أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    احتجاجات للمطالبة بصرف الراتب في عدن    "تسمين الخنازير" و"ذبحها": فخ جديد لسرقة ملايين الدولارات من اليمنيين    الكشف عن آخر التطورات الصحية لفنان العرب "محمد عبده" بعد إعلان إصابته بالسرطان - فيديو    دورتموند يقصي سان جرمان ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    ذمار: أهالي المدينة يعانون من طفح المجاري وتكدس القمامة وانتشار الأوبئة    ردة فعل مفاجئة من أهل فتاة بعدما علموا أنها خرجت مع عريسها بعد الملكة دون استئذانهم    اعلامي مقرب من الانتقالي :الرئيس العليمي جنب الجنوب الفتنة والاقتتال الداخلي    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يجدد فوزه امامPSG    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    إهانة وإذلال قيادات الدولة ورجالات حزب المؤتمر بصنعاء تثير غضب الشرعية وهكذا علقت! (شاهد)    زنجبار أبين تُودّع أربعة مجرمين... درس قاسٍ لمن تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع    اتفاق قبلي يخمد نيران الفتنة في الحد بيافع(وثيقة)    شبكة تزوير "مائة دولار" تُثير الذعر بين التجار والصرافين... الأجهزة الأمنية تُنقذ الموقف في المهرة    الأمم المتحدة: لا نستطيع إدخال المساعدات إلى غزة    صنعاء.. إصابة امين عام نقابة الصحفيين ومقربين منه برصاص مسلحين    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    البنك المركزي اليمني يكشف ممارسات حوثية تدميرية للقطاع المصرفي مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34789 شهيدا و78204 جرحى    قيادات حوثية تتصدر قائمة التجار الوحيدين لاستيرات مبيدات ممنوعة    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    الاتحاد الأوروبي يخصص 125 مليون يورو لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مميز    أبو زرعه المحرّمي يلتقي قيادة وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في مديرية بيحان بمحافظة شبوة    ارتفاع اسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    العين يوفر طائرتين لمشجعيه لدعمه امام يوكوهاما    ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    تنديد حكومي بجرائم المليشيا بحق أهالي "الدقاونة" بالحديدة وتقاعس بعثة الأمم المتحدة    الأمم المتحدة: أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة مميز    مجلس النواب ينظر في استبدال محافظ الحديدة بدلا عن وزير المالية في رئاسة مجلس إدارة صندوق دعم الحديدة    باصالح والحسني.. والتفوق الدولي!!    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    تهامة.. والطائفيون القتلة!    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الرئيس صالح بين الواقع الموضوعي وأخطاء القوى الحديثة
نشر في حياة عدن يوم 12 - 08 - 2009

span style=\"color: #800000\"ما هي أسباب فشل بناء الدولة الحديثة؟
أتناول في المقالة تجربة حكم الرئيس صالح ودور القوى الحديثة في مرحلة حكمه كمحاولة لمعرفة أسباب فشل بناء الدولة الحديثة، وسأحاول أن أكون محايداً وموضوعيا ومتحيزا للقيم والمبادئ التي تحكم مشروع الثورة كما أفهمه وأقرأه. وهنا لابد من الإشارة إلى أن محاولة فهم التاريخ الذي مازال فاعلا بقوة يمثل إشكالية عويصة، لأن القراءة تخفي خلفها صراعات اللحظة الراهنة، لذا فإن فهم التجربة ونحن في نقطة محورية من التحولات لابد أن تنحاز للمستقبل.
وأؤكد أن فهم التجربة لا يهدف إلى الإدانة وأنما إلى نقد التجربة من أجل البناء، والنقد لا يعني تجاهل تاريخ الرجل وانجازاته التي قدمها لوطنة في ظل واقع موضوعي ربما يجعل السياسي يتخذ قرارات قد لا تتوافق مع ما يجب أن يكون، ولأن السياسة واقعية ولا تحكمها المثاليات فإن السياسي مجبر على التعامل مع واقعه، والقرار الذي قد يفهم من قبل مثقف أو متابع أنه خطاء ربما هو الصائب لدى صانعه في ظل المدخلات المختلفة التي قد لا يطلع عليها المثقف المنحاز عادة لرؤية مثالية ولما يجب أن يكون لا لما هو كائن.
