التشابه قوي جدا بين فترة الخمسينات و الستينات و هذه اللحظة التاريخية الراهنة لسبب بسيط جدا و جوهري و هو وجود الاحتلال البريطاني في تلك الفترة و الاحتلال اليمني الآن ... بل و حتّى ردة فعل شعب الجنوب على الاحتلالين تكاد تكون متطابقة تماما في الفترتين التاريخيتين و تفصيل ذلك فيما يلي : في كلا الفترتين التاريخيتين أنقسم شعب الجنوب في رد فعله على كلا الاحتلالين وأسلوب رفضه لهما إلى ثلاث فئات :
الفئة الأولى(الأنانية): لا ترفض الاحتلالين و قد تكونت لديها مصالح مع كلا الاحتلالين و لا تعبأ بأغلبية شعب الجنوب الرافضة لكلا الاحتلالين الفئة الثانية(الوسطية والعقلانية): ترفض كلا الاحتلالين وتريد أنهاءهما ولكن بطريقة سلسة وناعمة و آمنة مع الاحتفاظ بالمصالح المشروعة فقط لبعض الفئات الجنوبية و الشمالية أيضا... تلك المصالح التي نشأت أثناء خدمة هذه الفئات لكلا الاحتلالين الفئة الثالثة(المتشدّدة): ترفض الاحتلالين بطريقة راديكالية و تريد أنهاء الاحتلالين فورا و بدون بقاء أي ذيول أو تبعات و تسعى هذه الفئة لإنهاء جميع مصالح الفئات الجنوبية المرتبطة بخدمة كلا الاحتلالين سواء كانت هذه المصالح مشروعة أو غير مشروعة ...
والمصيبة الكبرى تكمن في المرتبطين بالاحتلال اليمني(سواء كان ارتباطا ماديا أو أيديولوجيا) ذلك لأنهم لا يريدون أن يعترفوا بوجود حالة الاحتلال اليمني ناهيك عن إنهاءه......وخير شاهد على ذلك هو مخرجات مؤتمر الحوار التي أدّعت الاعتراف بالمظالم الجنوبية و لكنها بالمقابل فبركت حلول من طرف واحد أي الشماليين و بتعاون من بعض الجنوبيين من الفئة الأولى فقط و هذه الحلول تكرّس الاحتلال عملياً و توجد حلول تجميلية فقط للاحتلال و كأن شعب الجنوب مجموعة من الأطفال تستغفلهم وتضحك عليهم ...
أخواني الشماليين و أخواني الجنوبيين الوحدويين اعترفوا أولاً بوجود حالة الاحتلال واجلسوا للتفاوض حول مبدأ "إنهاء حالة الاحتلال" هكذا بدون مراوغة ولا غموض وعندها ستجدون من شعب الجنوب روح المروءة العربية الأصيلة و التسامي على جروحه وسيقبل بسهولة تلك الحلول التي ممكن تقترحها الفئة الثانية المذكورة أعلاه .....أما إذا ركبتم رؤوسكم واغتريتم بشوية الحديد الموجود عند جيش الكدم حقكم فعندها ستختفي الفئة الثانية تماما وسينضمون كلهم للفئة الثالثة وعلى الباغي تدور الدوائر !
نعم أعترف أن هناك تصريحات قوية من قيادة الفئة المتشددة موجهة لكافة الجنوبيين تطمئنهم ولكن هذه التطمينات لا تعطى آذانا صاغية و ذلك بسبب مألات الفترة التاريخية السابقة التي فيها استلم الراديكاليون السلطة من البريطانيين فاقصوا الجميع... ولذلك لا تحل هذه المسألة بمجرد التصريحات بل لابد من التفاهم على خارطة طريق واضحة المعالم لا التباس فيها.
طبعا أنا تكلمت بالخطوط العريضة عن القواسم المشتركة بين الفترتين التاريخيتين معا علمنا بوجود تفاصيل فرعية صغيرة تظهر اختلاف ما بين الفترتين و لكنها ليست بأهمية ما ذكرته .