span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/صادق ناشر يعيش اليمن اليوم على إيقاع أكثر من أزمة اختلط فيها العامل السياسي بالعامل الأمني، لا سيما مع اتساع حجم المواجهات مع تنظيم “القاعدة”، وتزايد الاحتقان في علاقة السلطة بأطراف الحراك الجنوبي، زاد في ذلك حدة الأزمة بين أطراف العملية السياسية في البلاد التي تفاقمت قبل حلول عيد الفطر المبارك بأيام بعد أن أقحم الرئيس علي عبدالله صالح العلماء في الأزمة السياسية بتشكيله لجنة من العلماء اقترح أن تكون مرجعية للجنة الحوار الوطني، وهو ما أثار حفيظة المعارضة المشاركة في الحوار التي سارعت إلى رفضها، خاصة أن لجنة العلماء التي أسند إلى الشيخ عبدالمجيد الزنداني مهمة رئاستها باشرت بعد ساعات من تشكيلها في الطلب من لجنة الحوار كشفاً بما أنجزته من أعمال . بدا أن عجلة التطورات في اليمن بدأت في الدوران بشكل متسارع، بخاصة أن إيقاع الاستحقاقات الانتخابية بدأ يفرض نفسه على الساحة، إذ أنه لم يتبق سوى سبعة أشهر على موعد إجراء الانتخابات التشريعية في وقت لا تزال فيه مواقف أطراف القوى السياسية حيال هذه القضية تتقاطع بين مؤيد لإجرائها ومعارض لها . انشغلت البلاد منذ أكثر من شهر بالتطورات الأمنية التي طرأت على المواجهة مع تنظيم “القاعدة”، حيث يتمسك التنظيم بما تحت يديه من حضور في محافظة أبين، حتى إن جذوة المواجهات التي استمرت في منطقة لودر لثلاثة أسابيع لا تزال ذيولها مشتعلة في مناطق أخرى من المحافظة، بل إنها امتدت إلى محافظة شبوة المجاورة، مع مخاوف لدى صنعاء من أن تتحول المناطق الجنوبية من البلاد إلى ساحة مفتوحة في إطار الحرب ضد تنظيم “القاعدة” . ويبدو أن المواجهة مع أنصار الحراك الجنوبي صارت هي الأخرى تأخذ أبعاداً أمنية خطيرة، بعدما اتهمت صنعاء قوى الحراك الجنوبي بالتعاون مع “القاعدة” بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب الذي تزامن مع احتلال مسلحين قبليين ينتمون إلى الحراك لمقار أمنية تابعة للدولة وطرد المسؤولين من هذه المقار، إضافة إلى الجنود الموجودين فيها، بخاصة في محافظة لحج ودخول الطرفين في مواجهة مفتوحة بدأت معها قبضة الدولة ترتخي مقابل اشتداد قوة المعارضين لها من قوى الحراك الجنوبي . وفي موازاة هذا المشهد الدامي في المناطق الجنوبية من البلاد، بدت نذر مواجهات بين القبائل والمتمردين الحوثيين في شمال البلاد بالظهور مجدداً، رغم الحديث عن مساع قطرية لتهدئة الأجواء في هذه الجبهة المعرضة للانهيار، حيث تتزايد شكاوى السلطة من خروقات الحوثيين للاتفاق الموقع بين الجانبين الشهر قبل الماضي في العاصمة القطرية الدوحة، وما يقوله الحوثيون من توجهات لإشعال حرب جديدة، وهذا ما يؤكد وجود تحركات لإشعال الحرائق في المناطق الشمالية من جديد، وهو ما يشرع الأبواب لحرب سابعة قد تندلع في أية لحظة . span style=\"color: #800000\"جروح الجنوب كشفت التطورات التي تشهدها المناطق الجنوبية من اليمن عن أزمة عميقة تضرب البلاد، فمنذ أشهر لم تعد هذه المناطق تشهد أي نوع من الاستقرار، خاصة المناطق الأربع الملتهبة، وهي لحج، والضالع، وأبينوشبوة، فإضافة إلى المواجهات الدامية في أبين في إطار