نهاية الحوثيين : 4 محافظات تُعلن تمردها بكمائن قبلية ومواجهات طاحنة !    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    "علي خلاف": يمني من حيس يكتب بدمائه قصة تضحية في العراق ويشيع جثمانه في مسقط رأسه    2. "محمد صادق السناوي: بطل من تعز يُسقط 20 حوثياً ويستشهد في معركة شجاعة!"    الحوثيون يغرقون في وحل الانتهاكات: 1941 شكوى خلال 3 أشهر وصنعاء تتصدر القائمة!    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    ياسين بونو يحرج مذيع ssc بعد تتويج الهلال .. فيديو    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    المحرّمي يشيد بدور الأجهزة الأمنية في تعزيز الأمن والاستقرار في الصبيحة والحد    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    اختتام دورة مدربي لعبة الجودو للمستوى الاول بعدن    بالصور: مانشستر سيتي ينقض على صدارة البريميرليج من بوابة فولهام    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    في لعبة كرة اليد نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    الحوثيون يطيحون بعدد من كوادر جامعة الضالع بعد مطالبتهم بصرف المرتبات    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    د. صدام: المجلس الانتقالي ساهم في تعزيز مكانة الجنوب على الساحة الدولية    سياسي جنوبي: أنهم ضد الاستقلال وليس ضد الانتقالي    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    البدر يلتقي الأمير فيصل بن الحسين وشقيق سلطان بروناي    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    وثيقة" مجلس القضاء الاعلى يرفع الحصانة عن القاضي قطران بعد 40 يوما من اعتقاله.. فإلى ماذا استند معتقليه..؟    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب المثير «قَدّ اليمنية» للدكتور السوسوة
تشريح وتتبع تاريخي للظواهر الملفتة في لهجات اليمنيين
نشر في الجمهورية يوم 18 - 01 - 2013

نحن في هذا العصر أمام واقع لغوي مغاير, بفعل مؤثرات متنوعة (مثل انتشار التعليم وتعدد قنوات الاتصال من صحيفة ومذياع وتلفاز وانترنت...إلخ), فهذه المؤثرات نقلت الواقع اللغوي إلى مستوى التفاعل والتعايش بين مستويات لغوية متعددة, فهناك الفصحى التراثية التي يستعملها المشاهير من قراء كتاب الله, وهناك الفصحى المعاصرة التي نسمعها في الخطاب الصحفي والإعلامي وفي لغة العلم الحديث ولغة الخطابة, وإلى جانبها تأتي عاميات متعددة من مثل عامية النخبة وعامية المتنورين وعامية الأميين (1).
ولاشك أن هذا الواقع اللغوي المتعدد كان سببًا في أن ينشأ درس لساني معاصر يشرِّح عربية اليوم ويبحث في طبيعة حملها للفكر ووظيفتها العضوية في الحياة, وهذا الدرس تراوح اهتمامه بين قراءة واقع الفصحى المعاصرة لمعرفة مدى ارتباطها أو تمردها على فصحى التراث, وبين الوقوف أمام اللهجات المحلية لوصف بنياتها اللغوية وتفسير ظواهرها ومراقبة حركتها في الواقع, ومعرفة ما إذا كان لهذه الظواهر من طابع فصيح, ويمكن القول: إن هذا الاهتمام بالمحكيات درس مشوق ومثير؛ لأنه يتناول بالتحليل ما يمكن أن نسميه “طبائعنا اللغوية” التي يخضع لها خطابنا اليومي بدون وعي منا, وإن كنا في المواقف الرسمية نحاذر من النطق بها وقد نقع.
في هذا المجال البحثي نجد الأستاذ الدكتور عباس علي السوسوة – أستاذ علم اللغة الحديث بجامعتي تعز والملك سعود – متصدرًا بكثير من الأبحاث والدراسات النوعية التي تراوحت بين المناهج اللغوية: التاريخي والوصفي والتقابلي, فقد بدأ هذا الجهد بنشر كتابه المعروف “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية” عن دار غريب بالقاهرة عام 2003م (2), ومع توالي أبحاثه التي عنيت بدراسة العربية المعاصرة تاريخيًا, نجد له دراسات متنوعة ركزت على ظواهر لغوية في المحكية اليمنية, سواء في الألفاظ أو الأبنية أو التراكيب أو الدلالات, وهذه الدراسات بعضها لا يزال موزعًا في الدوريات والمجلات المحكّمة, وبعضها يجمعها كتابه (دراسات في المحكية اليمنية) المنشور عن وزارة الثقافة اليمنية, ضمن فعاليات “صنعاء عاصمة الثقافة العربية, 2004م”.
