لايزال التاريخ الجنوبي يسرد لنا بعض الأحداث والصراعات الدامية، التي خاضها أجدادنا وآباؤنا في الجنوب العربي، خاض الثوار معارك شرسة من أجل نيل الحرية والاستقلال وطرد الاستعمار البريطاني من الجنوب العربي، كانت الناس تتسابق للموت من أجل الحرية والكرامة، ولم تتسابق للمنصات وتعدد الأحزاب ورفع الصور والشعارات الزائفة . وما يزال التاريخ الجنوبي تحفل بالكثير من قصص الاستقلال التي واكبت حقبة الانتداب البريطاني، ورغم أن اللحظة التاريخية الأبرز تتجلى في انتصار الثورة الجنوبية الكبرى في الثلاثون من نوفمبر/ تشرين الثاني 1967م يوم تحققت فرحة الجلاء وطرد آخر جندي بريطاني من الجنوب العربي، إلا أن ذاكرة المعمرين وأبنائهم تسرد حتى اليوم سلسلة لا تنتهي من الحكايات والتفاصيل السياسية والاجتماعية كانت هي ما أطر لهذا النصر الكبير.
لكن ما نراه اليوم حول طبيعة الخلافات والصراع حول المنصة، من أحزاب المعارضة وبعد الاستماع إلى وجهة نظر «الهياكل الرسمية» لبعض الأحزاب واستشراف رؤيتها حول ما يجري في داخل تنظيماتها السياسية من مظاهر ل «التآكل» والتمزق» والتنافس» الذي فاق في عديد المرات الحدود المعقولة، ليشكل «ورطة فعلية» تنبئ عن انتظاران متعددة لما قد تؤول اليه الاوضاع في الاشهر القادمة وتهدد بصفة ملموسة وحدة ونسيج الصف الجنوبي .
وما نشعر به هو تعند بعض المكونات الخارجين عن الاطر الرسمية، والطريف في ما سيقرأه القارئ هو اصرار المحاورين على عدم اعتبار أنفسهم هكذا خارجين عن الاجماع، بل يعتبرون أنفسهم «شرعيين» ومالكين ل مفاتيح إنهاء الازمات داخل احزابهم وقادرين على إنهاء كل الصراعات، بل أن تسوية الملفات العالقة سواء في اروقة التجمعات أو مكاتب ومقرات الأحزاب تمر عبرهم وبواسطتهم. كما أنهم يرون في أنفسهم أصحاب مبادئ ثورية رفيعة منقطعة تماما على المصالح وصراع المواقع .
التساؤل هنا : ما هو الاستقلال الذي نبحث عنه، بعد كل هذه السنين والمليونيات التي تخرج واحدة تلو الأخرى، هل الاستقلال هو الطواف حول المنصة والتسابق على الميكروفونات والتشرذم والتخوين وعدم القبول بالآخر، هل اختزلنا الجنوب في المنصة التي لاتسمن ولأتغنى من جوع، هل المنصة بنظر أولئك القوم تعني التحرير الأكبر، وهل يعقل أن نترك غاز شبوة وبترول حضرموت ومصافي عدن واسماك المهرة وبساتين ابين ولحج للاحتلال اليمني ونتمسك بالمنصة ورفع الصور وتعميق الخلافات، بينما الاحتلال اليمني لايزال باقياً على جنوبنا الحبيب، فالغزاة اليمنيون لايزالون يتشبثون بمقاليد الأمور السياسة في أرضنا الحبيبة، أم أن وباء الخلافات هو الذي يدفعنا إلى البحث عن مالا يغنينا من جوع أو لا يسمنا من سعادة .
المثال الفج الذي ينطبق على أرض الجنوب هو مثال القضية الفلسطينية، التي لم ينصفها العالم الغربي ولا العربي بسبب الانقسام والتخاذل، لايزال التآمر مهيمناً عليهم، فضلاً عن آلة صهيونية حديدية قابضة تمنع الفلسطينيين من الحرية أو فك قيد الأغلال، بل وتحاسبهم ألف حساب بكل صغيرة وكبيرة، فالقذيفة “ألحماسية” تبدل لهم بقصف عشوائي بطائرات الF16 وتترك وراءها سيولاً من الدماء ، وما بات واضحاً للقاصي والداني هو : هل وقف العالم إلى جانب الفلسطينيين في طلبهم المشروع بالحصول على سيادة تقودهم إلى الخروج من رحم الصهاينة… لا بل ورجع الفلسطينيون إلى أرضهم خالي الوفاض، رغم ما بذلوا كل ما بوسعهم من جهود جبارة وحثيثة من أجل أن يروا علم فلسطين وهو يرفرف فوق مقر الأممالمتحدة .
فالخلافات الطائشة هيء التي تجهض ثورتنا وتأخر مشروعنا التحرري الاستقلالي، لا نريد مبادرات من هنا وهناك، نريد من قيادات الجنوب أن يحكموا ضمائرهم، ويعوا تماما أن مصلحة الوطن فوق مصلحة الأشخاص والأحزاب، ويضعوا حدا للمظاهرات السلمية، لآن الدماء الجنوبية التي تسفك على مرأى ومسمع ونحن نقابلها بالهتافات والأهازيج أمرا غير مقبولا، أما آن الأوان أن تترك الفرصة للشباب أن يدافعوا عن أنفسهم وذلك أضعف الإيمان.