فيك الألسن قد أُخرست،وفيك الكلمات قد أُثكلت،وفيك الفصاحة قد تلجمت،ولرحيلك ذرفت العيون دما،ونزفت القلوب الما،وشاخت الأرواح والولدان حزنا وفجيعة،لم يُكلم القلب هكذا،ولم تنهمر الدمرع عبثا،ولم تتعطل الحواس بلادة.. ندرك أيها الراحل الحبيب أن لا عزاء لنا فيك سوى الصمت الذي يسحق دواخلنا ويمزقها، والسكون الذي أستبد بأحشائنا،وندرك أن الوجع سيحل ولن يرتحل،ولن يبارح مدينتك بل عالمك الذي خلفته ورحلت وأنت مُقبلا نحو ربك،وندرك أيضا أننا عاجزين تماما في أن نحزن بقدر ذلك الحب الذي يسكن قلوبنا لك حيا وميتا.. اليوم تداعت الأركان جميعها ولم يعد من قائمة نستند عليها،ورحلت أنت لتحلق بركب الأبطال والرجال والأفذاذ،وعم كل عالمك وعالمنا حزن تواتر منذ رحيل أسلافك( حوس،عيدزوس،أسعد)،وها أنت اليوم برحيلك تكمل نصاب الحزن والوجع والالم، ونعلن نحن عن موت آخر معاقل الرجولة والبطولة.. طلبت الآخرة فكان لك ما تمنيت،وأقبلت على الله لاهثا بذكره وترانيم كلماته وعذب أذكاره،وشأ الله أن تلقاه وأنت في ذمته ومقبلا نحو مسجده، ولعلك ستستريح من الدنيا وأضدادها،وأشباه الرجال فيها،وهناك شيخي الحبيب سيكون (القصاص) ويكون الثأر،فأي خزي ومصيبة حلت بمن أراد لك يوما الموت.. حُق لنا اليوم أن نحزن دهراً، وأن نبكي حسرة وقهراً، وحُق للوجع اليوم أن يتفاخر أنه أستوطن أعماقنا وفتك بأرواحنا،وأمى قلوبنا، لرحيلك أيها الشيخ الجليل حُق للمآذن أن تنوح،وحُق للمنابر أن تصرخ،وحُق لحلقات الذكر وطلابها أن تستوحش، اليوم فقط سيدرك الكل أن شمعة العلم وسراجها المنير قد أنطفأت، وسيدركون أن ساحات النزال وميادينها لن تستل سيوفها من أغمادها.. وداعا شيخي الحبيب على أمل أن التقيك هناك يوم يحشر الله الخلائق،وإلى ذلك الحين لم يبق لي سوى الذكرى ومحطاتها،وكلماتك التي لن تبارحني ماحييت،ومبادئك وأخلاقك وقيمك التي زرعتها،وسيبقى معي وجعا سرمديا يعصف بدواخلي كلما شدني الشوق والحنين لك..