الحصول على شقة ملائمة للإيجار وبسعر مناسب في عدن لم يعد مجرد حلم بعيد المنال لطالبي الشقق وإنما تحول الى كابوس مزعج يقض مضجع كل من يفكر في استئجار شقة في ظل الارتفاع الجنوني لإيجارات تلك الشقق التي لا تتناسب مطلقا مع دخل الكثيرين الذين يرون ان الايجارات التي شهدتها عدن كظاهرة جديدة منذ حوالي عقدين من الزمن عندما تخلت الدولة عن واجبها في اقامة شقق سكنية لذوي الدخل المحدود ودفعتهم للجوء إلى الإيجار كحل لمشكلة السكن قد زادت حدة منذ العام الماضي مع تدفق اللاجئين الى عدن جراء الازمة السياسية واضطرار بعضهم إلى استئجار شقق . ولمعرفة كم اكبر من التفاصيل والآراء بهذا الخصوص الأولى التقت ببعض المستأجرين والملاك فكانت الحصيلة التالي:
حالة قلق
في البداية التقينا مع الأخت طيبة التي حدثتنا عن معاناتها مع الايجار قائلة : اعيش في منزل بالإيجار منذ ما يقارب عشر سنوات وقد ارتفع ايجار منزلي عدة مرات خلال تلك الاعوام وبالرغم من كوني موظفة حكومية إلا ان زوجي ليس كذلك فهو يعمل باليومية وهذا ما يجعلنا نعيش في قلق ويكون أكثر اعتمادنا على راتبي في دفع الايجار الذي يأخذ اكثر من نصفه كما ان اطفالي يدرسون في مدرسة خاصة وهذا الشيء ضاعف من اعبائي المادية وأرهق ميزانيتي كثيرا ولكن ماذا اعمل فابني الاكبر مصاب بمرض والمدرسة الخاصة التي يدرس فيها الآن توفر له سبل الرعاية اللازمة وهذا الشيء يخفف من قلقي عليه رغم المصاريف الباهظة التي اتكبدها سنويا لتسديد الرسوم وأضافت قائلة: منزلي بعيد جدا عن مكان عملي واركب يوميا مواصلتين للوصول اليه وهذا لوحده يأخذ مبلغاً من راتبي وقد حاولت جاهدة العثور على منزل قريب من عملي ولكني للأسف لم افلح بذلك فارتفاع الايجارات بشكل جنوني ووجود نازحي ابين اوجدا نوعاً من الصعوبة في حصولي على مسكن ملائم وبسعر مناسب. وتابعت: الآن أعيش حالة قلق شديدة فصاحب المنزل الذي اعيش فيه توفي وهناك مشاكل بين الورثة ولا اعلم حقيقة وضعي هل سيسمح لي بالبقاء بالمنزل بنفس الايجار القديم ؟ ام سيتم رفعه ومن اين لي بالمال لتسديد الإيجار وهل سيبقيني الورثة في البيت ام سيخرجونني منه ؟؟
رفض الاصلاحات من جانبها حدثتنا الاخت ام حسين عن معاناتها مع الايجار قائلة: تنقلت في منازل عدة للإيجار وكنت احرص في جميع تلك المنازل على ان تكون قريبة من مكان عملي وفي الوقت ذاته قريبة من سكن اهلي وأهل زوجي لأتمكن من وضع اطفالي لديهم اثناء ذهابي للعمل وفي كل بيت كنت اسكنه كنت اجد فيه عيوبا لا تحصى ولكن الخوف من التشرد كان يدفعني للقبول بتلك المنازل وإدخال التحسينات الضرورية التي تساعدني على العيش فيها بينما يرفض اصحاب المنازل خصم تلك الاصلاحات من الايجار لأنهم يرونها غير ضرورية ويشددون علينا بالمحافظة عليها وكأننا سنشعر بالراحة في بيت متهالك . واسترسلت بالقول: نحن نعاني كثيرا في تلك المنازل التي نستأجرها لان اسعارها لا تتناسب مطلقا مع احجامها ولكن الظروف تجبرنا على القبول بها حتى اني في مرات كثيرة اضطر الى تجميع عفش بيتي في مكان واحد لان المنزل لا يتسع لفرشه كما ان كثرة التنقل من منزل الى اخر تسببت في تلف اجزاء كبيرة منه ولكن ما باليد حيلة نسال الله ان يتوب علينا من الايجارات.
