هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هو الغريب في القران الكريم؟
نشر في الجمهورية يوم 13 - 08 - 2012

تداوت كتب كثيرة مسمى (غريب القران الكريم ) ولعل أشهرها كتاب مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني، فما هو الغريب في القرآن الكريم؟ ولماذا سُمي غريبا؟
مفهوم الغريب
الغريب في اللغة البعيد عن وطنه، جمعه غرباء، وقالت العرب: قذَفَتْهُ نوى غَرْبة، أي بعيدة، كما جاء في استعمالهم: أصابه سهْمُ غَرْب، أي لا يدرى راميه، واشتقوا من مادة (غريب) أفعالاً، قالوا: اغترب فلان إذا تزوج إلى غير أقاربه.
من خلال المعاني المتقدمة، يلاحظ أن مادة (غريب) تحمل في أصولها معنى البعد من الأنس، والانفراد عن أبناء الجنس، لذلك استعاروا منها صورة تشبيهية نقلوها لمن انفرد عن أهله ولا ناصح له، قالوا: وجه كمرآة الغريبة؛ لأنها في غير قومها فمرآتها أبداً مجلوّةٌ؛ لأنه لا ناصح لها في وجهها ومن هنا ظهر المعنى الاصطلاحي.
والغريب في الاصطلاح هو الغامض من الكلام، وكلمة غريبة ويقال: تكلم فأغرب إذا جاء بغرائب الكلام ونوادره، وقد غربت هذه الكلمة أي غمضت، فهي غريبة، ومنه مُصنف الغريب، وقد أوضحوا المقصود من الكلام الغريب، بقولهم: وكلام غريب بعيد عن الفهم.
يلاحظ مما سبق أن الكلام الغريب، أو الغرابة في اللفظة، كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة.
لقد أعار علماء العربية اللفظ الغريب عنايتهم من الدرس والبحث، فميزوا بين نوعين من الغريب:
الأول أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها، فيحتاج في معرفتها إلى أن يبحث عنها في كتب اللغة المبسوطة..
والثاني أن يخرج لها وجه بعيد كما في قول العجاج:
وفاحماً ومَرْسِنا مسرَّجا
قال العلماء معلقين: فإنه لم يظهر ما أراد بقوله مسرجاً حتى اختُلف في تخريجه، فقيل هو من قولهم للسيوف سُرَيْجيّة، منسوبة إلى قَيْن يقال له سُرَيْج، يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي، وقيل إنه في البريق كالسّراج.
ويلخص الرافعي الأمر في قوله: “وفي القرآن الفاظ اصطلح العلماء على تسميتها بالغرائب، وليس المراد بغرابتها أنها منكرة أو نافرة أو شاذة فإن القرآن منزه عن هذا جميعه وإنما اللفظة الغريبة هاهنا هي التي تكون حسنة مستغربة في التأويل بحيث لا يتساوى في العلم بها أهلها وسائر الناس”
استخراج الغريب
واذا كان الأمر كذلك فهل راعى المصنفون في “غريب القرآن” و”غريب الحديث” و”غريب...” مقصود مادة “غريب”، فضموا في خضم مؤلفاتهم الشاذ والنادر والحوشيّ استناداً إلى ما ترمي إليه الكلمة، أم ذهبوا مذهباً مغايراً؟!
إن مؤلفات الغريب تجيب عن هذا السؤال، ففي شواهدها تكمن الحقيقة، وفي موادها الخبر اليقين.
جاء في غريب ابن عباس مادة “عِزِين”، ثم أثبت معها الشرح التالي، قال: “فقالا: ياابن عباس أخبرنا عن قول الله عزّ وجلّ [عن اليمين وعن الشمال عِزِين ] قال: عزين: الحِلَق، الرِّفاق.
قالا: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول عبيد بن الأبرص، وهو يقول:
فَجاءوا يُهْرَعُونَ إليه حتىّ يكُونوا حَوْلََ مِنْبَرهِ عِزينا
ولم يذهب أصحاب “غريب اللغة “ مغاضبين رافضين منهج أصحاب غريب القرآن وغريب الحديث، بل ساروا على هديهم، ففسروا ألفاظ العربية من دون قصد تمييز بين عربي فصيح أو نادر غريب، يشفع ذلك ما جاء فيه “ المسلسل في غريب لغة العرب “ قال في شرح مادة “الحال “ في قول امرئ القيس:
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ
الحال: الطريقة، والطريقة: الدُّبّة، والدُّبّة: القارة، والقارة: الأكمة: العنزُ، والعنزُ: العُقاب، والعقاب: الراية، والراية: الحقيقة، والحقيقة: ما تحقُ عليه الحفيظة، والحفيظة: الحميَّة، والحميّة: الأنفةُ، والأنفةُ: العبدُ ، والعبدُ: الجربُ، والجربُ: الدّرْسُ، والدرس: الثوب الخلق، والخَلِقُ: النهْج ، والنهْج: الطريق القاصد، والقاصد: الكاسرُ، والكاسرُ: البازي. وهكذا يبدأ بتفسير المادة ثم ينتقل من مرادف إلى آخر ...مشكلاً سلسلة من الألفاظ اللغوية، كل واحد يشترك في المعنى مع سابقه.
