كان أسبوعاً عصيباً على أبناء الجنوب ، ودعنا فيه خير شبابنا الأبرار ، كوكبة من الأبطال ترجلت عن ميادين النضال وزفت نحو الدار الآخرة بفعل وحشية آل القمع والارهاب والدمار ، ودعنا أكثر من عشرين شهيداً في غضون أيام فقط في كلاً من العاصمة عدن وحضرموت وباقي مدن الجنوب ، شباب في مقتبل العمر وأطفال في عمر الزهور وكهول مسنين ، لن تفرق بينهم همجية المحتل في شوارع وساحات المدن الجنوبية في ذكرى يوم الكرامة ، يوم استطاع أحرار الجنوب إفشال مسرحية ما تسمى بالانتخابات الرئاسية في فبراير من العام الماضي ..!
منذ ذلك التاريخ وإلى نظيره من العام الحالي واصل أبناء الجنوب نضالهم السلمي وخرجوا في مليونيات جماهيرية حاشدة أرهبت العدو قبل الصديق ، وأرسلت للعالم أجمع رسائل كافية وشافية بأن لا سبيل غير إعطاء الجنوبيين حقهم في استعادة دولتهم حرة أبية شامخة تنشد الأمن والامان وتنثر السلام بين الأوطان ، نعم لا مجال غير ذلك على الاطلاق فالشعب شب عن طوقه وخرج من قمقمه ولن يرضى بغير التحرير والاستقلال مهما كانت التضحيات ..!
كان عاماً حافلاً بالمآثر البطولية السلمية النادرة ، شعب يخرج بأكمله إلى الساحات ينشد الخلاص ويبحث عن حقه دون انتقاص ويسعى للحرية بكل ما أوتي من عزيمة وإخلاص ، ورغم ذلك يواجه بالقمع والقتل والرصاص ، ويحكم على طيفه الواسع عبثاً بالقصاص ..!!
من أكتوبر الأغر إلى نوفمبر النصر الأكبر ، مروراً بملحمتي يناير المجيد التي أذهلت كل المتابعين بقدرة جماهير الجنوب على تلبية نداء الواجب في اقصى وقت ممكن رغم الظروف المعيشية الصعبة لمعظمهم ، لكنها الإرادة الوطنية الجامحة والعنفوان الثوري المتقد والعزيمة التي لا تلين مهما بلغت حجم المصاعب والتحديات ..!
مؤخراً ومع حلول الذكرى الأولى ليوم الكرامة الجنوبي ، يوم الاصرار والانتصار ، يوم الملحمة التاريخية التي تكللت برفض شعبي كامل لمسرحية الانتخابات الرئاسية في العام الماضي ، قرر أبناء الجنوب أن يحتفلوا بذلك الحدث البطولي ، وكعادتهم تداعوا لمليونيه جديدة هي الخامسة في غضون اشهر قليلة فقط ، لكن سلطات البغي والعدوان ارتأت تعكير تلك المناسبة ، وحشدت أنصارها لكي يرقصوا ( البرع ) في ساحة العروض على الدماء والأشلاء الجنوبية التي كانت تحصدها دبابات ومصفحات وقناصة الأمن العام والمركزي وحراسات المجرم ( وحيد رشيد ) ..!
في صبيحة يوم الأربعاء الذي صادف ذكرى الكرامة 21/ فبراير / 2013م ، كان أحرار الجنوب يتدفقون صوب ساحة الشهيد الدرويش بمدينة خور مكسر يتقدمهم الزعيم حسن أحمد باعوم ، وحشود أخرى تتأهب في ساحة كريتر من أجل الانطلاق نحو ساحة الحرية ( العروض ) ، وكانت حينها آلة القمع والاجرام قد سبقتهم لتتمركز على طول وعرض الساحة حيث القوة العسكرية الضخمة في انتظار شباب عزل يهتفون سلمياً ويتظاهرون بصدور عارية ..!
ما إن أقترب الشباب من مداخل الساحة إلا وكانت فوهات المدفعية والدوشكا ومضاد الطيران والرصاص الحي تصوب نحو تلك الأجساد المسالمة ، وبكل صلف وهمجية وحقارة راحت تحصد أرواح الشباب الذين تساقطوا بين شهيد وجريح في مختلف الأزقة والساحات في عدوان بربري فاشي لم يسبق له مثيل ..!
المشهد كان موحشاً والموقف كان مهيب حيث صمود وعزيمة الأحرار تتحدى آلة القمع والقتل والدمار ، وتأبى إلا مواصلة المشوار بكل بسالة وشجاعة وإصرار ، لأنهم باختصار هم اصحاب الأرض والعرض والديار ..!
عشرات الشهداء والجرحى تناثرت اشلائهم وسفكت دمائهم فوق تراب الأرض في ملحمة جديدة سطرها أبناء الجنوب فداءً لأرضهم وانتصاراً لقضيتهم ، وإيماناً بعدالة مطالبهم ، فكانت الحصيلة الكبيرة التحاق أكثر من عشرين شهيداً في موكب شهداء الثورة الجنوبية بينما ما يقارب الستين جريحاً توزعوا بين مستشفيات العاصمة عدن يعانون من جروح بليغة وخطيرة ..!
لم يكتفي الاحتلال بما ارتكبه بحق أولئك الفتيان ، بل راح واعلامه المنحط يبرر كل تلك الدموية والهمجية باتهام الشباب المتظاهر سلمياً بالعناصر المسلحة التي أعتدت على الأمن المدجج بكل تلك الترسانة العسكرية الضخمة ..!
انتفاضة شعبية تنديداً بالمذبحة ..!
ساعات قليلة فقط احتاجها أبناء الجنوب بعد تلك المذبحة لكي يتناقلون الخبر المفزع ، فكانت ردة الفعل الغاضبة تعم كل أرجاء الجنوب ، المكلا وسيئون والحوطة وعتق وزنجبار وجعار وغيل باوزير والضالع وردفان ويافع وكرش وكل المدن والمناطق الجنوبية تشتعل غضباً وتتفجر حمماً في وجه المحتل بانتفاضة شعبية تدل على تماسك وتكاتف وتوحد شعب الجنوب وأنهم كالبنيان يشد بعضهم بعضا ..!
الاحتجاجات الغاضبة توسعت وامتدت وتعددت بين مظاهرات ساخطة ومسيرات عفوية منددة وعصيان مدني شامل الأمر الذي اربك حسابات المحتل وافقده توازنه ولم يجد حلاً غير استمرار استخدام القوة المفرطة ليسقط ايضاً شهداء وجرحى آخرين في معظم المدن الجنوبية ، ومازالت الأوضاع متوترة والأجواء أكثر سخونة واستعاراً ، وحزب الاصلاح المتسبب الأول في كل ما حدث أصبح في مرمى الغضب الشعبي العارم الذي لم يتوقف بعد ..!!
ويسألونك عن الحوار ..!!
بعد كل هذا القتل والتنكيل والدمار .. بعد كل تلك الهمجية والعدوانية والحصار .. بعد أن افتحوا على أهلنا وذوينا النار .. لا ينفكون يحدثونك عن الوحدة والحوار .. !!
قل فيهما إثم كبير وحسرة وبوار
فيهما إسفاف ومهانة وعار
فيهما خيانة لدماء شهدائنا الأبرار
فيهما متاجرة بتضحيات شبابنا الأحرار
فيهما مراوغة وخديعة وحرف للمسار
فيهما مصيدة لعرقلة الزحف نحو الانتصار
فيهما بيع للضمير وتنكراً للأرض والعرض والديار ..!!