متى نرتاح بزفرة توحي بالكثير حكت لنا الاخت اميرة قصتها مع الايجار قائلة: بعد طلاقي عشت مع ابنائي بالإيجار وتمكنت من تربيتهم وتعليمهم الى ان استطاعوا الاعتماد على انفسهم واصبح لكل واحد منهم حياته الخاصة وطوال تلك السنوات كنت انتقل من مكان الى اخر وأصادف اصنافاً شتى من المؤجرين والآن اصبحنا نعيش انا وابنتي وحدنا ولكن منذ الازمة السياسية ارتفعت الايجارات بشكل كبير جدا وأصبحنا انا وابنتي نتقاسم في ثمن الايجار لان راتبي وحدي لا يكفي لتسديده كما ان هناك التزامات اخرى يتوجب علي الايفاء بها كفواتير الماء والكهرباء وفوق ذلك كله اذا دفعنا كل ما نملكه لتسديد الايجار والفواتير فما الذي سيتبقى لنا للمأكل والمشرب وتابعت: لقد كبرت في السن ولم اعد قادرة على التنقل وشراء شقة اصبح مستحيلا في هذا الوقت كنت اتمنى ان اقضي باقي ايامي مرتاحة في بيت يخصني ولكن ذلك يبدو صعبا.
تعبت نفسيتنا بسخرية ممزوجة بالألم تحدث معنا الاخ علي عن تجربته في العيش بالإيجار فقال: تنقلت بالعيش في منازل عدة بعضها جديد والآخر قديم ويمكن القول إنني سكنت في كافة مديريات محافظة عدن فعندما ينتهي عقد الايجار يرفض المالك تجديد العقد لحاجته للشقة حسب قوله وأحيانا اخرى ارفض انا البقاء في تلك الشقة لمدة اطول لأنها تكون غير ملائمة لعائلتي او لأنها تكون بعيدة عن مكان عملي انا وزوجتي وهذا ما يجعلني اعيش في حالة من الضيق والقلق على اطفالي الذين يبقون بمفردهم في البيت بعد عودتهم من المدارس ، كما ان التنقل من مكان الى آخر كان يؤثر على نفسية اطفالي كثيرا الذين اضطر الى نقلهم من مدرسة الى اخرى فهم لا يكادون يتعرفون على اصدقاء جدد حتى يجدوا انفسهم مجبرين على الابتعاد عنهم والتعرف على آخرين . وتابع قائلا: الحال نفسه ينطبق علي انا و زوجتي فلا نكاد نتعرف على الجيران ونوثق علاقتنا بهم لنجد انفسنا بعد حين مجبرين على مفارقتهم ولكن هذه المشكلة بالنسبة لي اوشكت على الانتهاء فقد تقدمنا انا وزوجتي بقروض من البنوك ومن المعارف وبعنا ذهب زوجتي على امل شراء بيت حتى ولو حجرة واحدة تريحنا من التنقل ومن المؤجرين الذين يتذرعون في بعض الاحيان بحاجتهم لشققهم فيما هم ينوون تأجيرها على آخرين بسعر اكبر.
من بيت ملك الى إيجار ام عبدالله نموذج مختلف عمن سبقها من المستأجرين سردت علينا حكايتها قائلة : كنت اعيش في بيت ملك مع زوجي رحمه الله وأبنائي ولكن بعد وفاة زوجي انقلب ابنائي وبناتي المتزوجون ضدي وطالبوني ببيع بيت ابيهم لأخذ نصيبهم منه دون ان يفكروا بما سيكون عليه وضعي انا امهم التي عشت شبابي بأكمله في بيت ملك لي حتى اضطر في آخر ايامي للعيش في الايجار كما انهم لم يفكروا في باقي اخوتهم غير المتزوجين الذين لا يعملون في وظائف ثابتة. واسترسلت في سرد حكايتها: رضخت للضغوط التي تعرضت لها من قبل ابنائي وبناتي المتزوجين وبعنا البيت واخذ كل واحد نصيبه ولكن نصيبي انا واثنين من ابنائي غير المتزوجين لم يكف لشراء بيت فبدأنا نذوق مرارة العيش في الإيجار والتنقل من منزل الى اخر وأنفقنا ما كنا نملكه في دفع مقدم لتلك الشقق التي يطالب مالكوها بدفع عدة اشهر مقدما واليوم انا مجبرة على ترك الشقة التي اعيش فيها لان صاحبها رفع الايجار بشكل كبير جدا وأنا امرأة اعيش من معاشي ومعاش زوجي التقاعدي اما ابنائي الذين يعيشون معي فلا استطيع الاعتماد على رواتبهم لأنها غير ثابتة.