وبمجيء عام 2012م خرج الدكتور السوسوة على القراء والباحثين بكتاب جديد يتناول قضايا لغوية في المحكيات اليمنية, بأفق أوسع ومادة وأوفر, فالسوسوة في هذه المرة يقدم لقرائه أبحاثًا متنوعة الاهتمام, تحيط بالبنية اللغوية للمحكية اليمنية, إذ تشمل المعجم والنحو والصرف, وقد اختار لها عنوانًا يجمعها, هو (قد اليمنية .. أبحاث في الأبنية والنحو والاقتراض المعجمي).
الكتاب المنشور عن مركز عبادي للدراسات والنشر – صنعاء, جاء في 209 صفحات من القطع المتوسط, يتناول موضوعات لغوية في ستة أقسام تجيب عن كثير من الأسئلة التي يثيرها استعمال بعض المناطق اليمنية للغة, مثل تلك المناطق التي تحرص على استعمال لفظ (عاد) فعلاً مساعدًا للفعل في الجملة, ومثل تلك المناطق التي تأتي بالواحد على وزن فُعَّالي (وُزَّافي) وفُعلِي (بقري) أو الجمع على وزن فَعِّيل (بَصِّيل, شَتِّيف), وغيرها من الظواهر التي تناولها المؤلف تناولاً ممنهجًا يعد حصيلة سنين من الرصد والمتابعة والتسجيل والقراءة.
حكاية (قدّ اليمنية)
قبل أن نخوض في مضامين الكتاب يستوقفنا عنوانه المثير (قد اليمنية) الذي يقوم على أسلوب التورية, إذ قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن كلمة (قد) المضافة إلى كلمة (اليمنية) هي واحد القدود أي (الخصر والخصور) وهذا قد يعني للقارئ العادي أنه كتاب غزلي يهيم بجماليات قوام المرأة اليمنية وأسرار فتنتها, أو أنه عنوان لرواية رمزية, ولكن ليس هذا ولا ذاك, فالكتاب ذو مضمون لساني متخصص يشرح بعضًا من الاستعمالات اللغوية عند اليمنيين, ومنها استعمالهم حرف (قد) استعمالاً خاصًا ليس له وجود في القرآن الكريم ولا في الحديث الشريف ولا في الشعر العربي المعرب في كل عصوره, وهذا يعني أن حرف (قد) لدى اليمنيين شيء آخر تستحق أن نسميها (قد اليمنية) تمييزًا لها عن (قد الفصحى), وفي الكتاب حديث مفصل عن هذا الموضوع في مبحث كامل, ولأن المؤلف الدكتور السوسوة رجل علم وظرف وفكاهة فقد اختار عنوان هذا المبحث (قد اليمينة) ليكون عنوانًا للكتاب, موريًا به لمعنيين, أحدهما معنى قريب غير مقصود وهو قدّ المرأة أي خصرها, والآخر معنى بعيد مقصود وهو حرف (قد) واستعماله الخاص في اللهجات اليمنية.
الحُرَّابي والمَغِّيل والعُرِّي والتصبون
في القسم الأول من الكتاب وقف المؤلف أمام أبنية الجموع والمصادر في اللهجات اليمنية, وكان مدار الحديث في البداية عن إلحاق الياء بالاسم ليدل على الواحد, في عدة حالات, أولها: أن يستعمل هذا البناء ولكن يظل اسم الجنس سالمًا من التغيير الحركي أو الصامتي, وتكون الياء النهائية وحدة صرفية تدل على الوحدة, مثل حبحب: حبحبي (البطيخ وبطيخة), وثانيها: أن تتغير حركتا اسم الجنس فيه فقط وتسلم فيه الصوامت من أية إضافة أو تغيير مثل كَسَب: جنس الضأن وجنس الماعز معًا, واحده كُسبي, وثالثها أن تتغير فيه الحركات في اسم الجنس, ويشدد (يضعّف) الصامت الثاني ويتلوه فتحة طويلة (= ألف مد) مثل غراب: غُرّابي, بصل: بُصّالي.
