ما حدث في تونس خلال الأسابيع القليلة الماضية جدير بالتأمل، وأكثر الأحداث إثارة تلك التي حدثت في الساعات التي سبقت إعلان مغادرة الرئيس السابق زين العابدين بن علي البلاد وتولي رئيس وزرائه محمد الغنوشي، فلم يكن أحد منا يتوقع أن تؤول الأحداث إلى ما آلت إليه بعد أيام من الترقب الذي ساد كل البلاد العربية؛ فقد سيطرت أحداث تونس على جميع العرب الذين لم يألفوا مثل هذا النوع من الأحداث والتطورات، فقد صدق الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي عندما قال: "إذا الشعب أراد يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، وهنا طبق الشعب التونسي صدق تنبؤات شاعره الكبير مع تحريف بسيط في البيت الشعري، مفاده: "إذا الشعب يوماً أراد التغيير فلابد أن يستجيب القدر". يُشهد لما جرى في تونس أنه كان ثورة بيضاء، بصرف النظر عن أعمال العنف التي استغلها بعض الأطراف لتشويه هذه الثورة؛ لكن يجب قراءة مضامين هذه الثورة البيضاء بتأنٍّ ومن أبعاد مختلفة، فالأوضاع التي تعيشها الشعوب العربية لم يعد السكوت عنها ممكناً، صحيح أن أوضاع كل بلد يختلف عن البعض الآخر، إلا أن معاناة الناس واحدة، ويجب على الحكام أن يتنبهوا لغضب الناس الذي يمكن أن يجرف كل شيء ويحرق الأخضر واليابس معاً، والمعالجة بخسائر، وبشكل مبكر أقل أفضل من خسارة كل شيء في وقت متأخر. لقد تحاشى رئيس البلاد السابق معالجة الاحتقانات السياسية وحرية الإعلام ومعالجة الفساد التي كانت رائحته تزكم الأنوف، مع أنها كانت تطفو إلى السطح يوماً بعد اليوم، وظل يعتقد أن كل ما يقوم به هو الصحيح، وتجنب النصائح التي كانت تقدم إليه من بعض المقربين منه، بل وحتى من حلفائه، وعندما حانت ساعة الحقيقة أراد التغيير والاستجابة لمطالب الناس عندما قال إنه يتفهم مطالبهم ، كان الوقت قد فات. ما ميز ثورة الأشقاء في تونس أنها لم تركن إلى المعارضة، بل خرج الناس لوحدهم وبشكل عفوي بدون ضوء أخضر من أحد؛ فيما لحقت بهم المعارضة في وقت لاحق، ورأينا كيف أن قادة أحزاب نزلوا إلى الشارع، وهي عديمة الخبرة بالمواجهات مع النظام، رأينا شبابا من مختلف الأعمار يتقدمون الصفوف وأساتذة جامعيين ونقابيين، ولاؤهم الوحيد كان لتونس ورغبتهم الوحيدة هي التغيير، وهي الإشارة التي لم تفهمها ولا تريد أن تفهمها معارضات عديدة في أكثر من بلد عربي، التي تعارض من خلف المكاتب ومن بعض القاعات وعبر البيانات والمواقع الإلكترونية. لقد عاش العرب أياماً استثنائية وهم يراقبون مسار الأحداث في تونس في ثورتهم البيضاء، وهي الأيام التي غيرت الكثير من المفاهيم عند المواطن العربي الذي كان قد بدأ يفقد الأمل في التغيير، وتحول إلى متحفز لتغيير أوضاعه مستفيداً من التجربة التونسية.