span style=\"color: #800000\"الفئة الفلاحية تفوز بالكرسي الرئاسي بدعم التاجر والليبرالي
وفي البداية يمكن القول أن الرئيس صالح شخصية متحفزة ومتفائلة يملك سمات القائد، جاء من فئة فلاحية، وقد أثبت وجوده في بنية الجمهورية من خلال المؤسسة العسكرية كبنية حديثة مستندا على ملكاته وقدراته، والثورة بمبادئها وقيمها هي القوة الفعلية التي فتحت له المجال لأثبات ذاته كفرد قادم من خارج النخبة، لذا فإن دفاعه عن الجمهورية بإخلاص ثوري منحاز للقيم والمبادئ الوطنية هو في المحصلة النهائية دفاع عن الذات والوجود.
كان صالح قبل توليه الرئاسة جزء من الصراع السياسي وكان شخصية بارزة ومعروفة في وسط رجالات الحكم، وعندما سقط الغشمي في صراعات السياسة وصل إلى السلطة بذكائه وتحالفاته التي نسجها، تدعمه مراكز قوى بعضها صادق وأغلبها حاولت ان تتجاوز صراعاتها بإختيار شخصية لا تملك سند قوي، ونستثني هنا التاجر الذي كان له دورا في دعمه وفق حسابات ذكية، فقد منحه التاجر المال الضروري لكسب الآخرين في لحظة تحول محورية.
كان التوافق على صالح يمثل للقوى المتنازعة باختلاف تياراتها الفكرية وقواها المصلحية في لحظة قلقة ضرورة ومرحلة انتقالية يمكن تجاوزها لاحقا، وكانت ترى القوى المتصالحه على أختياره أن صالح رغم أنه شاب متحمس وطموح ويملك ديناميكية غير عادية في التواصل مع الآخرين إلا أنه لا يشكل خطر محدق فهو قادم من المؤسسة العسكرية التي تعاني من الضعف، والأهم من ذلك أن الضابط الشاب لا وجود له في صراعات الاحزاب وتنظيماتها السرية، والتي أخترقت المؤسسة العسكرية والأمنية وأخرجتها من وظيفتها الطبيعية وأنهكتها في تناقضاتها الايديولوجية ومصالحها الأنانية، كما أنه ينتمي إلى فئة فلاحية في جيب حاشدي معزول ومحاط بقبائل منافسة لحاشد وربما معادية لسنحان، لذا فقد شكل خيارا وسطا لضبط الصراعات، وكبح طموحات القوى المتنازعة حتى لا ينهار مشروع الثورة، وحتى لا تفقد القوى المختلفة مصالحها في ظل واقع غامض، وأغلبها كان لديها أعتقاد أن تجاوزه فيما بعد سيكون أمرا سهلا.
كانت القوى الحديثة في اللحظة المؤسسة لنظام صالح قوية وحضورها فاعل مقارنة بالسابق، فالتجربة في الساحة منذو قيام الثورة وفترة الرئيس الحمدي أسهمت في تراكم الخبرة، كما أن أنصار القوى الحديثة زاد عددهم مع التطور الفعلي الذي أحدثته الجمهورية، ورعم كل ذلك لم تتمكن من بناء تحالفات لصالح القادم الجديد من الفئة الفلاحية المفترض أن موقعه الاجتماعي يجعله أكثر قربا من القوى الحديثة.
كان الصراع في هذه اللحظة التاريخية قد بلغ حده الأقصى، صراع متشعب ومعقد ومتداخل، فالقوى الحديثة تمارس النفي والإلغاء فيما بينها، وهي في حالة صراع ومواجهة مع القوى التقليدية القبلية والإسلامية، والقوى اليسارية في الجنوبية كانت في أوج قوتها إلا أنها تعيش صراع داخلي وكان تصدير المشاكل الداخلية إلى الشمال وتحويل الوحدة إلى قوة دفع لإدارة الصراع بين الرفاق لعبة ذكية من قبل موسكو لخلق تماسك داخلي وأيضا حاجة استراتيجية لبعض الأطراف في النظام في الجنوب، فالحرب مع الشمال من أجل الوحده كان هدفه محاولة إحداث تغيير في تركيبة القوى المتصارعة في الجبهة اليسارية في الدولة الشطرية التي كانت تنخر بنيتها صراع المناطق.