ثم انتقل المؤلف إلى رصد الألفاظ التي تجيء في اللهجات اليمنية على بناء (فُعَّالي) و(فُعْلِي) و(فَعِّيل) وهو حديث مفصل نوجزه في التالي:
- (فعالي) مثل حُرَّابي: الزنبور اللاسع, ويقال أيضًا: حُرَّبي وحِرَّبي, ويجمع على حرِّيب وحرِّب, ويكون كناية عن المخبر الذي ينقل أخبار الناس إلى المباحث أو الأمن السياسي, وفي تعبيرهم الاصطلاحي (بيت حرّيب): مجمع الأشرار.
- (فُعْلي) مثل تُبْعِي: ذكر صغير البقر, والأصل تَبِيع, ويستعمل “تُبْعي” و”تُنبعي” للتشبيه بهذا الحيوان في التصرفات الهوجاء, ويجمع على (تِبعان) بضم التاء أو كسرها.
ونبه المؤلف إلى أنه قد تجيء الكلمة على (فُعْلي), لكن لا يقصد بها الدلالة على الواحد, ومن ذلك (خظعي): للأبله, ومثله (صُعبي): للحمار الصغير, و(عُسني) للهر في بعض المناطق مثل منطقة يافع, و(عُرِّي) للهر الضخم, وربما لا تجمع هذه الكلمات باستثناء خظعي التي جمعها خظعان.
- (فَعِّيل) هذه الصيغة رأى المؤلف - من خلال استنطاق الرواة الذين أخذ منهم استعمالات الظواهر المدروسة - أنها تدل على جمع القلة إذا لم يكن واحدها على وزن (فُعَّالي) مثل: مَغِّيل جمع مغل, واحد الأمعاء, ويرادفه أمغال.
كما تحدث السوسوة عن شيوع استعمال وزن (فَعِّيل) صيغة جمع من جموع التكسير في اللهجات اليمنية, وهذا البناء من تأثير لغات اليمن القديمة, مثل عَطِيف: عِطْوَف, شَرِيم: شِرْوَم, كما تفيد بذلك النقوش, ثم انتقل إلى الحديث عن استعمال اللهجات اليمينة وزن (تَفْعُول) مصدرًا وهو ليس من أوزان المصدر في العربية الفصحى, ومن أمثلته: (تَصْبُون) أي تصبين من الفعل صبن, مشتق من الجامد (الصابون), والمعنى غسل الثياب خاصة بالصابون, ويخرج إلى معنى التعذيب والمعاناة, فصبنه تصبونًا: جعله يعاني من المعاملة السيئة, ويروح ويغدو ويدور في حلقة مفرغة.
احنا ونحنا وهو وهي واللي
وفي القسم الثاني تناول المؤلف الضمائر الشخصية وضمائر الموصول في اللهجات اليمنية, فمن حيث الضمائر الشخصية وجد المؤلف أن اللهجات اليمنية تشترك مع الفصحى في هذه الضمائر بشكل عام وتخالفها في الجزئيات, ثم بسط القول في هذه الاختلافات, ومنها استعمال اليمنيين (احنا) و(نِحْنا) مكان الضمير الفصيح (نَحنُ), مثل قولهم (احنا نشتيك تقع رجّال) أي نريدك أن تكون رجلاً, وقد كشف المؤلف من خلال التتبع التاريخي أن استعمال (احنا) موجود في عصور قديمة, كما هو موثق في كتاب المستطرف للأبشيهي المتوفى في القرن التاسع الهجري, ووجد أيضًا شواهد من هذا الاستعمال ترجع إلى القرن 11 و12و13ه ثم تواتر استعمالها في القرن 14ه في الشعر والزوامل الحربية حتى أصبحت ظاهرة شائعة.
