرامية لتخصيص 15% من المقاعد البرلمانية للنساء.. تقول الباحثة نورية الأصبحي: - لقد جاءت مبادرة فخامة الأخ المشير علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - الرامية لتخصيص 15% للمرأة من المقاعد البرلمانية للنساء، استجابة لتنفيذ مصفوفة برنامج فخامة رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية 2006م، والتي تم في ضوئها برنامج الحكومة، وذلك إيماناً بالدور الذي تقوم به المرأة في المجتمع اليمني، وأيضاً نتيجة لكفاحها المستمر. نضال طويل خاضته المرأة لإيجاد موقع لائق بها، ومطالبة النساء بحقوقهن ومساواتهن الشرعية في الحقوق والواجبات من أجل ضمان المواطنة الكاملة للمرأة والمطالبة بجعل الشروط الكفيلة لتحقيق دورها وتعميق مساهمتها في الحياة السياسية والوطنية والتنمية، وتطبيقاً للعديد من النظريات التي تتبنى الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في أشكالها المختلفة، وهذا القرار يفسر تلك الرؤى والنظريات والقوانين الداعمة للمساواة والعدالة. كما إن المبادرة ترجمة واضحة للتوجهات الجادة للمؤتمر الشعبي العام في إبراز الدور التاريخي والحضاري للمرأة عبر مسيرة التاريخ اليمني القديم والإسلامي، ممثلة بالدور الذي لعبته المرأة كملكة وفي العصر الحديث المعاصر، وذلك بهدف شراكة حقيقية للمرأة، وهي كذلك استجابة جادة تعبر عن التفاعل الإيجابي مع الاتجاهات والتطورات والتغيرات السياسية العالمية، وتنفيذاً للاتفاقيات المبرمة بين بلادنا والمنظمات الدولية واتفاقيات الأمم المتحدة واليونسكو من أجل النهوض بأوضاع المرأة في النمو والتنمية المستدامة في المجتمع اليمني الذي بلا شك تأثر بهذه التوجهات والتطورات العالمية، التي تفرض توفير المزيد من الموارد البشرية النسائية المدربة والمؤهلة للتصدي لجميع التحديات، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال إشراك المرأة في خطط وعمليات التنمية وتحسين وسائل الحياة، وتأسيس بنية أفضل للنمو بشتى جوانب الحياة، والاستفادة من الثورة البشرية الإنسانية النسائية. الارتقاء بالدور النسوي وعن السبل الكفيلة بترجمة الرغبة في تعزيز المشاركة السياسية للمرأة تقول الأصبحي: - لا بد من تفعيل وتعزيز مساهمة المرأة في المجال السياسي والذي يندرج ضمن مسؤوليات الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية وجمعيات المجتمع المدني، وكافة القوى الوطنية المؤمنة بضرورة الارتقاء بأدوار ووظائف المرأة، وهو ما يعني توسيع التنمية الإنسانية واستثمار رأس المال الإنساني والتمكين لحقوق الإنسانية في الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع والشعور باحترام الذات وتلبية حاجات سوق العمل في كافة المجالات التنموية، وللوصول إلى الغايات لابد من خلق توعية اجتماعية وقانونية لمشاركة المرأة، ولن يتم إلاّ من خلال تحديد نسبة لمشاركة المرأة والقيام بدورها السياسي والاجتماعي في المجتمع، وإن كانت نسبة 15% تعد في الوقت الراهن كافية، وبداية مناسبة في ظل الأوضاع الاجتماعية والتقاليد والأعراف العربية والمحلية حتى تترسخ توعية تتلاءم وتستقيم مع تعاليم الدين القويم، يقول الله تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر»، بمعنى لا فرق ولا فضل لأحد على أحد، فالدور واحد والمهمة واحدة، والتكليف واحد، وكذلك الثواب والعقاب. ومما لا شك فيه أن المرأة قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك تفوقها وتميزها في كثير من المواطن على الرجل في التعليم والإدارة والإنتاج، وإدارة الأسرة كنواة للمجتمع وتدبير شئون المنزل وتربية الأولاد. وتؤكد العديد من الدراسات أن من بين مؤشرات تقدم المجتمع مساهمتها في النشاط الاجتماعي والاقتصادي. موقف الأحزاب عدمي وفيما يتعلق بواقع المرأة في ظل الرؤية الحزبية تقول الباحثة نورية الأصبحي: - على الرغم من كثرة النصوص القانونية سواء منها الدستورية أو المحددة في لوائح وأنظمة الأحزاب السياسية لأحقية المرأة ومساواتها بالرجل، إلاّ أنه وعلى المستوى الفعلي والتطبيقي نجدها كثيراً ما تعيق دورها، فلم تقدم المرأة في إطارها إلا للمزايدات، وعند الحرج والحاجة، وفي مواطن تقدم للخطوط الدفاعية لا أكثر، وها هي الساحة خير دليل على ذلك، وستظل الديمقراطية تعمل على تهميشها، وهناك تراجع كبير لقضايا المرأة في البرامج الانتخابية للأحزاب. وبعض الأحزاب ترفض إشراك المرأة في السياسة. حان وقت العمل وفيما يخص الخطوات المطلوبة لترجمة مبادرة فخامة الأخ المشير علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية بتخصيص 15% للمرأة من المقاعد البرلمانية تقدم الأستاذة نورية الأصبحي مقترحات عدة فتقول: - ينبغي أن تتم ترجمة المبادرة الرئاسية بشكل فعال من خلال العديد من الخطوات والتي أذكر منها على سبيل المثال: 1 تقوية المشاركة والحوار الاجتماعي وتخصيص ميزانية للإعلام التربوي للعمل على التثقيف والتدريب وتغيير السلوكيات. 2 تفعيل وإشراك المرأة في مواطن صنع القرار واستراتيجيات، وآليات مقترحة من شأنها تجسيد العدالة. 3 إشراك المرأة في عمليات التنمية من خلال إشراكها في كل مراحل التخطيط والتوجيه والتنفيذ. 4 رفع نسبة المساهمة في العمل على مستوى الحكم المحلي لزيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، فمحافظة إب على سبيل المثال يوجد فيها عضوة مكتب تنفيذي واحدة للمحافظة. 5 الاهتمام بإزالة التناقض في التشريعات والقوانين الداعية للمساواة والمشاركة النسائية، وواقع تنفيذها وتلك التي تحد من حقوق المرأة. وتعزيز دور المرأة في السلطة وموقع صنع القرار. 6 توفير مناخ العمل المناسب لطبيعة المرأة واحتساب العمل الإنتاجي التنموي للمرأة في المنزل بحيث لا يؤثر في وضعها الوظيفي من خلال تطوير نظام الإجازات والترقيات وإجازات الأمومة وإنشاء الحضانات. 7 الاستفادة من المؤسسات المانحة في تبني وتنفيذ استراتيجية شاملة للنهوض بدور المرأة. 8 إيجاد فرص عمل متكافئة للنساء والرجال لتأمين الوظيفة والدخل المناسب والفرص المتكافئة في الحقوق والواجبات. 9 تنمية وإدراك وتشجيع المبادئ الأساسية وحقوق العمل، والعمل على تأمين الحياة الاجتماعية للأفراد.