بدأ الرئيس تحالفه مع التجار والفئة السياسية الاقرب إلى التكنوقراط ومع الفئة الحديثة ذات التوجهات الليبرالية والفئات التقليدية المرنة والمنفتحة على الآخر والتي ارتبطت مصالحها بالدولة كالقضاة، كما أنه فتح خطوط تواصل مع القوى اليسارية وكان على استعداد لقبولها لتجاوز الصراع، لم تكن القوى القبلية والدينية هي المعترض الوحيد على تحالفاته التي حاول أن يدعم حكمه من خلالها بل أن القوى الأخرى كالقوميين لم يكونوا على استعداد لقبول دخول اليسار كشريك للنظام الجديد، وترى في القوى الأخرى الحديثة التي مصالحها مع أي قادم قوى أنتهازية وتقويتها قد يضر طموحها في الأستيلاء على الحكم.
لم يكن الخارج الأقليمي والدولي بمعزل عن الصراع بل لاعب أساسي، فالصراع كان له وجه دولي فالحرب الباردة مازالت رحها دائرة، لعبت السعودية دورا جوهريا في تغيير طبيعة التحالفات الداعمة للنظام الجديد لصالح القوى المعادية لليسار، وعملت على إسناد قوته بالإسلاميين وبالقبيلة وبالدوائر المرتبطة بالرياض، وحاول النظام أيضا أن يسند قوته بالمؤسسة العسكرية والأمنية رغم إدراكه أنها مخترقة من القوى القومية والتي لها وجود قوي في المنظومة المدنية للدولة وفي المجتمع.
لم تحاول القوى القومية أن تتحالف مع صالح لأنها أعتقدت أنه غير جدير بقيادتها وبينما كان حزب البعث يعيد ترتيب صفوفه لقلب الطاولة على الجميع فإن الناصريين بحكم القوة التي كانوا يملكوها قد أعدوا عدتهم للعودة إلى السلطة بالانقلاب والاستيلاء علي الحكم بالكامل بعد أن كانوا أقوى شركاء نظام الرئيس الحمدي، ونتيجة الفشل فقدت القوى القومية قدرتها على التأثير لاحقا رغم تمكن البعث من التحالف مع الرئيس في فترة لاحقه ولكنه ظل تيارا مستجيبا لمصالح النظام وجزء من نخبته ذات الاصول المشائخية، والجدير بالذكر أن شخصيات ناصرية بدعم من قوى متنفذة حديثة وقريبة من صالح أستطاعت أن تصل إلى مراكز متقدمة وتحالفت مع صالح ودعمته بإخلاص.
span style=\"color: #800000\"الحرب الباردة وعقدة الأنقلاب جعلا القبيلة والأصولية هما الحل
وفي معمعة الحرب مع اليسار ومواجهة التيارات الحزبية تحول الاسلامميون والنخب القبلية إلى قوة فاعلة في الصراع وداعمة لشرعية النظام وتم إعادة بناء الجيش والأمن وفق مواصفات حذرة ركزت على الولاء لرموز النظام الجديد واختيار القيادات الاكثر تشددا في مواجهة اليسار ومن قبيلة الرئيس وأقربائه ومن أبناء أسر قبلية تقليدية لا تشكل تكويناتها قوى معسكرة ولم تخترقها التنظيمات الحزبية وطموحها محصور في الاستفادة من الدولة دون طموح في الإستيلاء على الحكم، وكان من الضروري خلق صراعات داخل هذه القبائل من خلال بناء قيادات مصنوعة بقوة الدولة من أبناء الأسر الفقيرة.
أما القوى الجديدة المتعلمة والمثقفة الغير منتظمة سياسا في التيارات الفكرية فقد عزلت نفسها عن الصراع وفي ظل الصراع المحموم بين النظام والقوى المعارضة وجدت نفسها ملحقة بالنظام وتحولوا إلى أدوات لشرعنت الحكم الجديد ورغم خدماتها التي قدمتها إلا أنها لم تتمكن من فرض نفسها بل انخرطت في همومها ومصالحها وتمكن النظام من تصعيد الافراد الأكثر قدرة على التماهي مع المصالح الذاتية ولديهم حس انتهازي في مواجهة أعداء النظام ومعارضية.