أما (نِحنَا) التي تستعمله اليوم بعض اللهجات اليمنية فقد كشف المؤلف من خلال التتبع في بطون الكتب ولغة التأليف أن أقدم استعمال لها موجود عند ابن الرومي (ت283ه) كما وجدها مستعملة في القرنين السابع والتاسع والثاني عشر الهجري, غير أنه من الملاحظ أن هذا الضمير (احنا/ نحنا) قلما يستعمل في الشعر الذاتي (الوجداني).
وتستعمل اللهجات اليمنية ضمير الغائب المذكر (هُو) استعمالاً مختلفًا عما هو في الفصحى, ففي الفصحى لا يقع هذا الضمير مسكنًا في البداية ولا في وسط الجملة, في حين يرد ذلك في اللهجات اليمنية, مثل قولهم (رماه وهُوْ جالس), (هوْ راقد), وتتبع المؤلف لهذا الاستعمال في التاريخ العربي فوجد حديث بعض علماء العربية عن أنها ظاهرة سائدة عند بعض القبائل التي يحتج بلغتها مثل أسد وتميم وقيس, ولم يجد المؤلف هذا الاستعمال في دواوين الشعراء, وإنما وجده في الكتابات التي لغتها خليط من الفصحى والعامية بدءًا من القرن السادس كما هو موجود في نص للأمير أسامة بن منقذ (ت 584ه) في كتابله الاعتبار.
أما ضمير المؤنث (هي) فهو في الفصحى هاء تليها كسرة قصيرة ثم ياء تليها فتحة قصيرة ولكنه في المحكية اليمنية مقطع واحد مكون من الهاء تليها كسرة طويلة (= ياء مد), ومثل ذلك كان لغة أسد وقيس.
ومن حيث ضمائر الموصول رأى المؤلف أن المحكية اليمنية ليس فيها ضمير واحد هو السائد, بل يستعمل فيها: “الذي” مع الكل, ومن وما, وذي. وليس فيها اللتان واللذان واللواتي واللائي. بل إن لهجة محددة – كلهجة ذمار مثلاً – تستعمل: ذي والذي وأذي ومن, وليس فيها (اللي), فما يتعلق باستعمال (الذي) للكل في اللهجات اليمنية يأتي قولهم للمؤنث المفرد: لقي المَرَة الذي سرقت البَلَس, وللمذكر الجمع: ينقي المدرسين الذي يدرّسوا بكفاءة, وللمؤنث الجمع: عِمِل اختبار للطالبات الذي في الفصل.
وكان للمؤلف أن تتبع استعمال ضمائر الموصول في المدونات العربية فوجد أن استعمال (الذي) للكل موجود عند أحد الشعراء الجاهليين وأن النحاة قد أقروا بمجيء (الذي) للمفرد والمثنى والجمع على السواء, واستعمال (الذي) للجمع موجود في القرآن في قوله تعالى: “مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ”, ثم وجد أن استعمال الذي لكل الأعداد موجود عند المؤرخين اليمنيين منذ القرن الرابع الهجري, فأول استعمال لها موجود عند ابن يعقوب في تاريخه (ت393ه) ثم يأتي عند الجندي في السلوك والخزرجي في العسجد المسبوك وغيرهم, أما استعماله عند غير اليمنيين فهو موجود منذ القرن السادس, وذكر لذلك أمثلة كثيرة.
أما (اللي) فهي في المحكية اليمنية تستعمل مع المفرد المذكر مثل: الطالب اللي يغش من زميله مطرود, وتستعمل مع الجمع ومع غير العاقل, وقد يقع (اللي) في موقع المبتدأ والفاعل والمفعول وسابقًا لحروف المعاني/ الجر, وصفة, لكنه لا يأتي موصولاً إلا لاسم معرف أو ضمير منفصل أو ضمير إشارة, ولا يأتي موصوفًا لنكرة, ويأتي الموصول أداة شرط كما في قولهم: (اللي يلحق الدرجة الآن بايتوظف), ورأى المؤلف أن أقدم شواهد استعمال (اللي) كالاستعمال الحديث للمذكر والمؤنث جمعًا وإفرادًا موجود عند الأسقف ساويرس بن المقفع المتوفى في الثلث الأخير من القرن الرابع الهجري.
