span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/قراءة د.علي الهيل قد يتعذر فهم أسباب ومسببات اندلاع 'الحرب الأهلية الجديدة' والتي مؤخراً بدأت تراوح مكانها في اللاسلم واللاحرب في اليمن (بين يمنيي اليمن الواحد : يمنيو الشمال المتمثل في صنعاء ويمنيو الشمال الغربي المتمثل في صعدة، والمعروفون إعلاميا 'بالحوثيين') إذا ما تمت مناقشتها بمنأىً وبمعزل عن الظروف السوسيو تاريخية (الاجتماعية التاريخية). ظهرت جمهورية اليمن الحديثة إلى حيز الوجود، باسم الجمهورية العربية اليمنية، عام 1990 بعد اتفاق الوحدة الذي وحد شمال اليمن الفقير من حيث الموارد الاقتصادية والكفاءات البشرية عن الجنوب الغني بالموارد النفطية والمعدنية الأخرى وبذوي الكفاءة. ومع أن الحكام في الشمال معروفون بأيديولوجيتهم التقليدية والمحافظة وبالنهج الرأسمالي القريب من الغرب، مقارنة بأبناء جلدتهم من حكام الجنوب ذوي الأيديولوجية الماركسية (اللينينية) الشيوعية الاشتراكية، إلا أن سقوط الاتحاد السوفييتي (الملاذ الآمن للماركسية) يبدو أنه أقنع حكام الجنوب بضرورة الوحدة كبديل عن العزلة السياسية في محيط عربي ينحو في معظمه، منحى الرأسمالية الغربية. وكان تحقيق الوحدة بين شطري الوطن برغم حروب الحدود والتوغلات المتكررة والتي امتدت إلى أمد ليس بالقصير فضلا عن التضاريس السيكولوجية الحادة بين الشطرين، إلا أن مجرد صيرورة التحول إلى وطن موحد، كان إنجازا ضخما في تاريخ تطور اليمن السياسي المعاصر. ومنذ الوحدة إختط اليمن لنفسه برامج تنموية حديثة وانفتح على العالم مع محافظته على خاصيته القبلية ومظاهر حياته التقليدية. غير أن شبح التوتر بين الشمال والجنوب سرعان ما عاد ليخيم من جديد على العلاقات بين شطري الوطن. ومن جديد، عادت إتهامات الجنوبيين بأن الشماليين يستأثرون بنصيب أكبر من السلطة والثروة وطالبوا بتوزيع عادل للثروة سيما وأن شطرهم هو مصدر قوة الشمال حيث موارد النفط والغاز (والتي تتركز جُلها في خليج عدن الحيوي والإستراتيجي) والموارد البشرية ذات الكفاءات والمؤهلات والخبرات أكثر من الشمال. في صيف 2009، إنفجرت العروق أو تفجرت، ليس في الجنوب (المعبأ ذاتيا للانفجار) في هذه المرة، بل في الشمال الغربي من الوطن اليمني. ومع أن السمة المميزة للبناء الاجتماعي لليمن هو أنه بناء قبلي، تشكل كل مجموعة قبلية خيطا مهما من خيوط النسيج المجتمعي اليمني، إلا أن هذه الثابتة من ثوابت المجتمع اليمني على أهميتها في تماسك النسيج اليمني، لم تمنع يمنيو الشمال من نعت يمنيي الشمال الغربي من اليمن 'بالحوثيين' (وهو غَلَطٌ ٌ ولَغَطُ ُ وخلط للأوراق) في مقابل أبناء جلدتهم في الشمال الأمر الذي يكرس ديمومة النظام القبلي في اليمن، الذي حرصت حكومة الوحدة عام 1990 على ضرورة تجاوزه رغم تجذر قيم القبيلة في الذهنية اليمنية، فالقبلية في اليمن حالة ذهنية بامتياز . مع أن هذه الحرب بدأت كحرب باردة منذ أمد بعيد، تغطيها طبقة من الرماد الهش وتكاد تكون الأسباب هي أسباب الجنوبيين نفسها في حرب 1994وفي إحتجاجاتهم لاحقا والتي يقودونها حتى الساعة تحت مسمى 'الحراك الجنوبي'. وهو مزيج من الحراك السياسي المؤدلج بالموروث الماركسي الشيوعي الاشتراكي والحراك الاقتصادي والحراك القبلي. بمعنى أن القاسم الأعظم المشترك بين هؤلاء و'الحوثيين' كان هو الحد الأدنى من العدل الاجتماعي على أقل تقدير . وقد صرح أحد قادة 'الحراك الجنوبي' مؤخرا وهو طارق الفضلي بأن مطالب 'الحراك الجنوبي' تتلخص في التالي : 1 الانفصال عن الشمال. 