ومع قوة رسوخ النظام تم استيعاب القوى الحديثة في بنيته لكن بعد ان تشكل لصالح القبيلة والقوى الإصولية، حاول الرئيس أن يقوي من عضد القوى الحديثة في الجهاز المدني للدولة إلا أنها تحولت مع الوقت إلى مراكز قوى متصارعة فيما بينها وملحقة بالقوى الفعلية المهيمنة على المنظومة، ولم تتمكن من فرض أجندتها لأنها خائفة والشك يحيط ببعضها، ومع تزايد قوة الإسلاميين ضعف دورهم وأصبح القول الفصل في القضايا المحورية يتحكم فيها الإسلاميون وقد التحم وعيهم الإصولي مع الوعي القبلي وتمكنوا من أختراق النخب القبلية والمؤسسة العسكرية والأمنية وسيطروا على مؤسسات التعليم الرسمية وغير الرسمية.
حاصرة القوى المثقفة نفسها في دوائر ضيقة وكلما حاول بعض افرادها التمرد فكريا لا سياسيا خنقته الثقافة التقليدية وتمكن الاخوان المسلمين من اسكات كل صوت يحاول ان يفكر بطريقة مغائرة عن الثقافة السائدة، أما النخبة الحاكمة في ظل ضعف النخب المثقفة وعجزها عن مواجهة الفكر التقليدي ومع تهافتها على فتات الغنائم فقد فقدت هيبتها، وأصبحت معزولة تمارس خوفها وانتقامها من خلال احتقارها لرموز النظام وإعادة تعبيئة المجتمع من خلال وعي عصبوي لمواجهة هيمنة النظام السياسي، فوقعت في فخ الوعي المرسخ لقوة النظام.
span style=\"color: #800000\"دولة الوحدة ووقوع القوى الحديثة في فخ نقيضها
لم تتمكن القوى الحديثة مع الوحدة من تنظيم نفسها وترتيب صفوفها لصالح مشروع واضح، بل أن قدوم اليسار بكل قوته من الجنوب وإدارته لمعركة التحولات بآليات ووعي القبيلة رغم الخطاب الذي عبر عنه المشروع الحضاري للحزب مكن القوى التقليدية القبلية والإصولية وباسناد قوي من القوى الحديثة التي تتناقض مصالحها وأفكارها مع اليسار من أفشال مشروع اليسار بل والقضاء عليه في حرب شرسة مازالت آثارها تنتج صراعات مدمرة لمشروع الحداثة في اليمن.
حاولت بعض القوى الليبرالية مدعومة بتحولات عالمية فرضتها العولمة في التسعينيات أن تتجه نحو بناء الدولة الحديثة، وبدأت معركتها مع القوى الأصولية والقبلية إلأ أنها في صراعها رغم انتصارها في أخراج الأخوان من السلطة أستخدمت أدوات الدولة وتحالفات تقليدية دينية وقبلية فوقعت في فخ نقيضها وأصبحت راضخة لقوى الغنيمة، فاصبحت الليبرالية صوت خافت غير قادرة على مواجهة فساد الدولة والفوضى المهيمنة على مؤسساتها، ونتيجة خوفها من عودة القوى التقليدية حولت الدولة إلى أداة في المواجهة فأضاعت المشروع الديمقراطي والقيم الليبرالية لصالح القوى الفعلية في الساحة وهي قوى الغنيمة التي أنتجت الفساد والصراعات وأوصلت اليمن إلى مأزق كبير ربما يقود الدولة إلى أحضان التيار الديني القبلي أن لم يتم إعادة الاعتبار للدولة وفرض هيبتها وسيادتها بفرض النظام والقانون وتأسيس شرعيتها على القيم المدنية.
span style=\"color: #800000\"هل تتخلص القوى الحديثة من عقدها؟
في هذه المرحلة التاريخية وهي لحظة محورية ومفصلية تبدو القوى الحديثة تائهة ولا تمتلك مشروعا، ورغم قوتها وقدرتها على فرض أفكارها والتي هي في أغلبها أفكار منحازة للقيم الليبرالية وللديمقراطية وللدولة المدنية إلا أنها مشتتة ولا تملك خبرة سياسية لذا فإنها تتحرك بمعزل عن التحولات، والمفترض ان تستفيد من خبرة القوى الحديثة في بنية الدولة مهما كان اختلافها معها وتتبنى مشروع وتدير معاركها الفكرية بحسم دون أن يمنعها ذلك من تقديم التنازلات عبر مساومات السياسة والتحالف مع اطراف فاعلة في الساحة قريبة من مشروعها حتى وأن كانت منغمسة في الفساد.