فنرى أن المؤلفين في الغريب قصدوا من مادة “ غريب “ شرح المواد اللغوية في الموضوع المخصص، ولم تكن وجهتهم استخراج غريب اللغة المراعى في الاصطلاح اللغوي عند أهل الصرف والبلاغة، وهذا النهج في التسمية يدعو إلى التساؤل، وإعادة النظر في أسماء كتب “غريب اللغة “، إذ كان القصد منها تفسير ألفاظها من دون تمييز بين لفظ وآخر.
فنلاحظ أن معنى الغريب الظاهر للدارس من خلال اسم الكتاب هو غير ما عالجوا، ونخلص بعد ذلك إلى القول: إن الاسم الأدق والأصوب هو: شرح أو تفسير ألفاظ القرآن، ففي هذا الاسم انسجام بين الاسم والمسمى، لأن محتويات مؤلفات “ الغريب “ ليست من الغامض النافر، بل مما عرفه العربي واستعمله ووعاه، فالغريب عندهم يقابله المشهور، وهما أمران نسبيان، فربّ لفظ يكون غريبا عند شخص، مشهور عند آخر، يقوي ذلك المقولة التي كان يرددها ابن عباس في تفسير مواده، وهي “هل تعرف العرب ذلك “، بل إن بعض ما جاء في كتب الغريب هو من الألفاظ العامية التي يشترك في معرفتها جمهور أهل اللسان العربي، وهو مما يدور في الخطاب، تناقلوه فيما بينهم وتداولوه، وتلقفوه منذ الصغر لضرورة التفاهم، ومن أدلة ذلك ما أثبته الراغب الأصفهاني في غريبه، من نحو “ غنم “ قال في تفسيره: الغَنم معروف، قال تعالى: [ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ] الأنعام 146، والغنم إصابته والظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم، يشبهه أيضاً ما جاء في “ تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب “ لأبي حيان الأندلسي، قال: “شجر” في الآية: [ ومن الشجر ومما يَعْرِشون ] النحل 68، وما قام على ساق، وغيرها من الألفاظ اللغوية المعروفة المتداولة ك “زوج” و”صيد”، فهل هذا غريب مستغلق!؟
والواقع أن أصحاب مصنفات “ الغريب “ قصدوا تفسير الألفاظ حقيقة لا البحث عن الغريب في عرف البلاغيين كما توحي التسمية، يقوي ذلك اعتراف أصحاب المصنفات أنفسهم في حقيقة عملهم، قال الراغب الأصفهاني في مقدمة غريبه، يوضح خطته ويصور منهجه: “ وذكرت أن أول ما يحتاج أن يُشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات الفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللَّبِن في كونه من أوائل المَعاون في بناء ما يريد أن يبنيه... وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفىً فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي ، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء.
لماذا سمي غريبا
إذا كان الأمر على ما تقدم فلماذا سمى أصحاب المصنفات كتبهم “بالغريب” مع أن مادة “غريب” لا تختزن في مضامينها معنى الشرح والتفسير والتوضيح؟ ما سرُّ هذه التسمية؟ وهل أطلقت مجازاً لتحمل معنى التفسير؟
الحقيقة أن “ الغريب “ لم يطلق مجازاً على معنى الشرح والتوضيح ، لفقدان الشرعية في اللغة التي تسمح له بهذا الجنوح المعنوي؛ لأن المجاز هو أن يسمى الشيء باسم ما قاربه أو كان منه بسبب، كما في قول معاوية بن مالك:
إِذا نَزَلَ السَحابُ بِأَرضِ قَومٍ رَعَيناهُ وَإِن كانوا غِضابا
أراد بالسماء المطر، لقربه من السماء.
