شنّ الدكتور عباس السوسوة– عميد كلية الآداب جامعة تعز- هجوماً شرساً على بعض كبار الدعاة والخطباء، مشبها إياهم ب"الملاحدة والمستشرقين" لإساءتهم للغة العربية الفصحى، كما هاجم الشركة العربية للإنتاج الإعلامي بالرياض، واتهم الزعيم جمال عبد الناصر بالازدواجية في الشخصية، ساخراً في الوقت نفسه من "خليفته الذي تجاوز في حكمه أربعين"، وقال "لم نعد ندري هل يتحدث فصحى أم يتحدث عامية"! وحذر الدكتور السوسوة من خطورة ما اسماه بالانفصام الذي يعاني منه الدعاة حيال موقفهم من اللغة العربية الفصحى، كونهم يضمرون شيئا ويقولون شيئا آخر.. وأضاف السوسوة- في سياق محاضرة ألقاها صباح اليوم على قاعة منتدى السعيد الثقافي بتعز، تحت عنوان (الفصام بين الدعوة إلى العامية واستعمال العامية): إن الحل للخروج من أزمة الإفراط في استعمال اللغة العامية الأمية التي انتشرت على حساب اللغة الفصحى هو في اتخاذ إسرائيل قدوة في كيفية محافظتها على لغتها العبرية، وبعثها من العدم، حتى صارت اليوم لغة حية يتحدث بها الأمريكي والحبشي والأوغندي والبولندى، "في حين زعماؤنا إن حضروا القمم العربية لم يلتزموا بلغتهم الأصلية ناهيك عن توصياتها". وشدد السوسوة على خطورة ظاهرة تفسير القران الكريم والحديث الشريف باللهجة العامية, وقال: إن اللغة العربية الفصحى هي اللغة المعبرة التي تلتزم إلى حد ما للدلالة على المعاني، والتي لم يكن علماؤنا في التراث يعرفون غيرها حتى وان كانوا غير عرباً، مثل علماء عظام من أصول فارسية وهندية وروسية. وقال: إن الدعوات إلى استعمال العامية محل الفصحى التي جاء بها مستشرقين أوروبيين وعرب مثل سلامة موسى، وسعيد عقل, ولويس عوض، وغيرهم أواخر القرن التاسع عشر كانت حججهم إن العربية ليست لغة طبيعية، وان هناك انفصال بين التفكير وبين ما يقال, واصفا تلك الحجج بأنها واهية على اعتبار إن كل لغات العالم التي نعرفها بها الفصيح والعامي، ولكننا لم نسمع أنهم جعلوا لغة الشارع هي لغة الأدب الرفيع أو الكتابة. وأبدى المحاضر دهشته من أن يكون زعيم القومية الأول عبد الناصر وشعاراته المعروفة (أحرار يا عرب أحرار)، (ومن المحيط الهادر إلى الخليج الثائر)، هو أول زعيم قومي يعاني من ازدواج في شخصيته، فساعة كان يخطب بالعامية وساعة بالفصحى، حتى استسهل الأمر من بعده، وجاء خليفته الذي تجاوز في حكمه أربعين، فلم نعد ندري هل يتحدث فصحى أم يتحدث عامية, وتساءل: إذا كان هذا حال الزعماء الذين ترثى لحالهم في مستوى اللغة المستعملة فكيف سيكون حال الرعية!؟ وقال: الغريب إن الذين دعوا إلى استعمال العامية دعوا إليها باللغة العربية الفصحى في كتبهم، حيث نجد مثلا سلامة موسى وسعيد عقل لم يكتبا بالعامية, فيما نجد من يهاجمهم لا يشعر بخطورة ذلك أبدا، ولهذا يعاني هؤلاء من الانفصام الذي يعرف ب"الشخصية ذات الوجوه المتعددة" وعوارضه الانطواء على النفس. وحمل المحاضر الشركة العربية للإنتاج الإعلامي بالرياض مسئولية مسخ الأفلام العلمية، وضرب مثلا بالدكتور مصطفي محمود (مصري الجنسية) وهو كاتب صحفي تنقل من الشيوعية إلى الاشتراكية إلى الدين، وكان لديه باب في مجلة صباح الخير المصرية تصل إليه الرسائل العاطفية من كل مكان، وكان يرد عليها بقلم رشيق. وتابع يقول: أوكلت هذه الشركة للدكتور/ مصطفي محمود التعليق على الأفلام العلمية بالعامية الأمية فحدث جراء ذلك مسخ للعلم مسخا نهائيا ونتج عن ذلك حلقة سميت حلقة (العلم والأيمان) التي صدرت بمقدمة هادئة وعليها اسم الدكتور المذكور على انه المعد والمقدم فيما هي (سرقة عيني عينك) لأنها حلقات علمية كانت جاهزة باللغة العربية الفصحى تم نسخها وإخفاء صوت المقدم العربي الفصيح وجيء بمصطفي محمود جالسا على كرسي مدعيا التواضع، واضعا الإبهام والسبابة ويتكلم بالعامية الأمية أي (لغة الشارع) وأحيانا بالعامية المتنورة إذا أخطا. وعدد المحاضر أمثلة على استهانة الدعاة باللغة العربية الفصحى واستعمالهم اللغة اللهجة العامية الأمية من ذلك نقله من قنوات فضائية عديدة فهذا مصطفي محمود في برنامج العلم والأيمان يقول (بص، بص السلحية بتمشي، شوف حكمة ربنا) (ياسلام القرود بتنط، اهو شوف القرد حايرميه، يا سلام ما شاء الله) ثم يختم الحلقة بآية أو آيتين على اعتبار أن الحسنات يذهبن السيئات, وهنا المتفرج المدقق لا