على القوى الحديثة أن تدرك أن السياسة وصراعتها لا يحكمها المثاليات ورغم أهمية المواقف المبدئية إلا أن السياسة لعبة وهي فن الممكن، وفي تصوري أن دعاة العصر إذا طوروا حس سياسي عالي مع تحفز فكري ورغبة في التغيير فقد يتمكنوا في هذه اللحظة المحورية من التاريخ من تغيير مسار التاريخ خارج سياقاته التي يتحرك فيها حاليا وهي سياقات تتجه نحو القوى التقليدية التي سإتدخل اليمن في مأزق خطير ورغم أن جزء من هذه القوى يوحي خطابه أنه يحاول أنه يتجه نحو التحديث إلا أن الخلفية والمشروع المحرك للخطاب سيجعل اليمن في قعر جهنم الإصولية والقبلية.
span style=\"color: #800000\"لماذا فشلت القوى الحديثة في عهد صالح من فرض وجودها ورؤيتها؟
باختصار يمكن القول أن المجتمع اليمني مجتمع أمي وبدائي يهيمن عليه وعي القبيلة والثقافة التقليدية القبلية والدينية وهي بنية راسخة، ولم يتمكن التعليم من مواجهتها ولا من الحدّ من أنتشارها بل أن القوى المتعلمة أعادة أدلجة وعي القبيلة من خلال القيم الجديدة لتظهر الصراعات السياسية بقيم حديثة مؤسسة على وعي عصبوي قبلي او مناطقي او عرقي أو مذهبي، ولأن القوى القبلية هي الأكثر تنظيما وتملك قوى معسكرة خارج الدولة (العسكري البراني) لذا فقد فرضت وعيها ومصالحها على الجميع واصبح أي حاكم يريد ان يستمر في حكمه مجبرا على أن يتحالف مع القوى الفاعلة في الساحة. كما أن النخبة الفكرية والمثقفة لم تتمكن من بناء منهجية نقدية للثقافة التقليدية، وعلى العكس من ذلك تم أنتاج دراسات للقبيلة عملت على التأصيل لها بمناهج علمية، وتم تقديم دراسات للتاريخ بطريقة تعيد أنتاجه وتشرعن للوضع القائم، وكان المفترض أن يتم تقديم دراسات نقدية تفكك القبيلة لصالح الدولة ويتم إعادة بناء التاريخ لتجاوزه من خلال شرعنة التغيير.
المسألة الثانية التي أصعفت القوى الحديثة أن هيمنة القوى التقليدية والتيار الديني على الدولة أدى إلى تمكن هذا التيار من إمتلاك السلطة والثروة، ولأن المجتمع فقير والقطاع الخاص ضعيف وهش ويعتمد على الدولة وجزء كبير منه نتاج للدولة وأغلب أطرافه جزء من لعبة الفساد الذي يحكم الدولة، ولأن الدولة هي مصدر الثروة والنفوذ فإن القوى الحديثة المتعلمة في مجتمع لا يُقدر العلم، وأسرة لا تشجع أبنائها على معارضة الدولة لأن ذلك يقود أبنائها حسب أعتقادها إلى الفشل وربما توريط أعضائها في مشاكل لا حصر لها.
ويمكن القول أن نجاح الفرد المتعلم بفكره الجديد أرتبط بتحقيق النجاح في خلال مراكمة الثروة وبناء النفوذ لا من خلال نضاله من أجل التغيير، ولأن الدولة هي المصدر السهل لذلك عبر الوظيفة. وفي معركة البحث عن الوجود من خلال الدولة أصبح ولاء القوى الحديثة للقوى المنتجة للقوة والنفوذ مدخل أساسي لفوزها بالثروة، لذا فقد تحول جزء من القوى الحديثة إلى قوى موظفة تخدم الدولة وتوالي قواها المهيمنة وتمارس الفساد لتشبع رغبتها وتفرض وجودها الاجتماعي من خلال المظاهر الاستهلاكية البذخه.