والغريب أيضاً ليس مما يقارب الشرح والتوضيح ولا سبباً منه ، ولم يجر استعمال الغريب على سنن العرب الأخرى ، كوصف الشيء بما يقع فيه أو يكون منه ، كما في قولهم : ليلٌ نائم ، أي ينام فيه ، وليل ساهر، أي يسهر فيه، فهم وإن قصدوا ألفاظاً يقع فيها الإغراب والإبهام ، إلا أنهم جمعوا في بطون مؤلفاتهم ألفاظاً متداولة معروفة على كل لسان، واستناداً إليهما ننفذ إلى أن العلماء الذين ألفوا في “الغريب” لم يجهلوا معنى الغريب ،ان سبب اتسمية تكمن في :-
1-إن ألفاظ العربية -بعد اجتماع العربية في لغة قريش- لم تحمل الدلالة الواحدة عند القبائل المختلفة ، فقد تحمل لفظة معنى في قبيلة ، ومعنى مخالف في أخرى ، يتوضح معنى الاختلاف- كمثل- من خلال مادة “قرء” قال المبرد : أهل الحجاز يرون “الإقراء” الطهر، وأهل العراق يرونها الحيض ، وأهل المدينة يجعلون عِدَد النساء الأطهار، ولهذا اعتور العربية الإغراب والكل ، نتيجة اجتماع القبائل ، فلفظةٌ تتداول على لسان قوم، تعتبر غريبة لدى قوم آخرين ، وقد ألمح ابن فارس إلى ذلك ، فقال: كل هذه اللغات مسمّاة منسوبة وهي وإن كان لقوم دون قوم فإنها لما انتشرت تعاورها كَلٌّ ، ومن الاختلاف اختلاف التضاد، وذلك قول حِمْيَر للقائم : ثِبْ أي اقعدْ.
2 إن العرب في أحيان كثيرة لا يفهمون كلام بعضهم بعضاً، وبخاصة عندما تتكلم كل قبيلة لغتها الخاصة بها؛ لأن كل لغة تختلف عن غيرها من لغات القبائل بأمور، ويدعم ذلك ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه سأل رسول الله “ص” حين كان يخاطب وفد بني نهد، قال: يارسول الله نحن بنو أبٍ واحدٍ، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال: أدّبني ربي فأحسن تأديبي، ورُبيتُ في بني سعد. فكان “ص” يخاطب العربَ على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم، يخاطب كلاً منهم بما يفهمون، ويحادثهم بما يعلمون.
استناداً إلى هذه الملابسة اللغوية الحاصلة من اجتماع القبائل العربية وبخاصة بعد الإسلام أصبحت اللفظة المتداولة في وسط عربي غريبة لدى الآخرين، ومن هنا يبرز سبب استعمال مصطلح “غريب” في أسماء المصنفات فالغرابة نسبية، ولهذا يمكن القول: إن حد الغرابة في اللفظة يتغير بتغير القبيلة فما تصدق عليه الغرابة من الألفاظ في قوم وعصر لا تصدق عليه في قوم آخرين وبعد حين.
3 مقارنته باللحن الذي سار تصحيحه ومحاربته جنبا إلى جنب مع الغريب، فقد كان اللحن قليلا ثم شاع مع مرور الزمن ودخول اللسان غير العربي إلى الإسلام حيث وجدت الغرابة عن قراءة القرآن وقارئه شيئا فشيئا، وكلما تقدم الزمن ابتعدنا عن لغة القرآن الأصيلة فزادت غرابة الألفاظ القرآنية شيئا فشيئا ويبدو هذا واضحا في عدد الألفاظ بين غريب القرآن للراغب (ت 502ه) وغريبها للحلبي (ت 756ه) حيث استدرك هذا الأخير على الأول ألفاظا كثيرة.
كتب في غريب القرآن
يعود التأليف في معاني القرآن وغريبه إلى مرحلة مبكرة من تاريخ الإسلام، وأول ما عرف من ذلك ما روي عن ابن عباس في ما يسمى بإجاباته عن المسائل التي سأله عنها نافع بن الأزرق، وكان يستشهد على تلك المعاني بأبيات من الشعر بعد أن يقول له نافع: “وهل تعرف العرب ذلك؟ “ كذلك ما روي عن ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة، وما روي عنه بتهذيب عطاء بن أبي رباح المتوفى سنة 114ه ثم تتابع التأليف في معاني القرآن وغريبه وسنقصر حديثنا هنا على ما سمّي (غريب القرآن) فقط على الرغم من التقارب الشديد بينه وبين (معاني القرآن) مما جعل بعض العلماء القدماء يخلطون بينهما.
لقد وضع العلماء مؤلفات في غريب القرآن في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ولكن معظم هذه الكتب فُقد، ومن الكتب التي وصلت إلينا (غريب القرآن) لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة (276).
وفي القرن الرابع تابع العلماء التأليف في غريب القرآن فألّف أبو بكر محمد بن عزير بن أحمد السجستاني ت330ه كتاب (نزهة القلوب في تفسير علام الغيوب)، وقد وصلنا من القرن الخامس كتاب بعنوان (العمدة في غريب القرآن) وقد نُسِب إلى مكي ابن أبي طالب القيسي، ت. 437ه
وفي القرن السادس وضع الراغب الأصفهاني ت 502ه كتابه المسمى “المفردات في غريب القرآن” وهو من اشهر كتب الغريب المتداولة بين ايدينا حتى اليوم …
وألف في الغريب من أهل القرن السادس الهجري أبو البركات ابن الأنباري ت 577ه ، وكتابه (البيان في غريب القرآن)، كما وصلنا من هذا القرن أيضا كتاب ( تذكرة الأريب في تفسير الغريب ) لأبي عبد الرحمن أبي الفرج ابن الجوزي الفرج ت 597ه.
