كل يوم احد تجري في ساحة هايد بارك للخطابة الحرة بدون قيود ... وعلى بعد 300 متر من قصر بكنجاهم وميلين من البرلمان البريطاني .. قل ما شئت بدون حسيب او رقيب . ويوم الأحد قابلت واحد وذكرني بيحيى عمر وأغنيته الشهيرة يوم الأحد قابلت واحد تلك الأغنية الشجية والمرهفة بالإحساس وعكس ذلك في هذا الأحد رأيت شخص لا اعرفه تجاوز الثمانينات معتلياً احد منصات الخطابة. وتجمع حوله المئات بل آلاف البشر وأسرعت الخطى لانضم لهذا الحشد ظناً مني لسماع مايطرب النفس أو يخاطب العقل . ولكني فوجئت بان ذلك العجوز كان يدمدم بصوت عالي تارة وخافت تارة أخرى وكان يرتعش الماً وحسره وسألت احد الحاضرين من هذا .. وما هي اللغة او الكلمة التي يرددها صعوبة بالغة .. وقال لي هذا البروفيسور بونجو مانجا وهو فيلسوف ومحاضر في أشهر الجامعات اكسفورد وهارفارد وغيرها .. ومتخصص في علم اللغات واما ما يردده فهي كلمة طننت .. طننت لا اعرف معناها ولا شك ان لها معنى لديه . قلت له زدني معلوم عن هذا البروفيسور علنا نتوقف في حل هذا اللغز وننقذه من تشنجاته وحسراته وآلامه .. وقال لي باختصار هذا عالم قدير ومحاضر في أشهر الجامعات وميسور الحال وقرر قبل ستة اشهر ان يترك بريطانيا وعاد الى موطنه افريقيا حيث جرى تغيير النظام الفاسد القديم . وبشروا بنظام جديد يحقق الحق ويدحض الباطل وفوجئنا قبل ايام بعودته شاحب اللون ونحيل الجسم قليل الكلام وسارح الذهن ومنذ عودته لم تفارقه هذه الكلمة طننت .. طننت .. طننت وبحثنا في كل قواميس اللغات فلم نجد لها اثراً ولا معنى ... قلت له وفعلاً يا صاحبي فاللغة العربية لا تحوي على هذه الكلمة بالمطلق .. لا يوجد لدينا طننت لامن قريب ولا من بعيد . وبعد برهة من الزمن اختفى صاحبي وتقدمت الوفود مردداً طننت .. طننت .. وكان يأشر الي بيديه المرتعشتان وكأنه يستنجد بي ويلمح بعينيه وشفتيه .... أنت عربي ... أنقذني ... انقذني .. فاستجمعت كل قواي الذهنية وصرخت . بأعلى صوتي منادياً له : ياشيخنا الجليل ردد معي (ظننت "بالظاء" ظناً خاب ظني ، ظننت شيخاً فاتى مغني ) وانتفض ذلك الشيخ وانتصب على المنصة وتدفقت الدماء في أنسجته وانتفخت وجنتاه وعادت له تلك الوقفة الشامخة وقالت أطلقت لساني وانقذنتي من محنتي بصوته : ظننت ظناً خاب طني ظننت شيخاً فاتى مغني . وانسحبت بهدوء من هاير بارك وطل ذلك الصوت يرن في مسامعي وعلى عدة كيلو مترات ... هكذا يوم الاحد قابلت واحد . سلام الله عليكم ولنا لقاء في كلمة ساخرة قريباً واتمنى ان تكون الرسالة قد وصلت. *مقال خاص بصحيفة عدن الغد