وأما (ذي) عند اليمنيين فإنها تذكر ب(ذو الطائية) التي جمدت على شكل واحد, وربما كان للاثنتين أصل واحد, وأقدم نص يمني مكتوب استعمل (ذي) وجده المؤلف في شعر عمر بامخرمة (884-952ه).
بيشتروا باتجي شَلْحق
وفي القسم الثالث من الكتاب تحدث السوسوة عن سوابق الفعل المضارع ودلالاتها على زمن الحدث, ومن ذلك باء الاستمرار, فاليمنيون يستعملون المضارع مسبوقًا بباء مكسورة مثل (بيعملوا, بيشتروا), فهذه الباء تدل على معنى اعتياد الحدث أو استمراره حاضرًا, وقد تدل على استمراره في الماضي إذا جاء في الجملة محدِّدٌ لذلك, ورأي المؤلف أن هذه الباء ليست وليدة هذا العصر وإنما تعود إلى القرن السابع الهجري, ولكنها في اللغات السامية موغلة في القدم.
وهناك (با) المستقبل مثل (بانروح, باتجي, با يكمِّل) فهي غير موجودة في الفصحى ولا في التراث النحوي ولا في تراث لحن العامة, ولكنها توجد في التراث المكتوب, وأقدم نص يوثق لها موجود عند ابن المجاور (ت 630ه) في تاريخه, ووجد المؤلف أن لها حضورًا في كتابات بعض اليمنيين في القرنين 11 و12ه, وصولاً إلى شيوعها في كتابات المعاصرين مثل النصري وعلي عبدالرحمن جحاف وشايف الخالدي.
وهناك (شين) الاستقبال التي تقابل السين في الفصحى, فبعض اللهجات اليمنية تقول (شلعب, شلحق, شمشي) بدلاً عن (سألعب, سألحق, سأمشي) وهي موجودة في التراث اليمني منذ القرن الثامن الهجري كما هو موثق في طبقات الشرجي.
أيحين وليش عاد جابه وقد انا مروّح
وفي القسم الرابع تناول المؤلف قضايا نحوية في المحكية اليمنية, فبدأ بأدوات الاستفهام, حيث وجد أن اليمنيين لا يستعملون (همزة الاستفهام وهل) ويأتون عوضًا عنهما بالتنغيم, كما أنهم تركوا أدوات الاستفهام (ماذا, لماذا, بم, علام) واستعملوا مكانها: أيش, وليش, وبيش, وعليش, كما تميل المحكية إلى استعمال (أيحين) أكثر من (متى) للسؤال عن الوقت, واستعمال (أيش) أكثر من (ما) العامة.
ف (أيش) أصلها (أي شيء) وقد ورد استعمالها في عصر الاحتجاج وتواتر استعمالها عند العرب كما يبدو من خلال التتبع التاريخي, وأما (ليش) فهي مركبة من اللام+ أيش وتقابل (لِمَ ولماذا) في الفصحى, ولعل أقدم نص شعري وردت فيه موشحة لابن سناء الملك (ت608ه) وأقدم نص نثري وردت فيه كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ (ت584ه), أما (عليش) فتقابل في الفصحى (علامَ) وهي مركبة من على+ أيش وقد ورد استعمالها في القرن التاسع في مصر واستعملها بعض اليمنيين في القرن الثاني عشر, ومن أدوات الاستفهام عند اليمنيين (فين, وين) وأصلهما (أين) ولكن أبدل صوت الهمزة واوًا, وهذا الاستعمال موجود منذ القرن الثامن بحسب التتبع التاريخي.
ثم انتقل المؤلف إلى الحديث عن النفي المزدوج بالأداة والشين (ما+ش) وهو نفي غير موجود في الصحفى, ووجد أن المحكية اليمنية لا تنفي بالأدوات: لن ولم وليس وإن المخففة, وأول شاهد على استعمال النفي المزدوج (ما+ش) ما جاء عند القاضي التنوخي (ت384ه).