ومن كتب الغريب في القرن السابع كتاب محمد بن أبي بكر الرازي ت. بعد 666ه، واسمه في معجم المؤلفين (روضة الفصاحة في غريب القرآن)
ومنها في هذا القرن أيضا (التيسير العجيب في تفسير الغريب) وهي منظومة في غريب القرآن، تأليف ناصر الدين أبي العباس أحمد بن محمد المالكي الاسكندراني المعروف بابن المنير ت 683ه .
ومن كتب الغريب في القرن الثامن كتاب محمد بن يوسف بن علي المعروف بأبي حيان الأندلسي ت 745ه ، واسمه (تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب)
ومنها في هذا القرن أيضا كتاب (بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب) لعلاء الدين علي بن عثمان بن إبراهيم ابن التركماني المارديني المصري ت 750ه
ومنها في هذا القرن أيضا (عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ) لأحمد بن يوسف بن عبد الدائم، المعروف بالسمين الحلبي ت 756ه، وهو أحسن الكتب المؤلفة في هذا الشأن. جمع فيه ألفاظ القرآن وفسرها، وقد سار فيه على نهج الراغب الأصفهاني ، وأخذ من مفرداته .
واستمر التأليف في الغريب بعد ذلك، ففي القرن التاسع نجد ألفية في غريب الحديث لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن المعروف بزين الدين العراقي ت 806ه
ولأحمد بن محمد المعروف بابن الهائم المصري ت 815 ه كتاب ( التبيان في تفسيرغريب القرآن ) وقد اعتمد فيه صراحة على كتاب ابن عزير السجستاني.. وفي القرن العاشر نجد كتاب غريب القرآن ، لعبد البر بن محمد الحلبي ، المعروف بابن الشحنة ( 921 ه )
وفي القرن الحادي عشر نجد كتاب مجمع البحرين ومطلع النيرين في تفسير غريب القرآن والحديث الشريفين ؛ لفخر الدين محمد بن علي الطريحي (1085 ه)، طبع مرات كثيرة بدون تحقيق ، ثم حققه السيد أحمد الحسيني ، وهو مرتب وفق الحرف الأخير ثم الأول وما يليه من أصول الكلمة.
وبعد ذلك جاء تفسير غريب القرآن العظيم ، لمصطفى بن حنفي بن حسين الذهبي (1280 ه). مطبوع قديما ، وهو شرح لألفية العراقي في (غريب القرآن).
مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأنوار ؛ لمحمد بن طاهر البستاني، طبع قديما وهو جامع لغريبي القرآن والحديث ومرتب هجائيا بحسب الأصول، ومن ذلك كتاب معجم غريب القرآن مستخرجا من صحيح البخاري ؛ لمحمد فؤاد عبد الباقي المطبوع عام 1369 ه ، وهو شرح لما ورد عن ابن عباس من صحيفة علي بن أبي طلحة مرتبة ألفبائيا بحسب المواد مع ذكر الآية الكريمة ورقمها واسم السورة ورقمها ، وشرح اللفظة الغريبة في الحاشية ، وقد ألحق بها المؤلف مسائل نافع بن الأزرق..ومما تداول في ايامنا كلمات القرآن: تفسير وبيان؛ لحسنين مخلوف، وهو مرتب حسب ترتيب السور القرآنية في المصحف الشريف. فرغ من تأليفه سنة 1375 ه ، وقد طبع عدة طبعات.
ومن ذلك ايضا المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن الكريم ، لعبد العزيز عز الدين السيروان الذي نشر عام 1986م . اختار الألفاظ الغريبة معتمدا على كتب ابن قتيبة ومكي بن أبي طالب وأبي حيان ومعجم محمد فؤاد عبد الباقي ورتبه - ألفبائيا - بحسب الأصول.
واخيرا كتاب المفتاح النوراني على المدخل الرباني للمفرد الغريب في القرآن ؛ للشيخ محمد باي بلعالم . وهو شرح لنظم في غريب القرآن للشيخ محمد الطاهر التليلي الجزائري . فرغ من تأليفه عام 1417 ه .
وهكذا استمر التأليف في غريب القرآن حتى أيامنا هذه ، ولن ينتهي التأليف في الغريب مادام هناك قران يتلى بل على العكس سيزداد لابتعادنا الطبيعي عن منهل اللغة الفصحى والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.