الحرب بين قوات الأمن المعززة بقوات الجيش وتنظيم “القاعدة”، هناك مواجهات مفتوحة ومستمرة مع أنصار الحراك الجنوبي، حيث لا يخلو يوم من أنباء تتحدث عن هجوم على دورية أمنية أو مصرع أشخاص أو محاولة اعتقال آخرين أو إلقاء القبض على مطلوبين . ولضبط هذه التطورات رمت السلطة بثقلها في هذه المناطق أملاً في تطهير المناطق الجنوبية من البلاد من قبضة تنظيم “القاعدة”، حيث يبدو التنظيم قد تمكن من تعزيز حضوره في محافظتي أبينوشبوة بحكم الامتداد والتداخل الجغرافي بينهما، بينما يتحكم أنصار الحراك الجنوبي على الأوضاع في محافظتي لحج والضالع . وعلى الرغم من محاولة صنعاء الربط بين الجانبين، فإن الحراك الجنوبي يحاول أن ينأى بنفسه عن التحالف مع تنظيم “القاعدة” للفوارق الأيديولوجية والأهداف لدى كل منهما، إلا أنهما يلتقيان في الهدف العام وهو الخصومة ضد النظام ومحاولة القضاء عليه بأية طريقة كانت . ويقول عيدروس حقيس، القيادي في الحراك الجنوبي إنه: “لا توجد أية علاقة لقوى الحراك بكل ما يجري حالياً من عنف في مديرية لودر، وقد أبدينا موقفاً رافضاً ومندداً بهذه الأحداث، واتهامات السلطات للحراك الجنوبي بالارتباط بدعم “القاعدة” في لودر تستهدف فقط الإساءة إلى الحراك الذي ينطلق في أنشطته من أدبيات النضال السلمي الهادف إلى استعادة الحقوق المسلوبة، ومن جهتنا نتهم السلطات الأمنية بالسعي إلى تفجير الأوضاع في أبين” . ويتهم علي حسن نصار، أحد القيادات الشعبية لقوى الحراك الجنوبي في أبين السلطات الأمنية فيها بشن حملة اعتقالات في أوساط ناشطين في الحراك الجنوبي بمديرية لودر والزج بهم في السجون على خلفية المواجهات المتصاعدة في منطقة “العماير” بمحافظة أبين، وتحت مبرر التورط في تقديم دعم لتنظيم “القاعدة”، بالقول إن السلطات اعتقلت العشرات من ناشطي الحراك الجنوبي في لودر تحت مبرر تقديم الدعم لتنظيم “القاعدة” والمشاركة إلى جانب المجاميع التي وقعت معها مواجهات في لودر التي لاتزال مستمرة، وهذا يعد خلطاً مفتعلاً للأوراق ومحاولة لاستثمار أحداث لودر في ضرب قوى الحراك الجنوبي التي تعتمد في أنشطتها على الخيار السلمي وليس اللجوء إلى العنف أو المشاركة فيه . وجاءت التطورات التي شهدتها منطقة لودر بمحافظة أبين من مواجهات شرسة بين قوات الأمن وعناصر تنظيم “القاعدة” لتؤكد دخول الدولة في أتون مواجهة لا يبدو أنها خارجة منها من دون خسائر باهظة، فالواضح أن تنظيم “القاعدة” بدأ بترسيخ أقدامه في المناطق الجبلية لأبين التي توفر الغطاء الآمن لتحركات أعضائه، خاصة جبال حطاط والمراقشة، بل إن التداخل القائم بين مناطق المواجهات والجبال المحصنة هو الذي صار يقلق السلطات بصنعاء ويجعلها متخوفة من أن يتمكن “القاعدة” من تعزيز حضوره أكثر، لا سيما بعد البيان الذي أصدره التنظيم قبل نهاية شهر رمضان وأعلن فيه لودر بمحافظة أبين “ولاية للمجاهدين” . ويبدو أن لهذه التخوفات ما يبررها، إذ إن تنظيم “القاعدة” بدأ يمارس نشاطه بشكل علني أكثر، حتى أنه بدأ يوزع منشوراته بشكل علني على المحال التجارية وعلى السكان، وما أخاف المواطنين أكثر أنه وجه تحذيرات ل 54 مسؤولاً أمنياً بالاسم بتصفيتهم إن لم يعلنوا التوبة ويتخلوا عن