ويستعمل اليمنيون الفعل(جاب) بمعنى أعطى, وقد تكوّن هذا الفعل عن طريق الضم الخاطئ, إذ لما كثر في الكلام (جاء+ ب) ثم سقطت الهمزة, صارت كأنها كلمة واحدة أصلية, وهذه الكلمة مثل (تباخر) بمعنى شفي/ عوفي, فالأصل (ب+ خير) ولكن كثر استعمالها فقالوا بخير وبخيرين وتباخر وعيتباخر وشتباخر, والفعل (جاب يجيب) بهذه الصورة استُعمل قديمًا, وأقدم شواهده يعود إلى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري عند ساويرس بن المقفع, كما نجد له شواهد كثيرة بعد ذلك عثر عليها المؤلف.
ويستعمل اليمنيون الإضافة بطريقة الفصحى ولكن الاختلاف في شيئين, هما: إبقاء المحكية اليمنية نون المضاف في الجمع مثل قولهم: “مهربين المخدرات” وثانيهما: فك التركيب الإضافي بالأداة (حق) مثل قولهم: “الخمار حق البنات”, “الجو حق هذي الأيام”, وكلاهما تظهر الدراسة التاريخية أنهما استعملا في القديم, فإبقاء النون له شواهد يعود أقدمها إلى القرن الخامس الهجري, وفك التركيب الإضافي له شواهد من لغة النقوش اليمنية, ونجد له شواهد في التراث يعود أقدمها إلى القرن الحادي عشر الهجري.
ومن الظواهر الملفتة في المحكية اليمنية (قد اليمنية) أي استعمال (قد) استعمالاً خاصًا غير ما هو في الفصحى, وهذه الظاهرة هي التي جعلها عنوانًا للكتاب لما في هذا التركيب من ظلال فكاهية يحققها أسلوب التورية, كما جرت الإشارة آنفًا, و(قد) عند اليمنيين تختلف عن التي في الفصحى بأن التحقيق لا يكون إلا مع الفعل الماضي مثل: قد خرج, كما أنها تأتي مصاحبة لغير الفعل, مثل: “قد انا جالس, قد خديجة في القاهرة, قد هذي لعنة عليكم”, وهذه الظاهرة تعود إلى القرن الرابع الهجري ولها حضور في ما بعده.
ومن الظواهر اللهجية في لغة اليمنيين ما أسماه السوسوة (عاد اليمنية) التي تأتي لمعانٍ كثيرة, منها: بمعنى مازال مثل (عاده راقد), وتحقيق الحدث في الماضي مثل (الشيخ عاده خرج), وغيرها من المعاني التي فصل القول فيها مؤلف الكتاب, وهو يرى أن هذه الظاهرة قديمة في كتابات اليمنيين حيث يعود أقدم شواهدها إلى القرن الرابع الهجري(3).
التنباك والمداعة والسجارة
وفي القسم الخامس من الكتاب تناول الدكتور السوسوة قضية (الدخان في المحكية اليمنية.. دراسة معجمية) حيث أكد أن نبات التمباك وصل إلى اليمن في القرن الحادي عشر الهجري كما هو موثق في كتاب الموزعي المسمى “الإحسان في دخول اليمن في ظل عدالة آل عثمان”, فقد جاء في هذا الكتاب ذكر أول من أدخله وكيف كان ثمنه وكيف نقص ثمنه عندما شاعت زراعته.
وعن اختلاف الآراء في أصل كلمة (تنباك) قال السوسوة: أوافق على أن لفظ التنباك/ الطنباق في التركية كما جاء به, لكن لا علاقة للأصل الهندي به, بل هو من الإسبانية غيرت بعض أصواته, ثم إلى الإيطالية فالتركية فالعربية, ولما لم يكن في العربية اسم يتكون من مقطعين أولهما من النوع الثاني (صامت وحركة طويلة) وثانيهما من النوع الرابع (صامت وحركة طويلة وصامت) فإن العامة – والخاصة قبلها – غيرتها إما إلى (تُتُن) بتقصير الحركتين الطويلتين, وإما إلى إبدال الضمتين الطويلتين كسرتين قصيرتين (تِتِن) وقسم خالف بين الحركتين المتماثلتين فجعلهما ضمة ففتحة مثل (تُتَن) ولا ينفي مجيء النبات إلى اليمن عن طريق الهند أن الهنود تأثروا/ أخذوا اللفظ التركي أو أحدهما.
