يوم السابع والعشرين من مارس كل عام يحتفل العالم بيوم المسرح العالمي..تقام العروض ويحتفى بالمبدعين ويتم تكريمهم, هذا يحدث في دول العالم التي تدرك حقا أهمية هذا الفن الراقي وتقدر جماله الحقيقي وروعة تأثيره في المجتمعات والثقافات المختلفة. كل ذلك يحدث في مكان ما بعيد عن هذه المدينة المتعبة" عدن" التي تحتفي بيوم مسرحها في صمت بينما تكتظ على خشبتها السياسية كل الصراعات والتأمرات والفتن لتبقى خشبتها المسرحية مظلمة إلا من بقعة ضوء بدأ نورها يقشع ذلك الظلام منذ حوالي سبع سنوات هو العمر الفني لهذه الفرقة (خليج عدن) التي انطلقت في العام 2005م بقيادة المؤلف والمخرج: عمرو جمال. إستطاعت هذه الفرقة المسرحية وفي زمن قصير أن تواجه العديد من التحديات والصعوبات التي تعرقل إبداع الشباب وتحطم طموحاتهم فصنعت لنفسها تاريخ حافل في قلوب وعقول محبيها ومن كل مكان فهطلت أعمالها تباعا كحبات المطر لتعيد لأرض عدن ألقها الفني ومجدها المسرحي وذكريات عبقة من زمنها الجميل منذ حوالي أكثر من قرن كان لهذه المدينة الريادة في المسرح فعرضت المسرحية الشهيرة(يوليوس قيصر) لشكسبير في العام 1910م . عدن..ثلاثة أحرف بسيطة..لمدينة عبقرية ,خرافية ,مدهشة فحين أقرأ عن تاريخها الفني..والمسرحي أو عن حركتها الثقافية وريادتها على مستوى الوطن العربي ودول الخليج في أمور عدة..أكاد أصاب بحالة من الذهول والنكران وكأن هذا التاريخ العريق يبدو لي ضربا من الأحلام ..فأين رحلت (عدن) بدهشتها تلك؟؟ وأين غيبت ثقافة شعب بأكمله؟؟ وحين أذكر عدن تسعفني ذاكرتي نحو مدينتي (لحج) والتي كان لها مبدعين ومسرح ورواد...في نفس ذلك الزمن الجميل الذي نبكيه جميعا ولها اليوم شباب لا يقلون ابداعا وتميزا لكن للأسف كثيرا ما يتحطم الإبداع بفعل فاعل وبدم بارد. عدن وفي القلب غصة فكيف هدمت منابر التنوير فيك واستبدلت بقلاع التهميش والإقصاء والطمس لهوية المجتمع..تلك الهوية التي وإن غيبتها السياسة قسرا يبقى المسرح وحده قلبها النابض مشكلا هوية شعب بأكمله..وشعب بلا مسرح هو شعب بلا حياة.. شكرا لك أيها المبدع عمرو جمال..فأعمالك التي توالت تباعا بداء من "عائلة دوت كوم، بشرى سارة، حلاحلا يستاهل، سيدتي الجميلة، معك نازل, كرت أحمر ,"عود ثقاب"، مسلسل"أصحاب" وبرنامج "ع الماشي" وأعمال وإسكتشات عديدة لا أستطيع حصرها الآن لكني أجزم وبشده أن الكثير من هذه الأعمال أثرت حياة العامة والبسطاء وأردفت لهجتهم ومفرداتهم اليومية.ورغم أني من أشد المعجبين بهذه الفرقة لكن لم تتسنى لي الفرصة لأتابع كل ما قدمته طيلة السنوات الماضية..لكنها بالتأكيد أعمال فنية محترمة وراقية ناقشت هموم الواقع بعمق ودخلت قلوب الناس دون إستئذان لأنها لامست مشاكلهم بقالب لا يخلو من الضحكة فلا نستطيع أمامها إلا أن نرفع كل القبعات..ونرمي باقات من ورود الوفاء والاحترام لطاقة هؤلاء الشباب وإبداعهم وموهبتهم الرائعة التي أعادت لعدن مسرحها وتألقها رغم كل الصعوبات والعقبات. في يوم المسرح العالمي..يتنكر واقعنا هنا عن تكريم مبدعيه ودعمهم فلا أملك إلا أن أهنئكم فأنتم وجه عدن الجميل..وأنتم قدوة لي ولكل الشباب في قهر المستحيل والتمسك بالأحلام..فأنتم تصنعون اليوم ثقافة وحياة لشعب مهزوم وأن أوان أن يتلذذ بنشوة النصر على أيدي شبابه وأنتم خير مثال لشباب عدن الرائع..وعدن ستزدان روعة أكثر وأكثر بإستمراركم في إثراء خشبتها بأعمالكم التي ننتظرها من حين لأخر كمن ينتظر صبيحة يوم عيد.
كل عام وأنت بخير ...أيها المايسترو (عمرو جمال) وكل عام وكل طاقم هذه الفرقة بخير ..وكل الجنود المجهولين الذين يرسمون بصمت لوحة الإبداع تلك..ويعيدون البسمة لوجه عدن الحزين..