ذقت الأمرين اما احمد المتزوج حديثا فتحدث معنا قائلا: عندما بدأت استعد للزواج واجهتني مشكلة البحث عن سكن ملائم وذقت في سبيل ذلك الامرين فكنت ابحث طوال الوقت عن شقة ملائمة وبسعر معقول وكان يصدمني تعنت وتعسف اصحاب الشقق وشروطهم التعجيزية التي يفرضونها ناهيك عن اسعارها المبالغ فيها فيما شققهم لا تستحق كل تلك الشروط القاسية التي يفرضونها على المستأجرين حتى اني كدت أيئس من الحصول على شقة مع اقتراب موعد الزواج الى ان تمكنت من الحصول على شقة ملائمة على الرغم من أن سعرها كان اكثر مما كنت اتوقعه ولكن لم يكن بيدي حيله فقد خشيت من ارتفاع الايجارات اكثر من ذلك خاصة ان وجود النازحين من محافظة ابين فاقم من معاناة امثالي الباحثين عن شقق للإيجار لأنه كشف جشع المؤجرين الذين يسعون لاستغلال حاجة الناس للسكن وكأننا نملك كنوزا متناسين اننا موظفون حكوميون نعيش من رواتبنا.
حطم شقتي ولان الحديث عن الإيجار ومشاكله لن يكتمل بدون معرفة آراء المؤجرين التقينا بالأخ نصر الذي كانت له تجربة سيئة مع احد المستأجرين حيث قال : جاءتني فرصة للعمل خارج محافظة عدن فقررت تأجير شقتي والاستفادة من ايجارها خاصة ان متطلبات الحياة صارت كثيرة ولكن عندما حدثت الازمة قررت العودة الى عدن والبقاء في شقتي خاصة ان عقد الايجار بيني وبين المستأجر قد انتهى وعندما طلبت منه اخلاء الشقة لأنني انوي العيش فيها وجدته يماطل في الخروج من الشقة متذرعا بأنه لم يجد شقة ينتقل اليها فأعطيته مهلة اخرى ليجد لنفسه مكاناً آخر يسكن فيه وعندما انتهت تلك المهلة رفض الخروج بل انه كان يرد بوقاحة شديدة وكأنه هو صاحب الشقة وليس مستأجراً وبعد وساطات عدة من قبل الجيران وافق على الخروج وأعطيته فوق ذلك مبلغاً من المال ليخرج من شقتي لأنني كنت اريد ان اسكن عائلتي فيها وقد فوجئت عند دخولي للشقة انه تعمد تخريبها كنوع من الانتقام لأنني لم ابقه بالشقة. وأضاف بعد هذه التجربة لا افكر مطلقا بتأجير شقتي .
لسنا مستغلين نافيا عن نفسه وعن غيره من المؤجرين تهمة الجشع والشروط التعجيزية التي يضعونها للمستأجرين تحدث معنا الاخ عوض قائلا : نحن نعاني كثيرا مع المستأجرين فنحن نسلمهم شققاً نظيفة وملائمة ولكننا نفاجأ بعد تركهم لتلك الشقق انهم احالوها الى خراب فنضطر الى ترميمها من جديد لذلك نلجأ إلى رفع الإيجار قليلا او نضع بعض الشروط لنضمن المحافظة على شققنا فنحن ايضا دفعنا اموالا في بنائها وبالتالي لن نسمح لأحد بالعبث بها فطريقة تعامل المستأجرين مع شققنا هي التي تجبرنا على التعامل معهم بتلك الطريقة ولا تختلف معه بالرأي الاخت سامية التي تقول انه في كل مرة يأتيها مستأجر تحرص على ان تكون الشقة ملائمة وتدخل عليها التعديلات التي ترى انه قد يكون بحاجة إليها ولكنها تظن انها لكونها امرأة يجعلها تقع في مشاكل مع المستأجرين الذين لا يلتزمون بدفع الايجار بانتظام بل يماطلون في دفعه كما انهم يتقاعسون عن تسديد فواتير الماء والكهرباء وعندما تنهي مدة تسديد الايجار يخرجون من الشقة بطلوع الروح وبعد تخريبها بشكل متعمد .