وتحدث المؤلف عن كلمة (تبغ) مؤكدًا أن بداية ظهورها في العربية كانت عند شعراء الشام وشاعت هذه الكلمة منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى نهايته في المترجمات الروائية عن اللغات الأوربية.
وأما لفظ (المداعة) فهو كما يرى السوسوة خاص باليمن, ففي خارج اليمن نجد النارجيلة والأرجيلة والأركيلة, وجرى تفصيل الحديث عن أجزاء المداعة (البلبلة والقصبة والقطب والبوري) وأصل هذه الألفاظ, وأقدم شواهدها في كتابات اليمنيين, ثم تحدث عن الشيشة والمشرعة والتعميرة والسجارة, وأن هذه الأخيرة ليس لها تراث أدبي كالمداعة لتأخر دخولها إلى اليمن.
الشبشب والزنزانة والبرواز
وفي القسم الأخير من الكتاب وقف المؤلف أمام بقايا الألفاظ التركية في المحكية اليمنية من حيث دلالتها, وأكد أن هذه الألفاظ قليلة مقارنة بحجم تغلغل التركية في لهجات العراق والشام ومصر وأرجع ذلك إلى طول المدة التي قضاها العثمانيون في تلك البلدان بخلاف اليمن, فإنه ظل أكثر من مائتي عام مستقلاً عن الحكم العثماني, كما أن تواجد العثمانيين في اليمن كان مقصورًا على العاصمة وبعض المدن الكبرى, ثم نجد السوسوة يضع مسردًا بهذه الألفاظ التركية التي اقترضتها المحكية اليمنية, ومنها: أبله, أفندم, باروت, باشمهندس, باغة, بدروم, بردق, برظه (أيضًا), برواز, بزاليا, زنزانة, سقالة, شبشب, وغيرها من الألفاظ, وخلص إلى إيضاح كيف تعاملت المحكية اليمنية مع هذه الألفاظ, سواء من حيث التغيير الصوتي أو الصرفي أو الدلالي(4).
في الختام
يلزمنا التأكيد أن كتاب (قد اليمنية) لمؤلفه الأستاذ الدكتور عباس السوسوة يقدم مادة علمية دسمة تلقي الضوء على كثير من الظواهر اللغوية في المحكيات اليمنية, محيطًا بجوانب البناء اللغوي من بناء ونحو ومعجم ودلالة, وهو في حقيقة الأمر مضمون شيِّق, جاء بعد جهد شاق استغرق سنينًا من البحث والرصد والتحليل, لاسيما أن الكتاب يجاوز مرحلة وصف هذه الظواهر وإحصائها إلى التتبع التاريخي لها في الكتابات اليمنية عبر العصور, وهو ما لا يطيقه إلا الباحث المجتهد والعالم الذي يحرص على نوعية ما ينجزه وليس حجم ما يقدمه.
الهوامش:
(1) ينظر: عباس علي السوسوة, دراسات في المحكية, وزارة الثقافة والسياحة, صنعاء, 2003م, ص10-79.
(2) الدكتور عباس السوسوة من أوائل الأكاديميين اليمنيين الذين تناولوا اللهجات اليمنية بالدرس والتحليل, فقد كان له في مطلع الثمانينيات أن درس النظام الصوتي للهجة ذمار في رسالة ماجستير في آداب القاهرة, ثم درس لغة الصحافة اليمنية المعاصرة, في أطروحة دكتوراه تقدم بها إلى آداب القاهرة بعنوان: المستويات اللغوية في الصحافة اليمنية المعاصرة, وهي في حدود علمنا أول دراسة علمية تتناول الصحافة اليمنية المعاصرة من جانب لساني (وصفي - تتبعي).
(3) مع ملاحظة أن بعض مناطق الحجرية مثل بني يوسف يميلون إلى تأخير الفعل (عاد) عن الفعل العمدة في الجملة ولا يلحقون به أي ضمير, وأكثر ما يأتي ذلك في جمل طلبية, فيقال مثلاً: مارجعش عاد؟ وايحين سافرتم عاد؟ لحقت الراجل عاد؟
(4) للمؤلف أيضًا دراسة للألفاظ الهندية في المحكية اليمنية (ينظر كتابه: دراسات في المحكية, مرجع سابق, ص150-179.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.