الدولة في اليمن هي مصدر الثراء لذا فقد وقعت كل القيادات الحديثة والنشطة في آلة الدولة والتي يتحكم فيها مراكز قوى تمكنت من توظيف هذه القوى في تسيير شئون الدولة وتوظيفها في عمليات النهب، ومع الوقت أصبحت الغنيمة هي محور النشاط والفعل لدى أغلب القوى فماتت الدولة لتبدو هياكل مفرغة من معناها، أما القوى النزيهة من القوى الحديثة فقد تم نبذها أو أستمرت ل تقاوم بطريقة ذكية ولكنها غير مجدية من خلال توريط الرموز القيادية في الدولة في مشاريع التغيير إلا أن البنية المتماسكة للفساد أصبحت أكبر من الجميع وهي وحدها المتحكمة بالمفاصل المختلفة للدولة، وأسهم في تعميق هذه الإشكالية أن اليمن مجتمع فقير وغير منتج وموارده محدودة ويعتمد على الاستهلاك.
ولأن الدولة اليمنية دولة ريعية ومع تعمق الفساد والصراعات المتلاحقة على الموارد بين النخب لم يحدث أي تراكم للثروة، ولأن المجتمع اليمني مجتمع لا علاقه بالإقطاع والقطاع الخاص بدون الدولة ربما ينهار ولأسباب أخرى لم تتشكل نخبة غنية قادر على تكوين مصالح كبيرة تستند في أستمرارها على دولة منظمة القانون حاكمها، وبدل من ذلك خلقت الدولة طبقتها الغنية، وهي طبقه طفيلية لا يمكن أن تتحرر من منافع الدولة، فمثلا سنجد أن النخب المجتمعية القبلية اعتمدت كليا في خلق قوتها المالية على الدولة وأنشطتها الاقتصادية تركز على الجانب الاستهلاكي وتراكم أرباح تلك الأنشطة مزدوج من خلال المستهلك ومن خلال أستغلال الدولة.
ورغم وجود طبقة غنية في اليمن إلا أن تأثيرها سلبي لأن القوى النخبوية الغنية في المجتمع القبلي والدولة وفي القطاع الخاص لم تتمكن من أحداث تراكم للثروة حتى تحدث تحولات فعلية لصالح الانتاج، بل أن جزء من الطبقة التي خلقتها الدولة أصبحت توظف قوتها الأقتصادية في صراع السياسة، وقد يبدو هذا الصراع إيجابي لصالح التغيير إلا أنه في حقيقته صراع يهدف إلى الهيمنة على الدولة بهدف تضخيم الارباح واستغلال المجتمع من خلال السيطرة على الدولة وتوظيف امكاناتها لتراكم الثروة. مع ملاحظة أن الطبقة الغنية ملحق بها فئة واسعة من المنتفعين وأغلب هؤلاء لا يبحثون عن دولة بل عن صراعات تسهل أستمرار غياب الدولة وبالتالي أستمرار الانتفاع من خلال النهب.
والجدير بالذكر أن إتساع رقعة العملية التعليمية في اليمن لم يؤسس لقيم الحداثة فمكانة الفرد مثلا لا تعتمد على كفاءاته ومؤهلاته العلمية بل على أنتمائه للجماعة وهذا الانتماء هو الذي يحدد مكانته داخل الدولة، ولأن مفاصل القوة في المجتمع موروثة وهناك طبقة واسعة من الأسر المهيمنة على المجتمع ومتجذرة تاريخيا ولم تتمكن الثورة من الحدّ من سلطتهم ونفوذهم بل أن التطورات السياسية قوتهم، ونتيجة لذلك فقد هيمن الشيخ والاعيان والقضاة وبعض الأسر الهاشمية وأبناء التجار على أهم المفاصل في الدولة. ومع الوقت شكلوا طبقة حاكمة مصالحها في أستمرار الوضع على ما هو عليه، مع ملاحظة أنها قد تتصارع فيما بينها بدماء الشعب لكنها شبه متفقة على عرقلة بناء الدولة الحديثة، مع ملاحظة أن جزء كبير من هذه الطبقة قوى حديثة إلا انها تماهت مع مصالحها وحولت افكارها إلى مكياج تزييني لاستمرار هيمنة الطبقة الحاكمة بتفرعاتها المختلفة، وهنا نؤكد أن الرئيس صالح ليس إلا القوة المتحكمة في هذه الطبقة ورغم أنه أبن فلاح إلا أنه أنحاز لمصدر القوة التي تدعم هيمنته.