2 بناء جنوب موحد. 3 ضمان إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الجنوبيين في صنعاء. وما لبثت أن تحولت تلك الحرب الباردة الطويلة بين 'الحوثيين' وحكومة صنعاء، إلى حرب ساخنة عام 2004 لم تتجاوز الشهر، نتيجة هبوب عواصف محلية وإقليمية ودولية إلى حد ما، أطارت ذلك الرماد الهش 'و أصبح هشيما تذروهُ الرياح'. ولماَّ كان 'الصلح خير' و'إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم' اضطلعت دولة قطر بالوساطة ووضعت حرب أشقاء الوطن الواحد أوزارها لتعود القهقرى إلى طورها السابق في خندق الحرب الباردة . ولأن العطار لا يمكن له أن يُصلح ما أفسده الدهر في معظم الأحيان، وفي الحالة اليمنية يبدو ذلك جليا فقد عادت الحرب الساخنة هذه المرة بشراسة أكبر. ويبدو أن ثمة عوامل إقليمية أكثر منها داخلية ودولية لم يرُق لها أن ترى طبقة الرماد الهش، فنفخت فيها من روح حساباتها ومصالحها، فاستوت على عودها حربا ضروسا تغيظ الأصدقاء وتبهج الأعداء. والبارز في هذه الحرب الجديدة بين أشقاء البلد الواحد، هو دخول العامل الجيو سياسي على خط الحرب الداخلية والمتمثل في دخول المملكة العربية السعودية طرفا أساسيا فيها. وهو تطور خطير نظرا للحساسية التاريخية والجيو بيولوجية (وتعني المصاهرة) بين اليمن الذي يُعد بلدا فقيرا مقارنة بجارته الشمالية الأكثر غنى. وربما أن كثيرا من اليمنيين 'حوثيين' أو غير 'حوثيين' قد استيقظت فيهم أحلام انتزاع أراضيهم التي يقولون إن الملك الراحل عبد العزيز - مؤسس الدولة السعودية الثالثة الحالية، يرحمه الله - قد استولى عليها في بداية عشرينات القرن الماضي، عنوة نتيجة غفلة تاريخية في ظروف إقليمية ودولية مؤاتية، إبان خضوع اليمن الجنوبي للاستعمار الإنكليزي وخضوع الشمال للحكم العثماني . ويُضاف إلى ذلك أن الاستعمال المفرط في القوة الجوية والقصف الجوي بالصواريخ والقنابل من قِبل حكومتي اليمن والسعودية، ضد مقاتلين يستعملون تكتيكات حرب العصابات وما ينتج عن ذلك من قتل وإصابة للمدنيين اليمنيين، وما يفرزه ذلك من مواطنين أبرياء معوَّقين ولجوء الناس إلى مخيمات أقامتها الأممالمتحدة في مناطق القتال، يُلهب مشاعر العرب والمسلمين دعك عن اليمنيين، ويجعلهم يتعاطفون أكثر فأكثر مع 'الحوثيين .' كما أن مثل هذا النعت الذي صدَّره الإعلام اليمني للخارج وغدا لازمة للحرب الأهلية اليمنية الراهنة، يُضلل الجاهل بالأنثروبولوجيا (علم دراسة المجتمعات القديمة) اليمنية. إذ أنه يصور الحوثيين - وهم يمنيون عرب أقحاح، دأبهم كدأب كل قبائل اليمن - على أنهم 'حثالة' و'نزر يسير'، متجاهلا أنهم قبائل يفوق عددهم الأربعة ملايين. أو أنْ يُصورون على أنهم ليسوا يمنيين ضاربة جذورهم في تاريخ اليمن أبا عن جد . إن كوْن 'الحوثيين' قبائل يمنية من الزيديين الشيعة (علما بأن الرئيس علي عبد الله صالح هو نفسه زيدي شيعي) لا يخرجهم إطلاقا عن كونهم يمنيين عرباً مسلمين. إن الفسيفساء اليمنية تحوي السنة والشيعة واليهود وأقليات عرقية ومذهبية وعقائدية أخرى، تكوِّن في مجموعها قبائل اليمن. كان الأجدر بالحكومة اليمنية أن تتعاطى مع الأسباب الحقيقية وراء حركات التمرد، وتتصدى لجذور الأزمة، بدلا من الادعاء أنهم ينفذون أجندة أجنبية أو ما شابه. لأن مثل هذا الادعاء يمكن أن يٌُقرأ أنه هروب من استحقاقات تجاه مواطنين تم حرمانهم من حقوق المواطنة . سواء الحراك الجنوبي أو 'الحوثيين' لا بد أن يُعاملوا أسوة بأهل صنعاء سواءَ بسواء. أما الكيل بمكيالين، ووضع قوانين لهؤلاء وأخرى لأولئك، واعتماد الانتقائية في التوظيف والبعثات الدراسية، وإيثار قبائل بعينها على أخرى ومحاباة تلك على حساب أخرى، كل هذه الأشكال من التعاطي مع المواطنين من قِبل حكومة يُفترض فيها أن تكون للجميع، يُفقدها الصدقية ويوقعها في المهالك ويُحدث ثغرات في جبهتها الداخلية والذي يُعتبر المواطنون، كل المواطنين صمام الأمان فيها . إن خطاب 'الحوثيين' لا يختلف كثيرا عن خطاب 'الحراك الجنوبي'، فكلا الفريقين يتهم حكومة صنعاء بالفساد الإداري والمالي وهدر المال العام على مستوى كبير، وأن منابع النفط بدأت تنضب وأن منابع المياه تجف بازدياد بسبب الإهمال وسوء الإدارة، وأن الشعب اليمني يتضاعف عدده، فهو اليوم يزيد قليلا على أربعة وعشرين مليون نسمة.