ولائهم للدولة . ويرى مراقبون أن الحضور الكبير لتنظيم “القاعدة” في محافظة أبين يرجع لسنوات سابقة وتحديداً للعام 2003 الذي شهد أول مواجهات مسلحة بين القوات اليمنية ومجاميع مسلحة تابعة للتنظيم في منطقة “جبل سرار”، بينما لم يعد سراً الوقوف على حقيقة وجود عناصر “القاعدة” في بعض المناطق، وهو ما أكده النائب في البرلمان اليمني علي عشال الذي يعد أحد الوجاهات الاجتماعية البارزة في أبين بالقول إن “عناصر “القاعدة” في أبين معروفة لدى الناس وهي تقيم في بعض القرى والناس يعرفون أسماءهم، ومواقع وجودهم، وهذا ليس سراً بل أمر معروف” . وتعيش أبين ومنذ مطلع شهر يوليو/ تموز المنصرم ظروفاً أمنية استثنائية عقب تصعيد التنظيم وبشكل لافت لعملياته المسلحة التي بلغت حتى نهاية مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الجاري 21 عملية هجومية استهدفت في مجملها ضرب منشآت أمنية وعسكرية وتصفية شخصيات أمنية واستخباراتية ذات صلة بملف مكافحة الإرهاب وحملات التعقب والملاحقة لعناصر التنظيم في أبين وبعض المحافظات المجاورة، وأسفرت هذه العمليات، بحسب مصادر مستقلة بأبين، عن مصرع ما يقدر ب 52 عسكرياً من قوات الجيش ووحدات الأمن المركزي المتخصصة في مكافحة الإرهاب مقابل مصرع 15 من عناصر “القاعدة” قبيل أن يتوج مشهد الصراع المحتدم بين التنظيم والسلطات اليمنية بتحول دراماتيكي لافت في السياق التقليدي للمواجهات نقلها من نمط الهجمات الخاطفة للقاعدة والضربات الاستباقية للقوات الأمنية اليمنية، إلى اشتباكات مباشرة ومتصلة احتكرت مشاهدها الدامية منطقة “العماير” التابعة لمديرية “لودر” بأبين التي تحول العديد من أحيائها وشوارعها إلى ساحات مغلقة على مواجهات مسلحة أشبه ب “حرب عصابات”، قبيل أن تنحصر الاشتباكات في بعض الأحياء بين مجاميع مسلحة من عناصر “القاعدة” تتمركز في منازل متفرقة بذات المنطقة، وقوات مشتركة من الجيش والأمن المركزي، الأمر الذي تسبب في نزوح ما يقدر بثمانين ألفاً من السكان إثر اشتداد المعارك وارتفاع سقف التوجسات الشعبية من حجم التداعيات المقبلة . ويقول عبدالسلام علي يحيى جابر من أبناء مديرية لودر: “لايوجد مكان آمن في منطقة “العماير” بلودر، لقد فتحت الحرب الراهنة بين القوات الأمنية والجيش وعناصر “القاعدة” أبواب جهنم على أهالي هذه المنطقة الذين هرب معظمهم من النيران إلى مناطق مجاورة، الجيش والأمن لايريدون بقاء سكان في “العماير” وطالبوا الجميع بالنزوح، إنهم يريدون إغلاق المدينة على عناصر “القاعدة” ودفنهم ربما تحت أنقاض المنازل التي يتحصنون فيها” . span style=\"color: #800000\"معارك سياسية في وقت كانت فيه المعارك الدامية تشتعل بين قوات الأمن وتنظيم “القاعدة” وقوى الحراك في الجنوب، كانت معركة سياسية تحتدم في صنعاء في سياق خلافات بين الحزب الحاكم والمعارضة سببها الخطوة التي أقدم على اتخاذها الرئيس علي عبدالله صالح قبل أيام قليلة من انتهاء شهر رمضان المبارك عندما أعلن عن لجنة من العلماء تكون مرجعية للجنة الحوار الوطني لمعالجة كل الحوادث والظواهر السلبية التي تظهر من وقت لآخر، خاصة أن لجنة العلماء التي رأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني بدأت بممارسة أولى مهامها بالطلب من لجنة الحوار المشكلة من الأحزاب كشفاً بما أنجزته من أعمال، وهو ما اعتبرته قيادات في المعارضة تدخلاً في شؤون لجنة الحوار . وقال الناطق باسم المعارضة اليمنية الدكتور محمد صالح القباطي إن اللجنة التي شكلها صالح “تأتي في سياق الإجراءات الانفرادية الصادرة عن طرف واحد”، معتبراً أن “أية إجراءات أو قرارات أو مواقف سياسية انفرادية تتعلق بالحوار الوطني الشامل وأطرافه وقضاياه في مراحله المختلفة صادرة عن أي طرف خارج إطار مشروعية التوافق الوطني، لا تعني المشترك (المعارضة) وشركاءه” . واتهم القباطي النظام ب “وضع المزيد من الكوابح والمعوقات أمام نجاح مسيرة الحوار الوطني” بالقول إن “لجنة العلماء تأتي خارج إطار التوافق الوطني، كما أنها خطوة لا تلزم بشيء أياً من أطراف الحوار الوطني الشامل الذي لا يستثني أحد، الجاري التهيئة له وفقاً لمرجعية التوافق الوطني التي نصت عليها وتضمنتها الاتفاقيات المبرمة بين تكتل اللقاء المشترك من جهة والسلطة وحزبها من جهة أخرى” . لم تكن معركة لجنة العلماء التي شكلها الرئيس علي عبدالله صالح سوى واحدة من المعارك السياسية التي خاضها الطرفان، أي السلطة والمعارضة، فإضافة إلى ذلك كانت هناك حملة شرسة شنها الإعلام التابع للحزب الحاكم طالت أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني المعارض الدكتور ياسين نعمان بسبب تصريحات أدلى بها قبل أيام واعتبر فيها أن الوحدة فشلت، تماماً كما فشل التشطير بين شطري اليمنين سابقاً، مطالباً بصيغة جديدة تضمن استمرار دولة الوحدة عبر تسوية تأريخية تضمن قيام دولة اتحادية فيدرالية تكون قادرة على حماية منجزات اليمنيين . ورأى الدكتور نعمان أن الحوارات الدائرة اليوم بين أطراف القوى السياسية هي حوارات تمهيدية لا تصنع حلولاً بقدر ما تشخص الأزمة وصولاً إلى هذه الحلول التي تبدو بعيدة في الوقت الحاضر، كما أكد أن المعارضة لن تدخل الانتخابات المقبلة المقرر أن تشهدها البلاد في السابع والعشرين من شهر أبريل/ نيسان المقبل، قبل أن يجري الاتفاق على صيغة سياسية للأزمة القائمة اليوم . وإلى جانب انعدام الثقة بين أطراف الحياة السياسية، رغم انطلاق جولات الحوار السياسي بين الحزب الحاكم وحلفائه والمعارضة وحلفائها، فإن استمرار نشاط اللجنة العليا للانتخابات بدا وكأنه يصب مزيداً من الزيت على نار الأزمة المشتعلة أصلاً بين الجانبين، لا سيما في ظل إصرار الحزب الحاكم على اعتبار اللجنة شرعية وأن كل ما تقوم به يأتي في إطار هذه الشرعية، بينما تعتبر المعارضة اللجنة غير شرعية بموجب الاتفاق الموقع بين الجانبين في شهر فبراير/ شباط من العام 2009 ومحضر آلية تنفيذ الاتفاق الموقع في شهر يوليو/ تموز الماضي، وتعتبر أن كل ما تقوم به اللجنة باطل وغير شرعي . وعلى إيقاع هذه الأزمات السياسية والأمنية التي يعيشها اليمن تحتاج البلاد إلى رؤية سياسية مختلفة عن تلك التي تتم بها معالجة الأوضاع القائمة، رؤية تقوم على تدارك ما يمكن تداركه بسبب تواتر عوامل الانهيار للوضع برمته، خاصة أن كل طرف لا يزال يعتقد أنه وحده من يمتلك مفاتيح الحلول، وأن ما بأيدي الآخرين ليس سوى مفاتيح الدمار .