ونأتي لمسألة في غاية الأهمية وهي المؤسسة العسكرية التي لم تتمكن من خلق الحداثة، فهذه المؤسسة هي القوة التي بإمكانها مواجهة القوى المعيقة للأفكار المتعارضة مع المشروع الوطني، بل وبإمكانها أن تتحول إلى قوة جبارة وفاعلة لدعم أي تغيير لصالح المشروع الذي من المفترض أنها تنتمي إليه وهو مشروع الجمهورية الذي يتجلى في الراهن في القيم الأنسانية التي تتجلى في مشروع الحداثة.
مشكلة المؤسسة العسكرية أنها ارتبطت بالمشروع الوطني في ظل عموميات وشعارات عامة، بمعنى أنها لم تمتلك مشروع للتغيير بل كان مشروعها الحفاظ على الوضع القائم وتم تحويلها إلى قوة لدعم النخبة في مواجهة العسكري البراني في القبيلة ومواجهة القوى الراغبة في تغيير الوضع القائم، بمعنى أن المؤسسة العسكرية لم تدافع عن مشروع بل كانت وظيفتها أسناد قوة الحاكم في مواجهة خصومه في الداخل سواء داخل الطبقة الحاكمة أو خارجها، والمشكلة العويصة أن الفئات التي هيمنت عليها في فترة الرئيس صالح كانت تنتمي إلى القوى التقليدية لذلك فقد تحولت إلى أداة تحكمها القوى التقليدية وبدل أن تتمكن المؤسسة بحكم طبيعتها من تحديث القوى التقليدي إلا ان القوى التقليدية بفعل أنعدام المشروع وسيطرة الإسلاموية تحولت إلى قوة لعرقلت التحديث.
span style=\"color: #800000\"تساؤلات قلقة
وأسأل بعد هذا الاستعراض العجل: هل ما يجري في الساحة من صراعات سيقودنا إلى دولة النظام والقانون؟ وهل سيتم محاصرة الفساد وكفى الله المؤمنيين شر القتال؟ أما أن الصراع سيقودنا إلى إعادة أنتاج الدولة الفاسدة؟ ما هو دور القوى الحديثة في المرحلة القادمة؟ وماذا عن المؤسسة العسكرية هل ستتحول في ظل القادمين الجدد إليها إلى قوة لحماية التحديث وترسيخ قوة الدولة الحديثة ودعم القوى المدنية الباحثة عن دولة عصرية أم أنها ستعيد انتاج تاريخ المؤسسة وتجرها صراعات المصالح في ظل سذاجة القوى الحديثة العاجزة عن فهم واقعها لتقع المؤسسة فريسة للقوى التقليدية؟
هل كان صالح واقعي في سياسته وحكمه وكان مخلصا للواقع الموضوعي ولم يسعى إلى تغييره؟ يمكن القول أن القائد السياسي له دور كبير في إحداث التغيير إلا ان القائد السياسي مهما كانت طموحاته هو في نهاية الأمر نتاج لواقعه. وعليه أسال هل كان الرئيس قادر على حماية مشروع التحديث لو تمكنت قوى حديثة من بناء مشروعها ووحدت صفوفها وكانت أكثر مرونه في صراعها؟ وسؤال مهم أوجهه للباحثين عن التغيير من القوى الحديثة في المرحلة القادمة .. لماذا نجح الأخوان المسلمين في أن يتحولوا من جماعة ضعيفة ومحاصرة في نهاية السبعينيات إلى قوة تطرح نفسها اليوم كبديل؟ ولماذا هزمت القوى الحديثة وهي من انتج الثورة وهي المعبر الفعلي عن طموحات اليمنيين؟ لماذا تاهت الثورة وهيمنت عليها قوى تناقض أهداف الثورة وقيمها ومبادئها؟ والسؤال الأكثر أهمية لماذا تحول أبن الفلاح في بنيتها إلى قوة طاغية متعاونة وداعمة لمستغلي المشروع الجمهوري؟
هل بإمكان المرء أن يخون ثورة خلقته ورفعته مقاما عليا؟ إشك بإمكانية ذلك!!!
(التغير نت)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.