ثمة سوء فهم وتشوش عند الكثير ولامبالة واستخفاف عن البعض بشأن معنى هذه العبارة, الشعار في مجملها فضلاً عن معاني كل كلمة بمفردها من هذا الثالوث المتناسق والمترابط والمتشابك في علاقة عضوية وظيفية متلازمة ومتبادلة التأثير والتأثر والدعم والاسناد, والسؤال هو: كيف يتحقق ذلك؟ لا ادعي امتلاك الجواب السحري هنا بقدر كوني مثلكم تماما اجهل الأمر واجتهد كي افهم المزيد من خلال وبواسطة النقاش والحوار والتواصل والاتصال والاخذ والرد وتبادل الرأي . بادئ ذي بدء يحسن بنا الاقرار بإن قيم التصالح والتسامح والتضامن لا تمتلك خبرة ثقافية تاريخية راسخة في مجتمعاتنا العربية الاسلامية التقليدية عامة ومجتمعنا الجنوبي تحديدا, التي تسود فيها قيم القوة والعنف والغلبة والاقصاء والتعصب والنبذ والهيمنة والتسلط والتحقير والازدراء الخ من القيم التي شكلتنا وشكلت تاريخنا الطويل منذ هابيل وقابيل وحتى اليوم , على ان معظم الامم والشعوب المتقدمة قد ادركت مبكرا الحاجة الحيوية الى تلك القيم في سبيل العيش الأمن والمستقر , اذ بدون التصالح يستحيل العيش في مجتمع مستقر, ومعنى التصالح هنا هو تصالح المرء مع ذاته ومع تاريخه مع اهله ومع جيرانه ومع الاخرين خصوم, منافسين , فعليين او متخيلين , وكل ما يعتقدهم مختلفين او مغايرين ممن يتقاسم معهم العيش المشترك في المجتمع كضرورة لا مفر منها , اذ يستحيل ان يتعايش مجموعة من الناس في مكان وزمان ممكنيين وهم في حالة تنافر وتنازع وصراع مستمر, هذا معناه ان التصالح ليس هبة او مكرمة او أمر عابر قابل للمساومة والتوفقات والرغبات, بل هو اول شروط الحياة الاجتماعية الممكنة في حدها الادنى , انه شرط سابق للعيش في الحاضر, وضرورة لا مفر منها للجميع, لايعني كما يعتقد البعض عفئ الله عن ما سلف , وتوافقنا واتفاقنا التنازل عن خصوماتنا التي لم تكن بارادتنا واختيارنا واعني هنا الخصومات السياسية والايديولوجية القاتلة المتعددة , التصالح من حيث هو قيمة اخلاقية ثقافية سيكولوجية عظيمة الاهمية والخطورة هو اكبر واوسع واعمق من مجرد قول الشاعر الجاهلي ( اذا احتربت يوما فسالت دماءها ___ تذكرت القربى فسالت دموعها ) التصالح المقصود هنا هو ان ندرك حقيقة وضعنا وان نفهم ونعي الاسبابالعميقة والدقيقة التي افضت بنا الى ما نحن فيه من حال ومآل فاجع ومصير كارثي ونتعلم من اخطائنا, واذا كان التصالح يتصل بالماضي ومعناه فانه الشرط الضروري للتسامح الذي يعني الحاضر ويتصل بالآني الفوري الحيوي المباشر, ويعني الاعتراف والاقرار والقبول بالاختلاف والتنوع والتعدد , التسامح لا يعني ان تحب جارك او غيرك بل يعني بالضرورة ان عليك احترامه, شعار التسامح هو علينا ان لا نغضب من اشباهنا ان هم تصرفوا على هواهم في ظل القانون, فمن حق الناس الشعور كما يحلوا لهم تجاه بعضهم البعض, لا يهمني ان كان جاري يحبني او يكرهني, تلك مشاعره ولا سلطان لاحد عليها, بقدر ما يعنيني بشدة ان احترمه وهو يحترمني, اي لا يضرني في نفسي ودمي وعرضي و ممتلكاتي, بذلك يكون التسامح شرط الحياة المشتركة في مجتمع أمن ومستقر رحيب وعادل وسلس ومنظم بعيد عن الخوف والتهديد والقلق والخصام والتنازع والظلم والبطش والظلام وكل السلوك اللاعقلاني العنيف الذي يمزق النسيج الاجتماعي ويحيل العيش الى جحيم لا يطاق , ومن هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الأمن المستقر الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمر ممكنا, بما يوفره من بيئة سليمة صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك القوية لدولة المستقبل, والمجتمع الذي نريد ان نكونه , جنوب جديد متصالح ومتسامح ومتضامن, آمن ووعادل ومستقر ومزدهر (ولا تدوم الدول الا بعدل صحيح وأمن راسخ وأمل فسيح ) كما قال ابو الحسن الماوردي .