عندما قام القائد العربي قتيبة بن مسلم الباهلي بفتح مدينة سمرقند في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) لم يدعُ أهلها إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، ولم يمهلهم ثلاثاً، كعادة القادة المسلمين عند فتحهم للبلدان التي دخلت في الإسلام وأصبحت جزءاً من نسيج الدولة والأمة الإسلامية. ولما علم أهل هذه المدينة بأن ما فعله القائد قتيبة عند فتحه لمدينتهم مخالفاً للإسلام بعث كهنتهم رسولاً إلى أمير المؤمنين (عمر بن عبد العزيز). فلما اطّلع الخليفة على شكواهم بعث مع الرسول توجيهاته إلى عامله (كان حينها قتيبة قد مات) بأن يُنصّب قاضياً لينظر في شكوى القوم، ففعل العامل كما أمره أمير المؤمنين. وعند اجتماع القاضي بأهل المدينة سأل القاضي عامل أمير المؤمنين عما يقوله في دعوى أهل سمرقند، فحاول العامل تبرير عدم تطبيق قتيبة للمبادئ التي يتبعها قادة الفتوحات الإسلامية عند فتحه لهذه المدينة. ولكن القاضي لم يقتنع برده وأمر بسحب جيش المسلمين من المدينة، وكان قد مضى عليه فيها أشهراً، كما أمر القائد أن يؤذن أهلها في الأمر، وفقاً للمبادئ الإسلامية المتبعة.
لا أظن أن علماء دولة الاحتلال اليمني يجهلون هذه الحادثة في تأريخنا العربي والإسلامي ولكنهم يتجاهلونها لأنها تفضح ما ارتكبه نظام دولتهم من فضائح وفضائع بحق الجنوب والجنوبيين في حرب صيف عام 94م الظالمة والغير مشروعة.. تلك الحرب التي استندت على فتواهم التكفيرية للجنوب وأهله، فأضحى الجنوب (وفقاً لفتواهم المفتراة تلك) دار كفر، والتي بموجبها أيضاً جرت استباحة الجنوب أرضاً وإنساناً.
إن السلب والنهب والقتل والتدمير الممنهج الذي طال الجنوب والجنوبيين، كما أن اعتبار أرض الجنوب وثرواتها ومؤسسات دولتها غنيمة وفيداً لهم.. كل ذلك كان تأكيداً على أن مرجعية الغزاة اليمنيين وأسوتهم في حربهم على الجنوب لم تكن شريعة الإسلام السمحاء وسيرة السلف الصالح، بل كانت شريعة الغاب والتتار. وعلى هذا الأساس فإن حربهم على الجنوب كانت وستظل ظالمة وباطلة حتى يعود مخططوها ومنفذوها وداعموها ومباركوها إلى الحق وجادة الصواب، وذلك بسحب قواتهم من أرض الجنوب، والاعتذار عن فتواهم الظالمة، والاعتراف بحق الجنوبيين في الحرية والاستقلال واستعادة دولتهم، إن هم أرادوا ذلك.