يخرج لا بعلم ولا بأيمان. وانتقل المحاضر في سياق محاضرته إلى ضرب أمثلة أخرى بعدد من الدعاة القدامي والمعاصرين مثل الشيخ عبد الحميد كشك الذي قال انه كان له نوعين من الخطب منها الفصيح في خطب الجمعة ونوع آخر الدروس التي يتنقل بها بين عامية وأخرى، فهو لم يكن يشعر انه بذلك يضر لغة القرآن وهذا هو الفصام بعينه, وهناك الشيخ محمد متولي الشعراوي منذ عام 78 وحتى وفاته فهو يكون في قمة الفصاحة ثم ينحدر إلى أدنى مستوى من العامية, فالشعراوي بهذه الطريقة يحقق بذلك أمنية لويس عوض الذي كان يتمنى أن تأتي مرحلة يكون القران فيها يترجم إلى العامية فنجد قرانا مصريا وقرانا شاميا. وقال: انه لمن المدهش أن تسمع دعوة إلى برنامج يبين قواعد الفصحى ويحذر من الأخطاء في قراءة كتاب الله بالعامية مثل ذلك البرنامج الذي قدمته قناة المجد الفضائية بواسطة شيخ شاب معمم يتحدث بالعامية ويقول (عايز تعرف مواقع كلام ربنا كويس.. عايز ما تغلطش في قراءة الذكر الحكيم وتقول إن الله بريء من المشركين ورسوله إذا انتظر الحلقات الجديدة) ونقل المحاضر من إحدى القنوات الفضائية كلاما وصفه بالكلام الخطير جاء لسان الداعية الإسلامي المصري عمرو خالد كلاما خطيرا يعبر به عن قصص القران الكريم بهذا المستوى من العامية حين قال لضيوفه في البرنامج (عارفين أبونا ادم لما جه يتجوز أمنا حواء دفع لها مهر أد ئيه)؟ (لقد كان مهر أمنا حواء يحفظها عشر سور من القران الكريم)، وتساءل المحاضر هل كان المهر والشرط معروفا, والدنيا فيها اثنين فقط؟ معتبرا إن ما هو اخطر أن يقول انه قام بتحفيظها عشر سور من القران لان معنى ذلك معناه انطباق هذا الكلام مع كلام "الملاحدة" الذين كانوا أيام النبي (صلى الله عليه وسلم) يكذبونه ويقولون (إن الرسول وجده جالس بالقرب منه بدليل تحفيظ حواء القران). وأشار إلى انفصام آخر يحدث عند الشيعة في هذا الأمر، وقال: فهذا أحد المشائخ في قناة الأنوار يتحدث عن آداب الزيارة (لعله واجب عليكم.. بداية فصيحة ثم ينقلب فجأة أبوكم جا لزيارتكم أمكم جت لزيارتكم, اللي ديله إحساس مرهف ما يشعر بالألم ما عندهم هذا الاعتذار يمثل نوع من الأدب ومن الجبر القصري. هذه القضية لعلها نقلتها لكم قديما الوالد يقول: يجول من أين جاك العلوم اللدنية جال أنا كنت في مدرسة بموازة الإمام الرضا عليه السلام شفت هذا الكلام ما يقدر لأنه عنده درس علوم شرعيه انتو ليلة واحدة ما تجربون هذا العمل تجدرون).. ((ننوه حرف الجيم في هذا الكلام يقابله حرف القاف)) واستطرد المحاضر: فيما سعد بن مسفر القحطاني في قناة المجد يتحدث عن قوله تعالى "ومن نعمره ننكسه في الخلق" ويقول: (ثوبك اللي تفصله يظل معاك لحين تموت في الأربعين يتوقف النمو العقلي لا يزيد ولا ينجص اللي ما في معه عجل في الأربعين ما يعجل في التسين يعني جطع تذكرة إلى جهنم إبليس جبله في جبهته أنت رفيجه خلك وإياه لهذا كل الانبيا ما بعثوا إلا بعد الأربعين). وفي قناة الرسالة قال احدهم في تفسير قوله تعالي الطيبون للطيبات (تلت حاجات اللي بحزر اختى المؤمنة منها أول حاجة أوعي ترفعي صوتك، يجي الزوج مرهق من العمل ومشاكله وضغوطه بدل ما تابله بابتسامة تئعد تصوت وتصرخ فأول زوجته ما تؤل له كلمة يديها 45 طلئة , تاني حاجة أوعي تطلعي المشكلة خارج غرفت النوم.., والتالتة أوعي تسيبي بيتك ..) واختتم المحاضر بالتحذير، مؤكداً انه: أن أمام هذا الاستعمالات للعامية ألامية في تفسير القران الكريم والحديث الشريف لسنوات طويلة يظن انه لا يصلح التفسير إلا باستعمال هذا المستوى من العامية. هذا وقد شهدت المحاضرة نقاشا ساخناً حول استعمال اللغة العربية في الفصحى في الكلام والكتابة والأدب واللهجة العامية، وإشكالية تحقق ذلك نظرا لانتشار الأمية في أوساط الناس، مستشهدين بان الشيخ الشعراوي وعمرو خالد امتلكوا أسلوبا جذابا في توصيل أفكارهم إلى الجمهور, فيما أشار بعضهم إلى أهمية توفر حلول لمشكلة تفشي اللهجة العامية بدلا عن الفصحى وبغير ذلك فان لا مبرر لوجود حساسية من استخدام العامية في الحديث طالما كان الهدف توصيل الفكرة بشكل مبسط وسهل، مستدلين على ذلك بلغات أوربية عديدة تنقسم إلى الفصيح والعامي. حضر المحاضرة فيصل سعيد فارع مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز، وعدد من المثقفين والأكاديميين.